تركيب مفاهيم مجزوءة الأخلاق


تركيب مفاهيم مجزوءة الأخلاق

تركيب مفاهيم مجزوءة الأخلاق


أسئلة المجزوءة


إذا كانت الأخلاق تعني مجموع القواعد المعيارية المنظمة لتصرفات الإنسان، وذلك بهدف اكتساب هذه التصرفات قيما إيجابية، فإنها تعني أيضا تلك القيم العليا التي يطلبها الإنسان لذاتها، باعتبارها غايات سامية تعطي لوجوده الطبيعي معنى وتحرره من سلطة الطبيعة والأهواء.

لذلك يرتبط مجال الأخلاق بالفعل الإنساني، باعتباره فعلا صادرا عن شخص عاقل وحر. شخص واع بالقواعد الأخلاقية، وملزم باحترامها بوصفها واجبات. إلا أن هذا التحديد للأخلاق، لمستوياتها ومجالاتها وأهدافها، يطرح أسئلة أساسية بصدد المفاهيم المؤسسة لمجال الأخلاق، مثل الواجب والسعادة والحرية. وأهم هذه الأسئلة هي:

ما الواجب؟ وما مصدره؟
ما السعادة؟ وهل يمكن بلوغها؟
ما الحرية؟ وهل الفعل الإنساني فعل حر بشكل مطلق أم مقيد بشكل مطلق؟


الأخلاق بين المطلق والنسبي


الأخلاق المطلقة

تتجلى الأخلاق في بعدها المطبق والكوني، على مستوى الواجب، في تلك الإلزامات والإكراهات العقلية التي تحدد الفعل الإنساني وتجعله يحترم القانون الأخلاقي من أجل الواجب ذاته. وذلك بغض النظر عن الأهواء الذاتية والمصالح الفردية. أما على مستوى السعادة، فيبرز ذلك في الطابع العقلي التأملي للسعادة، واعتبارها غاية قصوى لكل إنسان، ويظهر الطابع المطلق للحرية في اعتبار الفعل الإنساني فعلا، إما حرا بشكل مطلق أو خاضعا لحتميات مطلقة.

 الأخلاق النسبية

على الرغم من التأكيد على الطابع المطلق والكوني للقيم الأخلاقية، إلا أن ما يلاحظ من اختلاف القيم من مجتمع إلى آخر، بل ومن شخص إلى آخر من نفس المجتمع، كل ذلك يجعل القيم تتسم بطابع النسبية. فعلى مستوى الواجب، قد تختلف الواجبات حسب المجتمعات وقدرات الأفراد. وبالنسبة للسعادة فتظهر هذه النسبية في كون المفهوم يخضع لتمثلات الناس حسب ظروفهم الاجتماعية والتاريخية. في حين تظهر خاصية النسبية في الحرية عندما ننتبه إلى اختلاف قوى الجسد من شخص إلى آخر، وأيضا اختلاف القوانين والأنظمة السياسية المحددة للحرية.

التركيب

إن التأكيد على الطابع المطلق أو النسبي للأخلاق لا يعني الانفصال بينهما؛ إذ في مجال الأخلاق قد نلاحظ توجه النسبي نحو تحقيق الكوني المطلق، أو على الأقل يظل المطلق الكوني موجها لما هو نسبي. فداخل الواجبات التي تفرضها المجتمعات المختلفة، يمكن أن نبحث عن قواسم مشتركة تؤسس لواجبات كونية مطلقة. وداخل الإكراهات والحتميات يمكن أن نؤسس لحرية إنسانية قادرة على تعديل تلك الإكراهات. كما يمكن وضع القوانين التي بفضلها نضمن حرية الإنسان، ونسمح له بممارسة حقه في الكلام والفعل. وداخل هذا الجدل بين المطلق والنسبي يستطيع الإنسان أن يجد الوسائل التي يحقق بها السعادة باعتبارها غاية قابلة للتحقيق إذا ما توفرت الإرادة الجماعية لذلك.


خلاصات

تتجلى أهمية الأخلاق في كونها تضع قواعد معيارية للتصرف الإنساني، وتمنع فعله قيمة ومعنى. كما تفتح أمامه إمكانية التحرر من سلطة الطبيعة وقوانينها، وتجعله قادرا على إعطاء معنى لحياته داخل علاقات إنسانية تقوم على احترام الإنسان الحامل لقيم إنسانية كونية.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-