منهجية السؤال : هل يُمكن الاعتراض على القانون باسم الحق؟

 

منهجية السؤال : هل يُمكن الاعتراض على القانون باسم الحق؟


السؤال : هل يُمكن الاعتراض على القانون باسم الحق؟

منهجية السؤال : هل يُمكن الاعتراض على القانون باسم الحق؟



مقدمة:


يتأطر موضوع السؤال ضمن المجال الإشكالي لحقل السياسة، بوصفها ممارسات بشرية جماعية تعمل على تنظيم حياة الناس، وتجعلها خاضعة لأحكام قانونية وأخلاقية شرعية. والمشكلة المطروحة في السؤال تقف عند التوتر القائم بين القانون وفكرة الحق داخل دولة الحق والقانون، على اعتبار أن تحقيق الحق وتجسيده رهين بمدى تطبيق القوانين إذ لم تكن عادلة فهي تبتعد عن الحق باعتباره فكرة مثالية تستند إلى الحق الطبيعي، ومن تم يمكن الاعتراض على القانون مادام لا يحقق العدالة. فما علاقة القانون الوضعي بالحق؟ وهل بالإمكان رفض القانون أو الاعتراض على تطبيقه باسم تصور محدد للحق؟


تحليل:


في بداية تحليلنا للمشكلة المطروحة في السؤال، لابد من تحليل المفاهيم والألفاظ المتضمنة في السؤال. فـ"هل" أداة استفهام تطلب التصديق والجواب على المشكلة "بنعم" أو لا، مع إمكانية التفكير في جواب ثالث يركب الإمكانيتين السابقتين. والقانون هو قاعدة أو معيار يلزم الفرد، داخل المجتمع، بأن يتصرف وفق مقتضيات موضوعية عامة يجب الخضوع لها واحترامها، ويرتبط القانون بوجه عام بالقاعدة التي يكتشفها العقل ويضعها ليمنع الإنسان من أن يضع حدا لحياته، وأن يعيش مطمئنا وآمنا مع الغير. أما الحق فهو مفهوم يدل لغويا على الثبات والاستقامة، ويعني عند فلاسفة الحق الطبيعي ما يتمتع به الإنسان في حالة الطبيعة، كحالة افتراضية وهي الحرية والحياة والأمن. كما يعني ما هو مكتسب قانونيا واجتماعيا، ويدل على الحقوق السياسية والمدنية والثقافية. وهنا يرتبط الحق الوضعي بالقوانين والتشريعات وكيفية ممارسة الدولة لسلطتها الشرعية.


يمكن الوقوف عند أطروحة عامة، تجعل من الحق الطبيعي معيارا أساسيا تنبني عليه قوانين الحكم، ومن ثم إمكانية الاعتراض أو الرفض ما دام القانون هو تجسيد تاريخي محدود لفكرة الحق الطبيعي والمثالي. وتعتبر أطروحة فلاسفة الأنوار، في القرن الثامن عشر أساسية، فهي تنطلق من الحرية المطلقة التي يتمتع بها كل فرد في حالة الطبيعة، لكنها حرية تهدد حياته باستمرار من طرف الغير الذي له نفس الحرية المطلقة. لذلك كان لزاما على الإنسان أن يخرج من دائرة العنف والاقتتال، وأن يفكر بعقله عوض الخضوع للأهواء، بأن يشرع قوانين سياسية ومدنية تنظم حقوقه الأساسية وتجعله يقوم بواجباته تجاه الغير والدولة. ويعتبر "روسو" أحد الفلاسفة البارزين في التمييز بين "الحق الطبيعي" و"الحق الوضعي"، إذ تعتبر دولة الحق الدولة العادية التي تسن القوانين والتشريعات الوضعية لضمان الحريات الفردية والجماعية. فلا يجب أن يقوم القانون على حق الأقوى، بل الحق المستمد من مدى احترام القوانين واحترام حقوق المواطنين. ومن هنا يتم الاعتراض على أي قانون لا يقوم على فكرة العدالة والمساواة، والتي تعتبر دولة الحق شرط تحقيقهما. وهذا ما جعل فلاسفة الأنوار يوجهون انتقاداتهم لأنظمة الحكم غير الديمقراطية، لأن قوانينها قوانين استبدادية وطاغية، إنها لا تحقق الإنصاف والمساواة بين الناس: مثل ما هو الشأن اليوم مع قوانين العنصرية، والتمييز بين الناس والقوانين التي يسنها الحاكم المستبد.


مناقشة:


لكن ألا يعتبر الحق الطبيعي حقا مثاليا؟ هل توجد فعلا حقوق طبيعية؟ ألا تعتبر الشرعية القانونية أسمى من الحق ذاته؟ إذا كان "فلاسفة الأنوار" فكروا في دولة مثالية، تطور الحق الطبيعي وتجعل الإنسان باحثا عن "الاكتمال" بتطويره للقانون، فإن التفكير في الدولة الحديثة، وفي آليات عملها وسلطتها، جعل فكرة الحق مجرد فكرة أخلاقية طوباوية، وأنها ليست غاية في ذاتها، فالاستناد إلى القوانين والتشريعات عوض "الاكتمال" و"الفضائل" أمر ضروري. في هذا الاتجاه، اعتبر "ماكيافيلي" في كتابه "الأمير"، أن الغاية من ممارسة السلطة هي إخضاع الناس وجعلهم يتوحدون حول فكرة واحدة باستعمال كل الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة. فإذا كانت غاية الأمير، وهو رجل السياسة، هي التوحيد والسيادة، فكل الأساليب مشروعة، وليس من حق أي كان الاعتراض عليها. نفس التصور، نجده في الفلسفة السياسية المعاصرة مع "ماكس فيبر"، والذي يعتبر أن دولة الحق في المجتمعات الحديثة، لها وحدها الحق في ممارسة العنف المادي المشروع، وهو عنف لا يتعارض مع الحق، فهو مبني على القانون، ويستمد شرعيته من القانون وحده. فالدولة، بوصفها سلطة شرعية، هي المالكة لحق التشريع وصيانة الحقوق، ولا يمكن الاعتراض على شرعيتها القانونية، ما دامت تملك القدرة التي يخولها لها القانون، على تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية على أساس قانون وضعي.


تركيب:


يمكن أن نستنتج إذن، أن التفكير في مفهومي القانون والحق، يقودنا إلى ربط الحق بالقوانين العادلة، فالعدالة بوصفها أساساً للحق لا تعني التطبيق الحرفي للقانون، كما لا تعني إلزام الناس بقوانين شمولية وعامة، بل تعني في نهاية المطاف احترام الشخص وصيانة كرامته والدفاع عن حقوقه الأساسية التي ما فتئ يطورها ويحميها. وهذا هو أفق الحق الذي يبقى مشروعا، ومثالا أكثر منه واقعا متجسدا في صورته المكتملة، إذ لم يعد وضع قوانين لحماية أمن الناس المطلب الوحيد اليوم، بل المطلوب أيضاً سن قوانين لحماية الحقوق اللغوية والمدنية والاقتصادية وآليات الحفاظ عليها. إذا كان الحق يتطور فلابد أيضا من تطوير العدة القانونية التي تحميه.
تعليقات