پ

تركيب مفاهيم مجزوءة الوضع البشري


تركيب مفاهيم مجزوءة الوضع البشري

تركيب مفاهيم مجزوءة الوضع البشري


أسئلة المجزوءة


يتسم الوجود البشري بالتعقيد، إذ تتداخل فيه عدة مستويات، منها ما هو ذاتي، وما هو علائقي، وما هو زماني. فالكائن البشري يتحدد ذاتيا بحضور الوعي، والتواجد مع الآخرين، وبالامتداد في الزمان التاريخي.

ويطرح هذا الوضع الإشكالي الأسئلة التالية:

كيف يتحدد وجود الإنسان، بوصفه شخصا، في علاقته مع الغير؟

ما دور الإنسان، فردا وجماعة، في التاريخ؟

هل وجود الإنسان، في هذا العالم، محكوم بالضرورة أم هو مفتوح على الحرية؟



الوضع البشري بين الضرورة والحرية:


الوضع باعتباره ضرورة.


يتحدد الوضع البشري، على مستوى الشخص، بطابع الضرورة التي تفرضها القوانين النفسية والاجتماعية والأخلاقية. أما على مستوى الغير، فيتضح أن الكائن الإنساني لا يوجد بمعزل عن الآخرين. يمتلك الآخرون وجودا موضوعيا مستقلا، فهم حاضرون أمام الأنا وبجانبه باستمرار، وهم الذين يمنحونه الوعي بذاته وبعالمه. إن الغير هو الشبيه والمختلف عن الأنا، والعلاقة بينهما تخضع لمعطيات معرفية ولقوانين أخلاقية ضرورية. كما يجد الإنسان نفسه، على مستوى التاريخ، داخل صيرورة، يكون فيها خاضعا لإرادات بشرية، فردية وجماعية، تتجاوزه وتحدده. وتتمثل هذه الإرادات في عقل مطلق مجرد، أو في علاقات اجتماعية مادية هي التي تحرك التاريخ وتحدد تمثلات الوعي به.



الوضع البشري باعتباره حرية.


على الرغم من خضوع الإنسان لضرورات طبيعية وموضوعية تتسم بالثبات والتكرار، فإنه يستطيع، تبعا لقراراته الذاتية والفكرية، أن يتعالى على هذا الوضع، فالإنسان، بوصفه شخصا يتميز بالاستقلالية، فهو يتعالى باستمرار على وضعه الجسمي والاجتماعي ويبدع ذاته من جديد في إطار مشروع مستقبلي مفتوح. وباعتبار الإنسان يدخل في علاقات مع الغير، نجده يخلق باستمرار نوعا من التباعد الضروري بينه وبين الآخرين، ويدخل في تفاعل حر مع ذوات إنسانية أخرى حرة، يتقاسم وإياها عالما مشتركا من القيم والغايات. كما يستطيع الإنسان بفضل الوعي بالسيرورة التاريخية التحرر من منطق التاريخ وحتمياته، بحيث لا يبقى مجرد منتج للصيرورة، بل فاعلا فيها ومنتجاً لها. فالمعرفة التاريخية بماضي الإنسان قد تحرره من قبضة ذلك الماضي وتفتح له آفاق المستقبل.


التركيب

إن القول بخضوع الإنسان للضرورة، وفي نفس الوقت القول بحريته واستقلاليته عن شروط وجوده الموضوعية، لا يعني التناقض المطلق، بحيث نكون إزاء مفارقة لا تحل، بل يمكن التركيب بين الضرورة والحرية باستحضار مفاهيم "الممارسة الجدلية" و"الحرية التي تعي وضع العبودية" والشيئية، والفعل التاريخي من أجل التجاوز. فالذات الحرة والعاقلة والتاريخية هي ذات موجهة وفق الأساس الأخلاقي الذي يجعل العلاقات الإنسانية، والوجود البشري عامة، علاقات قائمة على الاحترام والغيرية والكرامة والوعي بالتاريخ.


خلاصة

يعتبر الوضع البشري وضعا إشكاليا يتطلب مقاربة مفتوحة تستوعب "علاقات متداخلة" في صلب الوجود البشري، بحيث يتداخل الذاتي بالموضوعي والضرورة بالحرية، وبحيث تبدو مفاهيم الشخص والغير والتاريخ، مفاهيم مترابطة فيما بينها، يؤدي أحدها إلى الآخر، ويتوقف تحليل أو مناقشة أحد المفاهيم على استحضار المفهومين الآخرين بالشكل المناسب.
تعليقات