تحضير نص ملازمة العولمة للتاريخ الإنساني للدكتور طه عبد الرحمن

 


تحضير نص ملازمة العولمة للتاريخ الإنساني للدكتور طه عبد الرحمن


   تحضير نص ملازمة العولمة للتاريخ الإنساني للدكتور طه عبد الرحمن                      


جذع مشترك علوم 

المجزوءة الثانية :    قضايا معاصرة: العولمة

       نص: ملازمة العولمة للتاريخ الإنساني للدكتور طه عبد الرحمن                                                                

تمهيد

- القضية لغة مسألة مثار جدل ونزاع مطروحة للبث فيها، يدلي فيها أصحاب الاختصاص وفق ما يقتضيه المنطق والقانون والمصلحة، واصطلاحا موضوع فكري أو علمي أو فني يشغل جماعة من المهتمين يحاول كل منهم تمرير تصوره على أنه الأمثل، وتبقى القضية مفتوحة لكل المتدخلين. 

- من الخصائص البنيوية للقضايا المعاصرة قدرتها على إثارة اهتمام واسع باعتبارها جوهرية ومرتبطة بالراهن ولها امتدادات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، ومتشابكة العناصر والعوامل المتحكمة في وجودها، ومنفتحة على تعددية الرؤى، وقابلة لتعدد المقاربات. 

- العولمة : إزاحة الحواجز والمسافات بين الشعوب والثقافات، وانصهار الجميع في نظام عالمي يحول العالم إلى قرية إلكترونية صغيرة، فهي إذن مرحلة ما بعد الحداثة، مهندسوها القوى الصناعية الكبرى، وأدواتها قيم العالم الحر، وإيجابياتها تسهيل الاتصال والتواصل بين الشعوب، وانتقال السلع والأفكار والخدمات والرساميل واليد العاملة وغيرها بسلاسة وبدون قيود، أما سلبياتها فهيمنة القوى الاقتصادية الكبرى بشكل يدمر الاقتصاديات الاستهلاكية الصغرى، ويذوب ثقافات الشعوب التابعة، ويقتل هوياتها، ويفتح المجال أمام الإقصاء والجريمة العالمية وانحطاط القيم. 

- تبرز الصورة الموازية مجموعة من الأجهزة التي تمثل أقصى ما توصلت إليها التكنولوجية الحديثة في مجال التواصل والاتصال والمواصلات بالشكل الذي يوحي باختزال رهيب للزمن والمسافة، و قدرة خارقة على التحكم في مخرجات الحضارة المعاصرة بشكل بالغ الدقة و التعقد. 

-  النص لطه عبد الرحمن، الفيلسوف و المنطقي المغربي، المشتغل بماهية الإنسان المعاصر في عالم رقمي  يتسم بالانفجار المعلوماتي وتدخل التكنولوجيا في صنع واقع البشر.

-  يضعنا عنوان  النص بمؤشراته اللفظية، التي جمعت بين خاصيات العولمة والخاصية التاريخية للانتقال المعرفي للإنسان خارج الحدود الضيقة للزمان والمكان، يضعنا أمام افتراض كون النص يعالج العلاقة بين الخاصيتين.


القراءة التوجيهية 

      1- العولمة، حسب تعريف الكاتب، ظاهرة حضارية قديمة \جديدة، ملازمة للإنسان، يفرزها انتشار ثقافة وحضارة ما انتشارا واسعا بفعل شروط محددة توجه حركة التاريخ وتصنع لحظاته، وليست من مخرجات الحداثة الغربية الراهنة، وتتخذ عبر الأزمان أشكال متعددة.

      2- في النص إشارات إلى أن العولمة من صنع الأمم القوية لأنها تمتلك الأدوات اللازمة لتوجيه دفة التاريخ السياسي والثقافي الوجهة التي تريدها. 

      3- اعتبر الكاتب العولمة ظاهرة إنسانية طبيعية، غير أنها ظاهرة معقدة تلتبس بعوامل متعددة، يبرز من ضمنها عامل مهيمن، وتتلون بألوان سياسية أو عسكرية أو اقتصادية تبعا للسياق الثقافي والتاريخي الذي يحضّرها ويكتنفها.

      4- أسس الكاتب على الأطروحة التي أطلقها في بداية النص وضمنها تصوره الجديد للعولمة مجموعة من النتائج، منها أن العولمة ليست شبحا مرعبا وأنها غير منفلتة من قبضة الإنسان، وهو الأصل القادر على خلق عولمات أخرى.

