منهجية القولة : إشكال العدالة والمساواة داخل دولة الحق

 

منهجية القولة : إشكال العدالة والمساواة داخل دولة الحق

إشكال العدالة والمساواة داخل دولة الحق

 القولة :

 "يقتضي مبدأ العدالة تحقيق المساواة، إلا في الحالة التي تكون فيها اللامساواة مفيدة اجتماعيا".

منهجية القولة : إشكال العدالة والمساواة داخل دولة الحق


تحرير الموضوع:


مقدمة:


 يمكن تأطير هذه القولة ضمن المجال النظري لحقل السياسة، باعتبارها ممارسة بشرية جماعية تنظم الوجود البشري وتجعله خاضعا لقوانين عقلية وأخلاقية. والقولة التي بين أيدينا تطرح العلاقة الإشكالية بين مفهومين أساسيين هما العدالة والمساواة داخل دولة الحق، إذ يرى صاحب القولة أنه لتحقيق المساواة بين الناس في المجتمع لا بد من تطبيق مبدإ العدالة، وهو مبدأ لا يتعارض مع اللامساواة بين الناس عندما تكون هذه اللامساواة تخدم مبدأ العدالة نفسها، أي تساهم في تطوير المجتمع اجتماعيا.


تحليل:


فما هي علاقة العدالة مع المساواة؟ وهل فعلا تكون اللامساواة مفيدة اجتماعيا؟

ألا يتعارض مبدأ العدالة مع فكرة اللامساواة؟ تتضمن أطروحة القولة مفاهيم أساسية وجب تحليلها، فإذا كانت العدالة قيمة أخلاقية تقتضي المساواة بين المواطنين، فإن هذه القيمة تجسد فكرة الحق ولا يمكن لها أن تتحقق إلا من خلال قوانين عادلة، تعطي لكل ذي حق حقه تبعا للقانون، ومن ثمة تروم القولة الحديث عن دولة الحق التي هي دولة عدالة ومساواة. لذلك يربط صاحب القولة في مستوى أول بين العدالة والمساواة من الناحية النظرية، ذلك أن القوانين الوضعية التي تشرعها دولة الحق هي قوانين عقلية وأخلاقية، يكون الجميع أمامها سواسية بغض النظر عن الاختلافات الموجودة بينهم. فالعدالة إذن هي إعطاء الفرد ما يستحقه طبعا للقانون، والظلم هو أن يسلب من مواطن ما يستحقه طبقا للقانون.

لذلك فهي تشترط مبدأ المساواة، فكل فرد يكون متساويا مع الآخر أمام القانون: والدولة العادلة هي التي تضمن تطبيق القوانين بكيفية مستمرة، إنها تضمن استمرارية العدالة في المجتمع.

أما على المستوى الثاني من القولة، فإن المؤلف يربط بين العدالة واللامساواة المفيدة اجتماعيا، وهذا يبدو ظاهريا تناقضا على مستوى الأطروحة، لكن ليبين أن اللامساواة استثناء أو ضرورة، عندما يتعلق الأمر بتنمية الكفاءات والأفراد داخل المجتمع؛ ذلك أن التصور الحقيقي للعدالة يفترض قبول فكرة اللامساواة بين الناس في إمكاناتهم وقدراتهم التي يمكنهم، تبعا لوجودهم وعملهم في الترقي والنمو، سواء تعلق الأمر بالوضعية الاجتماعية أو في ممارسة السلطة. فالدولة الديمقراطية تقبل، من الناحية النظرية، اللامساواة بين الناس في السلطة والمكانة الاجتماعية، شريطة أن يكون للكل الحق في الاستفادة بالتساوي من مبدإ أساسي هو تكافؤ الفرص، فلا مفر لشخص يترقى اجتماعيا بدون كفاءات وقدرات خاصة، ومن ثمة فاللامساواة المقصودة في هذه الأطروحة ليست لامساواة أصلية أو طبيعية، بل هي لامساواة متحركة، تجعل من الفقر حافزا على العمل والترقي عوض أن يكون قرارا نهائيا.


مناقشة:


يمكن أن نناقش المفارقة التي تركز عليها القولة من خلال مواقف فلاسفة فكروا في مشكلات دولة الحق وفي علاقة العدالة بالمساواة. إذا حاولنا الوقوف عند أطروحة فلاسفة الأنوار، فإن فكرة التعاقد أساسية في هذا التفكير، فالعدالة قائمة على الالتزام العقلي والأخلاقي بين أطراف متعددة، وتنظم بواسطة القانون الوضعي الذي يميز بين سلطات أساسية. فحسب روسو، إن دولة الحق هي الدولة التي تستطيع أن تضمن الحريات والمساواة بين الناس طبقا لقوانين أخلاقية تمثل الإرادة العامة للشعب. فعدالة المجتمع مستمرة في مدى احترام القوانين واحترام الحقوق الأساسية التي هي حقوق تقوم على فكرة المساواة الأصلية.

غير أنه على خلاف ذلك، لا تكون متطابقة مع المساواة، وهذا ما حاول "جون راولس" توضيحه في كتابه "نظرية العدالة" وهو قريب من الأطروحة الأولى، إذ أن العدالة تقترن بالإنصاف، وبمبدإ تكافؤ الفرص أكثر من ارتباطها بمبدإ المساواة المطلقة، فلا بد من القبول بمبدإ اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية، مثل اللامساواة في الثروة الاقتصادية أو في السلطة، فلا يمكن للدولة أن تمنع أفرادها من بذل الجهود وإظهار إمكاناتهم، فكل فرد داخل المجتمع له الحق في الاستفادة بالتساوي من نفس الحقوق الأساسية، وعدم وضع عوائق أمام أولئك الذين سمحت لهم مواهبهم وإمكاناتهم ببلوغ مراتب عليا داخل المجتمع.

تركيب:


يمكن أن نستنتج، بعد تحليلنا ومناقشتنا لأطروحة القولة، أن اللامساواة الاجتماعية، تعبير إيجابي، لا يتعارض مع العدالة المنصفة، فلا يمكن الاعتراض على فكرة الفروقات الموجودة بين الناس على مستوى إمكاناتهم الذهنية والثقافية، لكن شريطة أن تساهم هذه الفروقات والتمايزات بين الناس في دعم العدالة داخل دولة الحق، لا أن تجعل من الفقير فقيرا والغني غنيا دائما.

فالعدالة هي قيمة أخلاقية وعقلية ممكنة ومطلقة، تجسد إنسانية الإنسان، سواء كانت مساواة أو إنصافا تبقى محكومة بطبيعة قوانين دولة الحق.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-