تحليل نص خصائص شعر الانبعاث

 

تحليل نص خصائص شعر الانبعاث

تحليل نص خصائص شعر الانبعاث

المكون: درس النصوص

الموضوع : خصائص شعر الانبعاث


▪ تقديم:

   تَفترِضُ دراسة حركية الأدب العربي في العصر الحديث العودة إلى ينابيعها الأصيلة التي تفجرت على أيدي زعماء خطاب البعث والإحياء، فهؤلاء يمثلون البدايات الأولى التي تأسست عليها مختلف الحركات الشعرية الجديدة.

   وقد تأثرت هذه الحركة الأدبية بمعطيين اِثنين: أحدهما حضاري؛ توَلّد بفعل الانفتاح على الغرب والاحتكاك بثقافته وعاداته وفنونه.. والآخر تراثي؛ ارتبط بالهوية العربية وما تحمله من قيم مجيدة ولغة رفيعة وفنون جميلة.


   وإذا نظرنا إلى سمات الشعر عند رواد هذا التيار الشعري سنجد أنهم قد استمدوا أسسه ومقوماته من شعر فحول الشعر العباسي وممن سبقهم، وكذلك من مصادر النقد العربي القديم التي تحدثت عن قواعد الشعر وآلياته الفنية وقيمه الثقافية والجمالية والأخلاقية الأصيلة.



▪ دراسة النص

- تمهيد:

   بعد مرور ما يناهز ستة قرون من الانحطاط الحضاري والركود الثقافي والأدبي.. ظهرت في النصف الثاني من القرن 19م حركة شعرية حملت على عاتقها لواء تخليص الشعر العربي من رواسب الضعف والإسفاف الذي كان يتخبط فيه، خاصة بعد تنامي حركة الوعي القومي والديني والاحتكاك بالغرب وثقافته وذلك بالعودة إلى محاكاة النموذج الشعري القديم واستلهام تقاليده التعبيرية والجمالية ومعارضتها، وقد كانت هذه العودة إلى الماضي محطَّ اختلاف بين عدد من النقاد والدارسين ما بين المؤيد والرافض لها، ويعتبر "محمد الكتاني" واحدا من الباحثين الذين اهتموا بهذه الحركة الشعرية دراسة وتعريفا، ويأتي نصه - قيد الدرس- في سياق مساهمته في نقدها والتعريف بها.. فهل يا ترى سينجح في تقريب القارئ منها..؟ 


▪ ملاحظة النص

- دراسة العنوان:

   يتألف عنوان النص من ثلاث وحدات معجمية تجمع بينها علاقة الإضافة، تشكل مجتمعة مركبا اِسميا، تدل الأولى منهما "خصائص" على المميزات والسمات التي تحدُّ الشيء وتفصله عن غيره، بينما تشير الثانية "شعر" إلى ذلك النمط من القول الذي يخضع في بنائه لضوابط معلومة ومحددة إيقاعا ونظما وتصويرا، أما الثالثة "الانبعاث" فتدل على عودة الروح والحياة من جديد إلى شيء ما، وهو تركيب يشير في معناه العام إلى أن الشعر العربي انتقل من طور الضعف والانحطاط والموت إلى طور الإحياء والإنبعاث على مستوى المعاني والتراكيب والصور، فإلى أي حد سيعكس العنوان مضمون النص..؟


- فرضية القراءة:

   انطلاقا من المشيرات النصية الدالة من قبيل العنوان ودلالته، وبداية النص ونهايته، وصاحبه "محمد الكتاني" ومصدره "الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي" إضافة إلى الشكل الطباعي للنص، وبعض الألفاظ والعبارات الدالة مثل "حركة الاحياء، الاقتباس من القديم، النماذج الرائعة.. "، نفترض أننا أمام مقالة أدبية تندرج ضمن خطاب البعث والإحياء، سيعالج فيها الكاتب قضية أدبية تتمثل في إبراز دور المدرسة الإحيائية في بعث الشعر العربي وإحيائه من خلال رصد أهم خصائصه ومميزاته..

 فما هي هذه الخصائص والمميزات؟ وما المقومات الفنية التي اعتمدها في طرحها؟ ثم إلى أي حد استطاع الكاتب أن يقدم لنا في هذا النص تصورا نظريا متكاملا حول تيار البعث والإحياء..؟


▪ فهم النص 

   استهل الكاتب نصه بالحديث عن الأسباب التي كانت وراء ظهور حركة انبعاث الشعر العربي، متفقا في ذلك مع معظم الدارسين حول ارتباط هذه الحركة الشعرية بإحياء القديم وبالاطلاع على مذاهب الشعراء القدامى في نظم الشعر وصناعته باعتباره النموذج الأمثل في الاحتذاء والاقتداء، لينتقل بعد ذلك إلى ذكر مراحل نشوء هذا الشعر، وكذا خصائصه التي أجْملَها فيما يلي: 

- تصحيح مفهوم الشعر لدى الشاعر والمجتمع؛

- تخليص الشعر من الصناعة البديعية؛

- الاقتباس من القديم؛

- اعتماد النزعة البيانية في الشعر؛

لِيَخْلُصَ في الأخير إلى أن انبعاث الشعر العربي هو انبعاث للصورة البيانية في القصيدة العربية، وانبعاثٌ كذلك للعلاقة الحميمة بين الشعر ونفسية ناظمه.


