منهجية تحليل نص فلسفي | السعادة


منهجية تحليل نص فلسفي | السعادة

منهجية تحليل نص فلسفي للسنة الثانية من سلك البكالوريا 


النص :

"السعادة حالة وجودية نود دوامها والاستمرار في التمتع بها، وهي تقاس بمدى استمراريتها وحيويتها. إن السعادة العظمى هي الأكثر دواما، والسعادة العابرة متعة، وكلما كانت المتعة متيقظة، كلما كانت عابرة، لأن حواسنا لا تستطيع تحمل إلا قدر محدود من الآثار، وكل متعة تتجاوزها تتغير منذئذ إلى ألم أو إلى كيفية تعيسة في الوجود نرغب في زوالها: هذا هو السبب في أن المتعة والألم غالبا ما يتماسان إلى حد قريب. فالإفراط في اللذة يتبعه الندم والهم والاشمئزاز، وتتحول السعادة العابرة إلى شقاء دائم. ونرى وفقا لهذا المبدأ بأنه ينبغي على الإنسان الذي يبحث في كل لحظة بإلحاح عن السعادة، أن يحذر، إن كان عاقلا، من متعة، وأن يرفض كل تلك الملذات التي تتحول إلى ألم، وأن يسعى إلى الحصول على الرخاء الأكثر دواما. لا يمكن للسعادة أن تكون هي ذاتها بالنسبة لكل الناس، فلا تستطيع نفس الملذات أن تؤثر بشكل مماثل على أناس مختلفي التكوين ومتبايني الاستعدادات. إن هذا، بلا شك، هو ما جعل أغلب الفلاسفة يختلفون اختلافا كبيرا حول الأشياء التي تقوم عليها السعادة، وحول الطرق المؤدية إلى تحصيلها. ولكن السعادة تبدو، مع ذلك وبشكل عام، حالة مستمرة أو لحظية تنال رضانا، لأننا نجدها مطابقة لوجودنا. تنتج هذه الحالة عن توافق الإنسان مع الظروف التي وضعته الطبيعة فيها أو، إذا شئنا، فإن السعادة هي الانسجام بين الإنسان والعوامل التي تؤثر فيه."

منهجية تحليل نص فلسفي | السعادة


تحرير الموضوع:


مقدمة:


تشكل السعادة مطلب كل إنسان، إذ لا يمكن على الإطلاق تصور إنسان ما يرغب عنها. فالسعادة معيار أخلاقي موجه للفعل وغاية له. وإذا كان الكل يطلب السعادة، فهل هناك اتفاق حول حقيقتها وتجلياتها؟ وهل هناك سبيل واحد لبلوغها أم تتعدد السبل؟ وهل يمكن، أصلا، تحقيق السعادة، أم إنها مطلب بعيد المنال؟ ويقدم النص بصدد الإشكال أطروحة مفادها أن السعادة الحقيقية والدائمة هي التي يكون فيها الإنسان منسجما مع ظروف عيشه.

