منهجية السؤال : هل تؤدي التغيرات التي تلحق الشخص إلى ضياع هويته؟

 

 

منهجية السؤال : هل تؤدي التغيرات التي تلحق الشخص إلى ضياع هويته؟

السؤال : هل تؤدي التغيرات التي تلحق الشخص إلى ضياع هويته؟

منهجية السؤال : هل تؤدي التغيرات التي تلحق الشخص إلى ضياع هويته؟



تحرير الموضوع:


مقدمة:


 يتأسس السؤال المطروح على مفهوم مركزي هو مفهوم الشخص الذي يندرج ضمن مجزوءة الوضع البشري، ويحضر لفظ الهوية ليحيل على طبيعة الإشكال المرتبط بالشخص، ونقصد إشكال هوية الشخص بين الثبات والتغير. وهو الإشكال الذي تمت صياغته اِستفهاميا عبر التساؤل عما إذا كانت التغيرات التي تلحق الشخص من الممكن أن تفقده هويته.


تحليل:


يدل مفهوم الشخص على الإنسان بما هو كائن عاقل وواع، له القدرة على الانعكاس على ذاته وتأملها، مثلما له القدرة على الانفتاح النظري والعملي على العالم والغير. فالشخص يعي ذاته بصفتها ذاتا تتحول وتتغير داخل جملة من الشروط التي تشرطه في هذه الحياة: التقدم في السن، والمرض، وما يصاحب ذلك من تغيرات تطرأ على جسده وتكوينه النفسي والعقلي. مما يدفع المتأمل إلى التساؤل عما إذا كانت هذه التغيرات لها من القوة ما يؤهلها لتجعل الشخص فاقدا لهويته، أي فاقدا لتلك الوحدة الشخصية التي يظل بها هو هو، ويستمر دوما في الوعي بأنه هو هو، أم إن ما يطرأ على الشخص من تلك التغيرات إنما يمس الجزء الظاهري والثانوي من حقيقته، أما الجوهري والأساسي فيظل ثابتا رغم كل التحولات، وهو الثبات ذاته الذي يجعل الشخص مسؤولا عن تصرفاته وأفعاله. قد نذهب افتراضيا، اعتماد على السؤال، إلى القول إن العوامل والمؤثرات التي تلحق الإنسان عبر مدارج حياته، فتغير من جسده وأفكاره ومشاعره وأذواقه، إما بفعل الزمن (الشيخوخة) وتأثيره على الذاكرة (مرض ألزهايمر)، أو بفعل الأمراض النفسية أو العقلية (السكيزوفرينيا)، والتي تترك تأثيرا سلبيا على الذاكرة بوصفها الخيط الرفيع الذي يضمن وحدة واستمرارية الهوية الشخصية. وكذلك باعتبار الذاكرة الوعاء الذي يحفظ تجارب الشخص ويختزنها داخل سلسلة مترابطة تضمن وحدة الأنا واستمراريتها. وعليه، فإن ما يلحق الشخص من تغيرات تصيب ذاكرته، تؤدي إلى تمزق استمرارية وعي الأنا بذاتها، وهو ما سيؤدي إلى ضياع هوية الشخص ليصبح شخصا، أو كما قال ليبنتز :"من فقد ذاكرته أصبح شخصا آخرا".


مناقشة:


لا يمكن تجاهل أهمية التغيرات التي تلحق الشخص، والتي لم تعد فقط نتيجة فعل الزمن وحتميات الوجود، بل أصبحت أيضا فعلا إنسانيا يلجأ إليه الشخص بحرية وإرادة ليغير من مظهره الخارجي (جراحة التجميل خصوصا)، إلا أنها لا تؤدي إلى فقدان الشخص هويته، إذ أن الوعي بالهوية الشخصية يظل هو هو رغم هذه التغيرات الجسدية وما يصاحبها من تحولات نفسية وشعورية، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تحمل الشخص مسؤولية كل أفعاله. وقد يعترض على هذا الموقف بالقول إن المقصود بالتغيرات تلك الأمراض الجسمية والنفسية-العقلية التي تفقد الشخص ذاكرته جزئيا أو كليا، مما ينتج عنه فقدان الشخص لهويته. إن التأكيد على الذاكرة وحدها، بوصفها أساس وحدة الهوية، تأكيد يتجاهل عوامل ومحددات أخرى لها قيمتها، وهي المحددات التي سيطلق عليها "شوبنهاور" إرادة الحياة. يشير "شوبنهاور" إلى أن الذاكرة (الوعي) قد يصيبها التلف بفعل الشيخوخة أو المرض، لكن ما يظل ثابتا وجوهريا هو إرادة الحياة، وما إرادة الحياة إلا نواة الوجود الإنساني المتمثلة في رغبات الشخص من حيث هي قوة لاشعورية تجعل الشخص خاضعا لها بقوة، من جهة، ومن جهة أخرى إنها هي التي تشكل هويته، وليس الوعي المحفوظ في الذاكرة كما ذهب إلى ذلك كل من اعتبر الذاكرة والوعي أساس الهوية الشخصية، كما هو الأمر مع "جون لوك".


تركيب:


يشكل إشكال الهوية الشخصية مجالا نظريا لنقاشات فلسفية غنية ومفتوحة على عدة إجابات، فمن مؤكد على التلازم بين الوحدة الجسدية ووحدة الهوية بتوسط الذاكرة والوعي، إلى من أكد على أهمية إرادة الحياة. إلا أن هذا النقاش الفلسفي الميتافيزيقي إنما يؤسس في الغالب لنقاش أخلاقي حول أهمية الشخص وقيمته، وأيضا لنقاش قانوني يربط بين الهوية الشخصية في وحدتها ووعيها، وبين المسؤولية القانونية، إذ إن إدانة شخص ما بجريمة أو عقاب، إدانة تتضمن بالأساس إقراراً بالمسؤولية ووحدة الهوية.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-