▪ تحليل النص

+ تحديد القضية:

   تتمحور قضية النص حول مميزات الشعر العربي في مرحلة البعث والإحياء والدور الذي لعبته المدرسة الإحيائية في بعث الشعر العربي وإحيائه من خلال استلهام المقومات الفنية والجمالية للقصيدة العربية التراثية.


+ قضايا فرعية في النص: 

   أشار الكاتب في النص إلى مجموعة من القضايا الأدبية والنقدية تصريحا ببعضها وتلميحا إلى أخرى، نذكر منها: 

- قضية اللفظ و المعنى: (اهتمام شعراء عصر الانحطاط باللفظ وإهمال جانب المعنى..).

- قضية الطبع والصنعة: (التكلف الذي رافق شعر عصر الانحطاط.. ).

- قضية عمود الشعر: (جزالة اللفظ، متانة التركيب..).

- قضية مفهوم الشعر: (تصحيح مفهوم الشعر..).


+ جرد المصطلحات والمفاهيم: 

   وظف الكاتب محمد الكتاني مجموعة من المفاهيم النقدية نُجملها فيما يلي: 

* حركة الإحياء 

* الاقتباس من القديم 

* النماذج الرائعة 

   ويمكن رصد أطوار انبعاث الشعر العربي كما أوردها الكاتب وذلك بالتركيز على الحقول الدلالية الآتية: 

- حقل الشعر العربي القديم "النموذج": متانة التركيب، جزالة اللفظ، قوة الجرس...

- حقل شعر الانحطاط: موت المعاني الشعرية في النظم، اختفاء النزعة الذاتية، سوء فهم رسالة الشعر، ملهاة...

- حقل شعر الانبعاث: إحياء المعاني، إحياء القديم، تصحيح مفهوم الشعر...


+ عناصر الاستدلال في النص: 

  لتوضيح أفكاره وإقناع المتلقي بصحتها توسل الكاتب بجملة من الأساليب البلاغية نذكر منها: 

- أسلوب التعليل : من أمثلته في النص "وكان من وراء حركة البعث ولاحياء وعي بالماضي"...

ـ أسلوب المقارنة: يظهر هذا الأسلوب من خلال مقارنة الكاتب بين حال الشعر في عصر الانحطاط وحاله في عصر النهضة.

ـ أسلوب الإخبار: وظفه الكاتب في النص لإخبار المتلقي برأيه ووجهة نظره، وقد حضر بأنواعه الثلاثة؛ الابتدائي والطلبي والإنكاري...

ـ أسلوب الوصف: يتجلى في النص على سبيل المثال من خلال وصف الخصائص الفنية لحركة الانبعاث الشعري: وأولى... وثاني... وثالث... إضافة إلى النعوت الواصفة.


+ أدوات الربط: 

   من أجل التفسير والإيضاح ورغبة في التأثير والإقناع حرص الكاتب على تحسين مظاهر الاتساق في النص وذلك من خلال آليات الربط بين العناصر الجزئية المُشَكلة له؛ كالربط بحروف العطف... والضمائر .. وأسماء الإشارة.. والأسماء الموصولة.. إضافة إلى التكرار بأنواعه المعروفة..


+ منهجية النص:

   اتبع الكاتب في عرض أفكاره منهجا استنباطيا انطلق فيه من العام (من إشارته إلى عوامل نشوء شعر الانبعاث مرورا بحديثه عن مقومات شعر الإحياء وذكر أهم خصائصه) إلى ما هو خاص (التنبيه إلى أن انبعاث هذا الشعر تجلى على مستوى الصياغة الفنية وكذلك الصلة الحميمة بين الشعر ونفسية ناظمه).

   أما على مستوى اللغة فقد جاءت في عمومها تقريرية ومباشرة تماشيا مع مقصدية النص الرامية إلى الإيضاح من أجل الإقناع.


▪ التركيب

   بناء على ما سبق، يمكننا القول إن الكاتب محمد الكتاني قد عمل في هذا النص على التعريف بمدرسة خطاب البعث والإحياء من خلال رصده لأهم خصائصه ومميزاته الشكلية والمضمونية، وذلك بمقارنته بين ما كان عليه حال الشعر في زمن الانحطاط وما أصبح عليه في عصر النهضة، منتصرا بشكل واضح لهذه الحركة الشعرية التي سعت إلى انتشال الشعر العربي من مستنقع الرداءة والإسفاف الذي كان يغوص فيه، معيدة له الروح والهيبة من جديد..

وخدمة لهذا الغرض؛ وظف الكاتب جملة من المصطلحات والمفاهيم النقدية والأدبية الدالة، وعددا من الأساليب الحجاجية تراوحت بين الشرح والتفسير والتعريف والوصف والمقارنة.. ومنهجا استدلاليا قام على الطريقة الاستنباطية، ولغةً تقريرية مباشرة، وجملا خبرية طويلة هيمنت على نظيرتها الإنشائية سعيا منه إلى الإيضاح من أجل إقناع المتلقي وحَمْلِه على الاستجابة لها، وبهذا العرض يكون الكاتب قد نجح - في نظرنا - إلى حد كبير في تقديم تصور نظري متكامل حول شعر إحياء النموذج، لنصل في الختام إلى إثبات صحة ما افترضناه في مستهل دراستنا لهذا النص وذلك بانتمائه إلى جنس المقالة الأدبية وبحديث الكاتب فيها عن حركة البعث والإحياء وعن أهم خصائصها ومميزاتها.

تعليقات