ينطلق النص في بناء أطروحته من التأكيد على أن السعادة حالة وجودية متجذرة في حياة كل إنسان، أي إنها مرتبطة بالحياة المعيشة الواقعية. إنها تجربة حياة مشتركة عند الجميع، والكل لا يطلبها فقط، بل يتمنى دوامها أطول مدة ممكنة. والتأكيد على دوام السعادة إنما الغاية منه تميزها عن المتعة اللحظية التي قد نشعر بها في لحظة ما، لكن سرعان ما تزول. إن المتعة الآنية السريعة الاندثار إنما تنتج عن إشباع اللذات الحسية، هذه اللذات عندما نفرط في إشباعها والإكثار منها مدة أطول لا تحقق لنا السعادة، بل بالعكس تنقلب إلى ألم بمجرد الإشباع على اعتبار كثرة اللذات وتغيرها. فمن هذا التمييز الأولي بين السعادة، والمتعة يقصي النص إشباع اللذات بوصفها السبيل المؤدي إلى السعادة، على اعتبار أن السعادة هي الحالة التي نتمنى دوامها، في حين أن اللذة سرعان ما تقلب حياتنا إلى ألم. إذن فالسعادة لا تتحقق عبر اتباع الشهوات واللذات. وينتج عن ذلك أن سبيل تحقيق السعادة أمر يقع خارج مجال اللذة والمتعة الحسية، كما تحاول بعض التمثلات العامة أن تتصور ذلك. إن دحض الأطروحة القائمة على الربط بين اللذة وتحقيق السعادة، سيسمح بالبحث عن الطريق الصحيح الذي وحده يضمن للإنسان بلوغ السعادة، والذي يحدده الفيلسوف في ضرورة العيش وفق ما تسمح به ظروفنا المعيشة، أو حسب تعبير النص تتحقق عندما ينسجم وجودنا وكياننا مع ظروف عيشنا؛ ومعنى ذلك أن السعيد هو من يقبل ظروف وجوده، وأن يعيش في توافق تام معها إذا ما أراد أن يضمن حالة من السعادة تتصف بالدوام والاستمرارية، وتضمن له السلم والطمأنينة. أما مواجهة هذه الظروف أو رفضها، والتطلع إلى ما لا يتوفر للفرد من شروط حياته الواقعية، فإن ذلك هو الذي سيحول حياته إلى شقاء دائم. تلك إذن الأطروحة التي يدافع عنها النص معتمدا أساليب حجاجية قائمة على التمييز بين السعادة والمتعة، ودحض كل تصور يعتبر اللذة الموصلة إلى المتعة شرطا لبلوغ السعادة. لكن أليست ظروف الحياة ذاتها حبلى بالتحولات والتغيرات الدائمة؟ ألا يؤدي هذا التغير في حياة الإنسان وظروفه إلى استحالة تحقق التوافق مع الظروف؟


مناقشة:


لقد ذهب "جون جاك روسو" إلى القول بأن الإنسان عرف السعادة في حالة الطبيعة عندما كانت رغباته في توافق تام مع قدراته، غير أن تغير ظروف العيش، وما شهدته الحضارة الإنسانية من تحولات، ومن خلق مستمر للكماليات التي تحولت لاحقا إلى ضروريات، كل ذلك ساهم في خلق هوة تزداد اتساعا، بين رغبات الإنسان وقدراته. وبقدر ما يسعى الفرد إلى إشباع رغباته، بقدر ما يبتعد عن السعادة الحقيقية، إلى حد يمكن القول بأن السعادة ماض لا حاضر لها ولا مستقبل لها. وفي نفس السياق، ولو من منطلق مخالف لمنطلق "روسو" يرى "كانط" أن لفظ السعادة جد ملتبس، وموضوع تمثلات جد متباينة، وذلك راجع إلى كون العناصر المكونة له تستمد من سلسلة لامتناهية من الخبرات الحسية، مما يجعل منه "مثال للخيال"، وليس مفهوما عقليا قابلا للتعرف والتحديد. فالسعادة مطلب بعيد المنال يصعب على الإنسان بلوغه بناء على السلسلة اللامتناهية لمكونات السعادة في علاقتها مع تناهي حياة الإنسان. لكن ذلك لا يمنع، حسب آلان، من إدراك لحظات السعادة إذا ما نقلناها إلى مجال الفعل والممارسة، وجعلنا منها واجبا نحو الذات ونحو الآخرين. إن السعادة هي ذلك الجهد الجماعي الذي نبذله لنزع الألم عن الذات وعن الآخرين.

تركيب:


يمكن أن نخلص، من خلال تحليلنا ومناقشتنا للإشكال المطروح، إلى أن السعادة بوصفها قيمة أخلاقية، هي مطلب كل إنسان رغم تباين المواقف المحددة لماهية السعادة وسبل تحصيلها. لكن يمكن أن تتجذر في  الفعل الإنساني المنفتح على الغير، بحيث تصبح واجبا، لا نحو الذات فحسب، بل نحو الغير أيضا، بدون أنانية مفرطة ولا غيرية مدمرة.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-