منهجية القولة : ينبغي أن نكون عبيدا للقوانين كي نكون أحرارا


منهجية القولة : ينبغي أن نكون عبيدا للقوانين كي نكون أحرارا

القولة: "ينبغي أن نكون عبيدا للقوانين كي نكون أحرارا."

منهجية القولة : ينبغي أن نكون عبيدا للقوانين كي نكون أحرارا


تحرير الموضوع:


مقدمة:


غالبا ما نعتبر مفهوم الحرية مفهوما لا يتحقق إلا عند انتفاء كل الإكراهات والحواجز والموانع. فالحر هو من يستطيع أن يفعل ما يشاء وقت ما يريد بدون قيد أو شرط. ومن ثمة فالحرية تتعارض جذريا مع القوانين المقيدة لها. غير أن الإنسان بوصفه كائنا ذا طبيعة مزدوجة جعل من القوانين الأخلاقية والسياسية شرط تحرره من سلطة الرغبات والأهواء لينتقل من عالم الطبيعة إلى عالم الأخلاق. فالقوانين من جهة قد ننظر إليها بوصفها تقييدا للحرية، ومن جهة ثانية قد نعتبرها شرط التحرر من عالم الطبيعة والغرائز، وهو ما يعني تلك العلاقة الملتبسة بين الحرية والقزانين. فهل تفترض الحرية بالضرورة غياب كل القوانين؟ أم إن الحرية الحقيقية لا تتجسد إلا داخل القوانين؟


تحليل:


تفصح الأطروحة المتضمنة في القولة، والتي تعتبر من الضروري تقيبد الحرية بالقانون، عن مفارقة واضحة حين تعتبر العبودية الناتجة عن الخضوع للقوانين شرطا ضروريا لكي يتمتع الإنسان بالحرية، مما ينتج عنه أن غياب القوانين يؤدي حتما إلى إلغاء الحرية. وهي المفارقة التي لا يمكن فهمها إلا بفسخ العلاقة بين الحرية الطبيعية الموجهة بالأهواء والأنانية، وبين القوانين المنظمة لحرية الفرد والجماعة، وإعادة بناء علاقة جديدة بين الحرية الأخلاقية والمدنية، وما يضعه العقل والمجتمع من قوانين تسمح برسم حدود حريات الأفراد ضمانا للتعايش بعيدا عن الفوضى والعنف. إن الحرية المطلقة والطبيعية لا يمكن إلا أن تجعل من القوة والعنف وسلب حقوق الآخرين القانون المهيمن على العلاقة بين الأفراد. ومما يؤكد صلاحية الأطروحة ما تشهده مناطق متعددة من العالم، حيث يصبح العنف هو "القانون" في غياب قوانين حامية لحياة الأفراد وحرياتهم. وهكذا فإن مجتمعا بلا قوانين، مجتمع ستعمه الفوضى السالبة للحرية، وأن القوانين هي التي تتيح الحرية الحقيقية، بحيث يتمتع الأفراد بحرية تضمن سلامتهم ومساواتهم أمام القانون، شريطة الخضوع لهذا الأخير.

مناقشة:


لكن هل كل القوانين تسمح فعلا بتحقيق الحرية؟ إن الأنظمة السياسية الديكتاتورية تعمل وفق قوانين زجرية تحد من حرية المواطنين وتسلبهم الحق في المشاركة وتدبير الشأن العام. كما أن بعض المجتمعات المنغلقة تضع قوانين أخلاقية لتقيد بها الأفراد باسم الأعراف والتقاليد والحفاظ على الهوية والخصوصية؛ لذلك لا يمكن إطلاق القوانين بدون تحديد وتفصيل. إن القوانين التي قد تسمح بتحقيق فعلي للحرية، هي تلك التي تكون صادرة عن إرادة عامة وعاقلة، إرادة تستطيع، عبر مبدإ التعاقد الاجتماعي، سن  القوانين والقواعد والخضوع لها بكل طواعية. ومع ذلك يظل مبدأ التعاقد ذاته مجرد افتراض صادر عن حالة طبيعية افتراضية لم تتحقق تاريخيا، مما قد يدفعنا إلى التشكيك في كون القوانين تتمتع بخاصية المساواة الحقيقية، والنظر إليها باعتبارها قوانين وضعت فقط لخدمة طبقة معينة ذات مصالح اقتصادية وسياسية، وهو ما يبرز مساءلة مدى حيادها وتعبيرها عن مصالح كل فئات المجتمع.

تركيب:


يمكن أن نستنتج مما سبق أن علاقة الحرية بالقوانين الأخلاقية والسياسية تظل علاقة ملتبسة من الصعب الحسم فيها، لكن يمكن، مع ذلك، القول بأن الحرية المدنية هي فعل وممارسة وفق ما تتيحه القوانين، وأن الإشكال في عمقه يراهن على حرية المواطن في مجتمعات ديمقراطية. حرية يكون مجالها الحقيقي هو المجال الأخلاقي والسياسي والحياة العامة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-