منهجية السؤال : هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟

 

منهجية السؤال : هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟

 هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟


السؤال :


هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟


منهجية السؤال : هل تنحصر هوية الشخص وقيمته في الجسد؟


تحرير الموضوع:


مقدمة:


يتأطر موضوع هذا السؤال ضمن المجال النظري الإشكالي للوضع البشري، فالإنسان كائن يخضع من جهة لعالم الضرورة، وهو عالم القوانين والإكراهات، كما أنه، من جهة ثانية، كائن يستطيع التعالي على عالم الضرورة بوعيه وعمله، ومفهوم الشخص، مفهوم إشكالي يطرح أسئلة أساسية تتعلق بهويته وقيمته وعلاقتهما بجسده. فالسؤال المطروح علينا يعالج مشكلة ما إذا كانت هوية الشخص وقيمته تنحصران في وحدته الجسدية، أم إنها تتجاوز مفهوم الجسد لتنفتح على محددات أخرى.

فهل يمكن حصر الهوية الشخصية في وحدة الجسد؟ ألا يمكن الحديث عن هوية خارج الهوية الجسدية؟


تحليل:


في بداية تحليلنا للمشكلة المطروحة في السؤال، لابد من تحليل المفاهيم والألفاظ المتضمنة فيه. فحرف "هل" هو أداة استفهام يطلب به التصديق والجواب بنعم أو لا أو هما معا، مع إمكانية التفكير في إمكانية ثالثة تركيبية تجمع بين الإمكانيتين، وفعل "تنحصر" من الحصر، أي تحديد الهوية والقيمة في مكون واحد ووحيد هو الجسد. أما الهوية فتعني، من جهة ما يجعل الشخص هو هو، يحافظ على استمرارية أناه في الزمن، كما تعني من جهة ثانية مجموع الصفات والمميزات التي تميز هذا الشخص عن ذاك، فهي وحدة اختلاف، وتعني القيمة، اعتبار الشخص غاية في ذاته، له كرامة واعتزاز بالنفس يجب احترامها وتقديرها، فالقيمة في السؤال تأخذ بعداً أخلاقيا يرتبط بكيفية التعامل مع الذات والغير؛ ويعني الجسد، الأساس المادي والعضوي الذي تقوم عليه الهوية الشخصية. فالشخص له هوية جسدية، يشعر بوحدتها وتماسكها في إدراكه لذاته وللعالم؛ وفي مقدمة هذه الهوية الجسدية نجد التجربة الحسية الجسدية عند استعمال الحواس، أو عندما يتعلق الأمر بتلبية حاجات جسدية.


مناقشة:


 يمكن الوقوف عند أطروحة مفترضة في السؤال، والتي ترى أن هوية الشخص وقيمته تنحصران في هويته الجسدية – إن السؤال عن الأنا وإدراكها لهويتها الخاصة، هو سؤال تبلور بشكل واضح مع الفيلسوف الإنجليزي "لوك" في كتابه "مقالة في الفهم البشري"، والذي اعتمد مقاربة ميتافيزيقية في تفسير الأساس أو المبدإ الذي يحافظ على وحدة الهوية الشخصية، إنه الشعور أو الوعي الذي يكون للشخص انطلاقا من تجربة جسده، والتي هي تجربة حسية معيشية. والوعي بالجسد هو وعي محفوظ في الذاكرة، والهوية هي إحساس وجودي بوحدة الجسد، فاليد، والرأس، والعين، أعضاء الجسد الواحد، هو جسد الأنا، واستمرار الهوية هو استمرار للجسد، رغم تغيراته، في الزمان والمكان. غير أن الفيلسوف الألماني "شوبنهاور" في كتابه "العالم بوصفه إرادة وتمثلا" يؤكد أن الهوية الشخصية هي هوية جسدية، ولكل شخص تجربة حميمية مع جسده وسابقة على الوعي أو العقل. فما يظل ثابتا وجوهريا في الشخص هو إرادة الجسد باعتبارها إرادة للحياة؛ وهي التي تجعله في بحث دائم عن إشباع رغباته.

وإذا كانت الهوية الذاتية هي هوية جسدية، فإن القيمة الأخلاقية تفترض احترام الكائن في أبعاده الفكرية والجسدية، فالكرامة مع كانط، على سبيل المثال، هي تقدير الذات تقديرا إيجابيا في بعدها المعنوي والجسدي، ويعتبر الحق في الحياة حقا أساسيا من حقوق الإنسان الذي يصون كرامة الجسد وحقه في الحياة.

لكن هل يمكن حصر الهوية والقيمة في هذا البعد الجسدي؟ ألا تعتبر الهوية تجاوزا للجسد باعتبارها ضرورة؟


تركيب:


لقد ركزت الفلسفات المعاصرة، خاصة الوجودية والشخصانية، على إمكانية تجاوز الإنسان للماهية المغلقة والمطلقة. إن حرية الإنسان تكشف عن قدرته في تجاوز وضعيته الأصلية. "فسارتر" على سبيل المثال، في كتابه "نقد العقل الجدلي" يعتمد على مفهوم "المشروع" الذي هو التعالي عن وضعية محددة عبر الفعل والممارسة، أو عن الوجود في ذاته إلى الوجود من أجل ذاته. فالشخص يحيى في المستقبل بواسطة الوعي والمسؤولية والالتزام، وإذا كان الجسد ضرورة، فالوعي بإمكانياته هو الذي يجعل من الشخص كائنا حرا، ودائم التجاوز لذاته.

وفي اتجاه آخر، يختلف تماما عن الأطروحات الفلسفية السابقة من مسألة الهوية الشخصية والقيمة، يرى "غوسدروف" أن الوجود الأخلاقي يقوم على المشاركة الجماعية، فليست حقيقة الشخصية وهويته كامنة في عزلته أو في جسده، بل تتحدد في انفتاحه.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-