منهجية تحليل نص فلسفي : إشكال حرية الشخص ودوره في التاريخ

 

منهجية تحليل نص فلسفي : إشكال حرية الشخص ودوره في التاريخ

إشكال حرية الشخص ودوره في التاريخ

منهجية تحليل نص فلسفي : إشكال حرية الشخص ودوره في التاريخ


النص: 


"أرى أن أي إنسان مقتنع بحيازته لحرية الاختيار أو حرية الإرادة، يتميز بإحساس أعظم بالمسؤولية يفوق الشخص الذي يعتقد أن الحتمية الشاملة تسود العالم وتتحكم في حياة البشر. وتعني الحتمية أن تيار التاريخ،  وما يحمله من شتى مظاهر الاختيارات والأفعال الإنسانية، تحدد مساره مسبقا تحديدا كاملا منذ بداية الزمن.

إن من يعتقد أن كل ما هو كائن قد تحددت له كينونة ما، بمقدوره أن يحاول التنصل من المسؤولية الأخلاقية المترتبة عن ارتكاب الفعل الخاطئ، كالزعم بأنه كان مجبرا على فعل ما فعله، لأن هذا الفعل كان مقدرا تبعا للقوانين الصارمة التي تربط السبب بالنتيجة.

أما إذا كان الاختيار الحر موجودا حقا في لحظة الاختيار، فلا يخفى أنه في هذه الحالة، سيتمتع بالمسؤولية الأخلاقية الكاملة لاتخاذ القرار والاختيار بين بديلين أو أكثر من البدائل الحقيقية. وبذلك لا يكون لحجة الحتمية أي وزن."


تحرير الموضوع:


مقدمة:


يمكن تأطير موضوع هذا النص داخل المجال النظري للأخلاق والوضع البشري، وذلك اعتبارا لما يطرحه مفهوم الحرية (باعتباره مفهوما مركزيا في النص) من إشكالات تهم الكائن الإنساني الأخلاقي بوصفه شخصا يتميز بالوعي والإرادة، وبما هو مصدر لكل القيم العليا، وأيضا بما هو فاعل تاريخي يصنع تاريخه ويتأثر بأحداث هذا التاريخ. فهل الفعل الإنساني فعل حر بشكل مطلق، أم إن حرية أفعاله حرية مقيدة بضرورات وشروط؟ ألا يؤدي القول بالضرورة المقيدة للشخص إلى نفي المسؤولية الأخلاقية عنه؟ يطرح النص إشكال حرية الشخص ودوره في التاريخ، مع ما يطرح هذا الإشكال من رهانات أخلاقية، خصوصا عندما يتم التأكيد على حرية الإنسان ومسؤوليته التامة عن أفعاله واختياراته.


تحليل:


يدل مفهوم الشخص على الكائن المفكر والعاقل الذي يملك القدرة على التأمل والتعقل، كما يملك الحرية على الفعل داخل عالم الضرورات والحتميات. فكيف نؤكد على حرية الشخص مع القول بالضرورات التي تشرط وجوده بوصفه كائنا يخضع لقوانين الطبيعة وإكراهات المجتمع..؟

