منهجية القولة : إشكال عمومية القانون الوضعي وخصوصية الحالات الفردية

 

منهجية القولة : إشكال عمومية القانون الوضعي وخصوصية الحالات الفردية

إشكال عمومية القانون الوضعي وخصوصية الحالات الفردية

القولة :


"لن يكون أبدا بمقدور قانون أن يشمل، وبكل دقة، الأفضل والأكثر عدلا للجميع، وأن ينص على خير ما يناسبهم جميعا."


منهجية القولة : إشكال عمومية القانون الوضعي وخصوصية الحالات الفردية


تحرير الموضوع:


مقدمة:


يتأطر مضمون هذه القولة ضمن المجال النظري لحقل السياسة، وبالضبط في إطار مفهومي الحق والعدالة. وتطرح القولة إشكالا يتمحور حول التوتر القائم بين عمومية القانون الوضعي وخصوصية الحالات الفردية التي يطبق عليها هذا القانون. وهو توتر يجعلنا نتساءل عما إذا كان القانون الذي يفترض فيه تحقيق العدالة هو ذاته قابل لإيقاع الظلم على الأفراد، وهل يمكن أن نجد ما هو أسمى من القانون لتحقيق العدالة.


تحليل:


تذهب أطروحة القولة إلى التأكيد على أن القانون، بما هو حق وضعي متفق عليه بين أفراد المجتمع أو جماعة في إطار تعاقد واضح أو مضمر، إنما هو قانون بنيت أحكامه على ضوابط تحكمت فيها النظرة الكلية والشمولية للأفعال التي يمكن أن تصدر عن المرء، أو للملابسات التي يمكن أن تحصل فيها واقعة ما. فهو إذن، من حيث المصدر، صادر عن إرادة عامة وليس إرادة فردية، وهو من حيث الموضوع موجه إلى عموم الناس وليس الجزء.

إن هذه الشمولية في صياغة القوانين في إصدار الأحكام من شأنها أن تطابق أحيانا ما قام به إنسان ما، فتحكم إما لصالحه أو ضده بما يلائم الفعل، فتكون أحكاما عادلة؛ أو تكون هذه الأحكام، بحكم عموميته، لا تلم بحالة جزئية ولم يستطع القانون التنبؤ بوقوعها، فيصدر حكما عاما على الحالة الخاصة، فيقع آنذاك الظلم والجور بدل تحقيق العدالة. وتحصل بذلك المفارقة الكبرى، وهي أن يصبح القانون هو من يمارس الظلم عوض أن يحاربه بتحقيق العدالة التي تستوجب أن يعطي القانون لكل ذي حق حقه. وإن الواقع ليؤكد ما تذهب إليه القولة من حيث حصول بعض حالات الظلم في إصدار الأحكام، والتي تنم عن غياب النظرة الثاقبة عند القاضي الذي لم يستطع التحرر من حرفية النص القانوني، كما لم يستطع تكييف عمومية القانون مع خصوصية الحالة المعروضة عليه.


مناقشة:


يضعنا التوتر السابق بين عمومية القانون، ومطلب العدالة التي يفرض مراعاة خصوصية الحالات الفردية، أمام إحراج قوي: إما قبول هذه العمومية، وبالتالي الإبقاء على إمكان انزلاق القانون إلى الجور والظلم بدل حرصه على تحقيق العدالة التي وجد من أجل تحقيقها؛ وإما رفض القانون بحجة إمكان تنافي تطبيقه مع الحالات الفردية والجزئية. غير أن هذا الإحراج من الممكن تفاديه إذا ما استحضرنا مفهوما آخرا، وهو مفهوم الإنصاف، بوصفه مفهوما لا يلغي أهمية القانون بالنسبة للمجتمع، إلا أنه في الآن ذاته يدعو إلى تجاوز حرفية القانون وعموميته، والأخذ بروح القانون من حيث هو الاجتهاد والبحث عن تكييف عمومية القانون مع خصوصية الفعل الإنساني الذي سيطبق عليه القانون. وقد اعتبر "أرسطو" الإنصاف أفضل من العدالة، على اعتبار أن الطبيعة الخاصة بالإنصاف تكمن في تصحيح القانون وتجاوز عدم كفايته الناتجة عن عمومية خطابه. ويمكن أيضا تجاوز الإحراج السابق بالتأكيد على أهمية استحضار مفهوم الحق الطبيعي بالموازاة مع الحق الوضعي. فإذا كان الحق الوضعي هو مجموع القوانين الضرورية لتنظيم المجتمع ولتسيير مؤسسات الدولة، فإن الحق الطبيعي يسعى إلى جعل حقوق الإنسان الأساسية النبراس الموجه لكل تشريع للقانون ولكل تطبيق له. إن القانون كيفما كانت قوة صياغته في أية دولة، لا يمكن أن يشمل في ذاته معيار عدله، كما يشير إلى ذلك "ليوستروس". ووحده الحق الطبيعي المتمثل في حق الحياة والأمن والكرامة... القادر على التمييز بين القانون العادل وغير العادل. إن كل قانون وضعي يدعي لنفسه، في إطار شرعية الدولة، أنه هو الذي يمثل العدالة والأمن العام والسلم، وبالتالي لا يمكن لأي كان أن يخرق قوانينه. غير أنها القوانين ذاتها التي يمكن أن تنتهك المساواة والكرامة، تحت حجة الحفاظ على الأمن العام أو غيره. لذا لابد من معيار أسمى يتم به ضبط وتقنين القانون الوضعي القابل للتحول إلى أداة ضد حق الإنسان في الحياة، والحرية، والكرامة والمساواة. ولن يكون هذا المعيار الأسمى سوى الحقوق الإنسانية الطبيعية والكونية.

 

تركيب:


يمكن أن نستنتج من خلال التحليل والمناقشة السابقين، أن التفكير في التوتر القائم بين عمومية القانون (الحق الوضعي) والحالات الفردية الخاصة، يقود إلى ضرورة الانفتاح على مفهومين أساسيين، وهما: الإنصاف من جهة، ومن جهة أخرى الحق الطبيعي. وهما المفهومان اللذان يقدمان الشرط الضروري لتصحيح ما قد يشوب القانون من نقص بحكم عمومية خطابه، مع احترام حقوق الإنسان في إطار دولة الحق والقانون.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-