منهجية السؤال : هل معرفتي بذاتي تمكنني فعلا بمعرفة الغير؟

 

منهجية السؤال : هل معرفتي بذاتي تمكنني فعلا بمعرفة الغير؟


السؤال : هل معرفتي بذاتي تمكنني فعلا بمعرفة الغير؟


منهجية السؤال : هل معرفتي بذاتي تمكنني فعلا بمعرفة الغير؟


تحرير الموضوع:


مقدمة:


يتأطر موضوع هذا السؤال داخل مجال الوضع البشري، ومن بين القضايا التي يطرحها هذا الوضع: علاقة الذات بالغير؛ فالغير هو عالم إنساني، أنا آخر، الشبيه والمختلف عنا. والسؤال المطروح يرتبط بالبعد المعرفي لهذه العلاقة. فإذا كان الغير ضروريا لوجود الأنا ولتكوين هويته ومعرفته بذاته، فإن معرفة الغير تطرح إشكالا أساسيا. فهل معرفة الذات لذاتها تعد مدخلا وطريقة سليمة لمعرفة الغير؟ كيف تكون معرفة الغير ممكنة؟

تحليل:


في بداية تحليلنا للمشكلة المطروحة في السؤال، لابد من شرح المفاهيم والألفاظ المتضمنة فيه، فهل أداة استفهام تفيد التصديق، والجواب يقتضي أكثر من اختيار واحد، أما المعرفة فهي بناء نظري يتم بين ذات وموضوع، أو بين ذات وأخرى، تتوجه إلى الوعي الآخر وإدراك تجربته، وتتم عبر أدوات منهجية، والغير عالم إنساني، ذات أخرى، قد تكون فردا أو جماعة تتضمن المفارقات والتناقضات.

يمكن الجواب عن السؤال المطروح بأطروحة مفترضة ترى أن معرفة الذات لذاتها تمكن الذات من معرفة الغير عن طريق المماثلة أو التشابه، في هذا السياق تعتبر تجربة "ديكارت" في "الكوجيطو" مدخلا لتأسيس هذا الوعي، فالذات تدرك ذاتها بمعزل عن الغير، وتستمد قيمتها من ذاتها، أما الغير فهو مجرد قبعات ومعاطف تمشي على نوابض، إنه عبارة عن آلة، والجسد آلة، فالعزلة الديكارتية هي مقياس المماثلة. نفس التصور تقريبا نجده عند فيلسوف فرنسي هو "بيرجي" عندما اعتبر أن معرفة الغير غير ممكنة، ما دامت كل ذات تعيش عزلتها الخاصة وحميميتها التي تعد جدارا منيعا أمام بناء معرفة يقينية بالغير، فالأنا تدرك ذاتها والغير نفسه يدرك ذاته بمعزل عن الآخر، إنه يمتلك حميميته، ووعيه سجين داخلها.


مناقشة:


لكن أليست معرفة الذات لذاتها تمر عبر معرفة الغير؟ أليست معرفة الغير ممكنة؟ بخلاف الأطروحة السابقة، يمكن الوقوف عند أطروحة مغايرة ترى أن معرفة الغير ممكنة، في هذا السياق تحضر الفلسفة الفينومينولوجية مع أعمال كل من "هوسرل" و"شيلي"، فالغير هو بنية في مجالنا الإدراكي، أدركه باعتبار بيني وبينه عالم مشترك من المعاني والقيم والتجارب، ففي نقذه للكوجيطو الديكارتي، اعتبر "هوسرل" أن معرفة الغير ممكنة لأننا نعيش "البينذاتية"، فوراء الكوجيطو المعزول الذي يفكر باستقلال تام عن الغير، يحصر الآخرون باعتبارهم بنية لغوية وثقافية ورمزية في ضمير المتكلم وهو "أنا"، بينما يرى "شيلر" في التعاطف وشكله، أن العديد من المشاعر الوجدانية، مثل الحب والخجل والكراهية، لا تظهر إلا في حضور الغير الذي نتفاعل ونتواصل معه، فنحن ندرك الغير لأنه يسكننا ونتواصل معه لا لأنه يشبهنا فقط، بل يختلف عنا، وهذا ما أكد عليه سابقا الفيلسوف الألماني "هيغل" ثم "سارتر" في تكوين الوعي بالذات. فلولا أحكام الغير ونظراتهم إلينا، لما تمكنا من معرفة ذواتنا، فالغير هو الوسيط الضروري بين هويتي وذاتي.

تركيب:


يمكن أن نستنتج انطلاقا من تحليلنا ومناقشتنا للمشكلة المطروحة في السؤال أن معرفة الغير قد تتم بالمماثلة، لكنها أيضا ليست يقينية، إنها ممكنة، وقد تكون مستحيلة. من هنا يبرز الطابع الإشكالي لمعرفة الغير، فالغير بقدر ما هو غامض وملتبس بالنسبة لنا لأنه بعيد ومختلف، بقدر ما هو أيضا واضح وشفاف؛ نتعاطف معه ونحتاج إليه، ومع ذلك فنحن لا نتوقف عن تعرف ذواتنا وإمكاناتها إلا من خلال الغير البعيد والقريب، والذي تصدر عنه مواقف وتصرفات لا قيمة لها بدون حضورنا.
تعليقات