يقدم النص بصدد هذه الأسئلة المرتبطة بإشكال الحرية الأخلاقية للشخص ودوره الإيجابي في تحديد مصيره وتاريخه، أطروحة تربط بشكل قوي بين حرية الاختيار والمسؤولية الأخلاقية. إن الشخص الذي يؤمن بحريته وقدرته على ممارسة هذه الحرية عند مواجهة وضعيات متعددة، بحيث يقبل على فعل معين بدون إكراهات خارجية، هو شخص يصرح بمسؤوليته التامة عن أفعاله، وبالتالي يتحمل التبعات كاملة. فالإحساس بالمسؤولية الأخلاقية اتجاه الذات والغير والعالم، إحساس رهين بمدى إدراك الشخص حريته وقدرته على الفعل وعلى الاختيار. وإن من النتائج التي يمكن أن تترتب عن الاعتقاد القوي بحرية الاختيار والإرادة، والإحجام عن كل تصرف سيئ يعرض صاحبه للمساءلة الأخلاقية والقانونية. كما أن الشخص المقتنع بحرية الإرادة شخص يمكنه أن يساهم في صنع مصيره ومصير مجتمعه بكل وعي ومسؤولية بدل انتظار عوامل ما، هي التي يمكن أن تغير مصيره. في المقابل، إن الشخص الذي يتمثل ذاته بصفتها ذاتا بدون حرية ولا قدرة على الاختيار، إنما هو شخص يعتبر نفسه مجبرا على أداء أدوار محددة بشكل مسبق من طرف قوى خارجية، وهو بذلك ينفي عن ذاته كل مسؤولية أخلاقية وقانونية: فكل ما قام به من شر وظلم ورذائل إنما كان مرغما على القيام بها ولا اختيار له فيها، وإذن لا يمكن معاقبته أو توجيه اللوم إليه. إن مثل هذا التصور يفسح المجال أمام كل أنواع المظالم والرذائل التي يمكن أن يعرفها المجتمع، كما يجعل المتابعة القانونية والأخلاقية لا معنى لهما. إن من شأن القول، إذن، بانتفاء شرط الحرية عن أفعال الأشخاص أن يؤدي إلى نزع المسؤولية الأخلاقية عن الأفعال. وإن الوعي بما لهذا التصور من نتائج سلبية نظريا وعمليا لا بد أن يجعلنا نؤكد، اعتمادا على الاستدلال بالخلف، على أهمية حرية الشخص ومسؤوليته عن أفعاله.


مناقشة:


تكمن قيمة أطروحة النص في كونها جعلت من الحرية القيمة العليا التي تضفي معنى على كل الأفعال الإنسانية. فلا معنى للفعل الأخلاقي إذا لم يكن صادرا عن إرادة حرة، وعن اختيار مسؤول. وقد يبدو القول بفعل أخلاقي حر قولا فيه تناقض، على أساس أن القيم الأخلاقية هي في حد ذاتها جملة من القواعد الملزمة للفعل والمحددة له. والحال، كما يقول "كانط": إن الحرية تتجسد في الفعل الأخلاقي ما دام فعلا يصدر عن إرادة خيرة وعن تشريع العقل. فالعقل هو الذي يضع الأوامر العقلية وهو الذي يفرض على الشخص العاقل الالتزام بها بوصفها واجبات عقلية كونية. إن الشخص عندما يخضع لأوامر العقل فإنما يخضع لإرادته الحرة. وإذا كان الفعل الأخلاقي الحر لا يتحقق إلا في إطار القيم الأخلاقية، فإن الحرية السياسية لا يمكن أن تتجسد إلا في سياق القوانين التي يتعاقد حولها المواطنون. إن الحرية لا تعني الفوضى والانصياع للأهواء، وإنما تعني أن نفعل بوعي ومسؤولية داخل التزام بقوانين وقواعد تعمل على جعل تعايش الحريات ممكنا في فضاء عمومي مشترك. لذلك يؤكد "مونتسكيو" على أن الحرية هي الحق في القيام بكل ما تسمح به القوانين. فالشخص له الحق في أن يستعمل سيارته متى شاء وأن يتجه الوجهة التي يختارها، لكن عليه بالمقابل أن يحترم قوانين السير لأن في احترامها حفاظا على سلامة الغير، وفي عدم احترام هذه القوانين تهديد للذات وللغير.


تركيب:


إن مفهوم الحرية عندما يرتبط بمفاهيم الإرادة والاختيار والقوانين والمسؤولية، يصبح مفهوما أقل تجريدا وغموضا، لأنه آنذاك يغدو مفهوما متجسدا في الحياة اليومية، ويضعنا في مواجهة مباشرة أمام ما يقع من حوادث. فإما أن نتحمل مسؤولياتنا اتجاه أفعالنا والمجتمع والغير، وإما أن نٌرجع تخلف المجتمع وغياب العدالة والمساواة إلى حتميات، حتى نبرر كل الظواهر بمبررات خارجية، ونتملص من كل مسؤولية أخلاقية.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-