منهجية القولة : إشكال قيمة النظرية العلمية

 
منهجية القولة : إشكال قيمة النظرية العلمية


منهجية القولة : إشكال قيمة النظرية العلمية

 إشكال قيمة النظرية العلمية

القولة:

 "تكمن القيمة العظمى للنظرية في قوتها على اقتراح قوانين جديدة، يمكن التحقق منها تجريبيا."


تحرير الموضوع:


مقدمة:


 تطرح القولة، داخل المجال النظري للمعرفة الإنسانية، وبالضبط المعرفة العلمية، إشكالا إبستيمولوجيا يتعلق بقيمة النظرية العلمية ومعيار علميتها وعلمية قوانينها، في علاقة ذلك مع التجربة العلمية بوصفها خطوة منهجية أساسية في المنهج التجريبي. وفي هذا الإطار يمكن مساءلة الأساس العلمي للنظريات العلمية، وهل التجربة العلمية هي الشرط الحاسم في تحديد صلاحية قوانين النظرية؟ أم يؤدي تطور العلم إلى مراجعة جذرية لمثل هذه التصورات الإبستيمولوجية، وهو الأمر الذي يحاول السؤال المرفق بالقولة إثارته من خلال التساؤل عن الأبعاد الإبستيمولوجية لهذه القولة.


تحليل:


تقوم الأطروحة المعبر عنها في القولة على إثبات مفاده أن القيمة الإجرائية والتفسيرية لنظرية علمية ما، وبالتالي صلاحيتها في فهم الظواهر الجديدة، تكمن في ما تقدمه من قوانين جديدة قابلة للتحقيق التجريبي. وهذا معناه أن النظرية العلمية، باعتبارها نسقا نظريا من القوانين والعلاقات المعبر عنها رياضيا، لا بد أن تخضع قوانينها (التي هي في البداية فروض علمية) للتجربة العلمية بما هي لحظة منهجية أساسية في المنهج التجريبي، لحظة يعمل فيها العالم على إخضاع موضوعه وفروضه إلى المساءلة عبر إعادة إنتاج الظاهرة المدروسة مختبريا. وإن من شأن هذه الإجراءات المنهجية أن تسمح للعالم، بعد التحقق التجريبي من كل الفروض، بصياغة نظرية دقيقة وموضوعية حول الظاهرة موضوع دراسته، بل يمكن لكل واحد أن يتحقق من صلاحية النظرية وقوانينها بمجرد اعتماد نفس الخطوات المنهجية. وبناء على ما سبق يمكن القول: إن قيمة النظرية وقوانينها مشروط أساسا بالمصدر الواقعي الذي تقوم عليه التجربة العلمية، بوصفها منبع النظرية والمحك للحكم على قيمتها، فهي المنطلق والمرجع لبناء النظرية. والتأكيد هنا على التجربة العلمية هو تأكيد يستمد قوته مما عرفه تاريخ العلم من تحولات، حيث استقلت العلوم عن الفلسفة وعن المباحث النظرية المجردة الموغلة في التجريد، مع ما صاحب ذلك من ابتعاد عن الواقع التجريبي وبناء التجارب المختبرية التي دشنتها أبحاث غاليلي ونيوتن.


مناقشة:


غير أن التحولات الإبستيمولوجية التي عرفتها العلوم الحقة، خصوصا الفيزياء، وما نتج عن دراسة الظواهر الميكروفيزياء التي تتجاوز اختبارية المنهج التجريبي الكلاسيكي (الذرة، الضوء...)، كل ذلك أدى إلى مراجعة مفهوم التجربة العلمية، وبالتالي علاقتها مع النظرية. فلم تعد التجربة هي المنبع الوحيد للنظرية العلمية، ولم تعد لحظة التجريب هي اللحظة الحاسمة في إثبات صلاحية نظرية علمية ما. لقد انتقل العلم من تلك النزعة الاختبارية إلى عقلانية علمية جديدة، عقلانية تؤمن بأهمية حوار التجربة والعقل في بناء النظريات العلمية، وكذا أهمية التجربة الذهنية الخيالية والرياضية التي لا تقوم على الواقع الحسي المباشر، بل تهدمه وتعيد بناءه داخل منظومة نسقية رياضية تسبق الواقع. ولقد كان من نتائج هذه التحولات التي عرفتها العلوم، أن تم إعادة النظرية في معايير علمية النظريات العلمية، بحيث انتقل الحديث من التجربة الحاسمة إلى الحديث عن أهمية الفروض الإضافية والاختيارات المتعددة التي تخرج النظرية من عزلتها وتربطها بنظريات أخرى مما يضفي على نظرية علمية ما قوة علمية وتماسكاً منطقيا. وفي نفس السياق سيؤكد "كارل بوبر" على أن النظرية العلمية التجريبية الأصيلة هي التي تستطيع تقديم الاحتمالات الممكنة التي تفند بها ذاتها وتفحص بها نقط ضعفها. وهذا معناه أن النظرية العلمية عليها أن  تقوم، وبصفة قبلية، بإخضاع فروضها لمعيار القابلية للتفنيد أو التكذيب.

تركيب:


تفصح القراءة الإبستيمولوجية لتاريخ العلم عن دينامية خاصة، وعن طابع تفاعلي بين النظرية والتجربة في المعرفة العلمية، بحيث لا مجال للحديث عن انفصال أو أولوية طرف على الآخر، بل هناك حوار دائم بين النظرية والتجربة، بين العقل والواقع. فلا وجود لتجربة علمية مستقلة عن العقل، ولا وجود لنظرية عقلية مجردة.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-