      5- ما يميز العولمة المعاصرة أنها رهينة عامل مزدوج يتداخل فيه الاقتصاد بالإعلام، ويستند إلى أدوات الثقافة والسياسة بشكل يلغي الحدود بين هذه المجالات، ويحقق  أهداف مهندسي العولمة الكبار (مصالح الدول الصناعية الكبرى و رؤاها السياسية والإيديولوجية).

      6- رتب الكاتب على النتائج التي بناها عبر استدلالاته المتعددة نتيجة أخرى مدارها أن العولمة ظاهرة عادية، وأن الإنسان بطبعه كائن معقد من القيم والمقاصد والقدرات والطاقات والنجاحات والإخفاقات تنأى به عن اختزاله في مجرد آلة للإنتاج والاستهلاك توجه بوحدة تحكم.

     7- توصل الكاتب إلى نتيجة نهائية تقرر أن الإنسان أقوى من العولمة المعاصرة وأنه غير خاضع لها إلا بقدر ما تقتضيه إرادته ومصلحته و مستلزمات واقعه وما يصطلح عليه باللغة الكونية والثقافة الواحدة وقيم العالم الحر واقتصاد المعرفة ليست سوى أشكال نظرية ظاهرها مقنع رصين وباطنها خرافات يكذبها الواقع ويلعنها منظرو العولمة وصانعوها الأقوياء قبل المستهلكين الضعفاء.


 القراءة التحليلية         

1- يمكن تصنيف معجم النص إلى ثلاثة حقول دلالية كبرى يوضحها الجدول الآتي.  

حقل الثقافة الإسلامية : العامل العقدي- المقاصد - القيم -  الاستدراج   - المكر ...

حقل الثقافة العامة : العامل الاقتصادي، الثقافي- الإعلام -  الحداثة  - الحضارة... 

حقل التاريخ : التاريخ الإنساني- الأقوام البائدة -التعولم المعاصر- أولى الحضارات الشرقية- فعل التاريخ ...


والملاحظ أن طبيعة موضوع النص ونوع التصور الذي يتبناه الكاتب يفرضان  انتشارا كميا  ونوعيا متوازنا لهذه الحقول الدلالية الثلاثة على امتداد النص.


    2- أسلوب النص تقريري مباشر مشحون بطاقة حجاجية هائلة تتجلى في توالي الجمل الخبرية المتعددة الوظائف من تعريف وتفسير وتفصيل وتأكيد ونفي واستنتاج وغيرها مدجحة بعدة أسلوبية وإقناعية متنوعة من إضراب واستدراك وشرط واستفهام وقصر واستثناء لمحاصرة تردد المتلقي ودفعه إلى التسليم بمعقولية التصور الذي يبثه النص ومقبوليته، كل ذلك ضمن خطة منهجية حجاجية بدأت بردم التصور القديم وبناء تصور نقيض مفاده أن العولمة قديمة حديثة، تغير ألوانها بتغير الحضارات المهيمنة عبر التاريخ، واستمرت هذه الخطة عبر إجراءات تحليلية ومتواليات استدلالية انتهت إلى تقرير كون الإنسان أقوى من العولمة.

    3- يرى طه عبد الرحمان أنه يمكن الاندماج في العولمة دون الذوبان فيها، وذلك من خلال توظيف قدرات الإنسان وطاقاته للتحكم في مسار العولمة، وتوجيه دفتها بما يعكس جوهر الإنسان الذي ليس سوى جملة من القيم والمقاصد التي تتجاوز حاجاته المادية، وبما يمكنها من تصحيح أخطائها ودرء مساوئها وملئ  ثغراتها.

    4- عرف عبد الإله بلقزيز العولمة بأنها استثمار ثقافي وظف في ميدان الاتصال والتواصل، تتحكم في رأسماله قوى عظمى بهدف إخضاع بقية العالم، أما طه عبد الرحمان فيرى أنها ظاهرة ناجمة عن التصادم بين الأمم والتدافع بين الثقافات تدافعا مشروطا بعوامل متعددة تفرز هيمنة قوة وثقافة تمتلك وسائل الغلبة.


في رسالة النص

يختزن النص مجموعة من الرسائل موجهة إلى المتلقي منها: أن العولمة التي كثر حولها اللغط والعويل ليست ظاهرة جديدة، وأن الإنسان صانع التعولم هو المتحكم في أسباب التقدم  ونتائجه، وقادر على تغيير واقعه متى أراد ذلك،  وكون الإنسان سيؤول إلى آلة ليس سوى خرافة مبتدلة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-