ملنكوليا | خواطر الفجر (3)




ملنكوليا | خواطر الفجر (3) 


ملنكوليا | خواطر الفجر (3)




التلعثم المضطرب أمام كل نواقص الذات مشهد مثير للشفقة، ألاحظ ذلك في المراهقين بتمعن، وفي نفسي قبل سنوات قليلة، لكن من أين يأتي ذلك الإحجام والرغبة في نقد الذات أمام الآخرين أو الإمعان في الخجل النسوي؟ يستضمر الإنسان، وفق التربية الاجتماعية المعاقة - نقيضة الفردانية وعدوة الحياة - شعورا ضبابيا بكون المجتمع رحيما ويسير  وفق قاعدة التضامن المادي والروحي!. يغذي هذا الوهم كل من العادات والواجب والأديان والفلسفات والقوانين والطرق "المناسبة" في نظر العامة، لذلك يأمل الفرد واهما أن تعرية ذاته والانكماش مثل الدودة (تشبيه نيتشه الأبلغ) سيمنحه درعا أمام سخرية واحتقار الآخرين، وهذا مبلغ الوهم والانحطاط الأكثر شيوعا بين الناس، لأنه لا ينكمش إلا ليرى "إمكانية الحذاء وهو يدوسه من أعلى". في المواجهة الضرورية لهذا التشوه، طالما ذكرت الأطفال - ونفسي لأنني أشد طفولة - بأن الإنسان لا يملك طبيعة ثابتة، فهو ليس شريرا بالضرورة وليس خيرا بالفطرة، إنه فقط غير متوقع، ومتكيف مع البيئة والأمزجة والصدفة ومنطلقات عقله القبلية تتفاعل باضطراب مع معطيات كثيرة أخرى غير خاضعة للتوقع، لذلك فطريقة تعامله مع صورة الآخر غير المكتملة، طريقة اعتباطية، يمكن لشخص طيب في لحظة ما أن يجعل منك طبقا لذيذا من السخرية، وهو أمر طبيعي، أو أن يبدي شعورا كلبيا بالشفقة، مثل جرو تحت الأمطار يحاول إنقاد نملة من الغرق!  يكمن الأمر إذا في التفكير أبعد من ردود الفعل، في النظر إلى قيمة الصدف المتعددة، التي تجعل الشيء شيئا والذات ذاتا، اجتماعيا وبيولوجيا ونفسيا، لا حاجة للمرء حتى بتقييم ذاته، لأنه نتاج مصفوفات من العبث المرح، تضارب عشوائي من الجينات والميمات والاتصالات والانقطاعات غير المرغوبة، وهو من ثمة، شيء في ذاته ينطوي على جوهر مركب عشوائي، ولا عقل أو أخلاق ممكنة لوضع قواعد معيارية إزاءه، كان شوبنهاور يفهم ذلك تماما مثل سقراط " القبيح" على اختلافهما، لكنهما لم يحتاجا حتى لمناقشة ذلك، باعتبارهما الضمني "للحكمة" ترفعا عن الخوض في "صورة الذات"، في المقابل حاول بعضهم التهجم على طبيعة الإنسان لجعلها "ثابتة شريرة ذئبية"، وهو غضب في غير محله.

 إن تلك الدودة التي تنكمش على ذاتها، يمكن أن تصير شرنقة ثم فراشة مكتملة، حين تعي مناط اللعبة، القائم على عبثية مرحة، جعلت كل القيم ممكنة عبر نقيضها، فلا شيء جيد تماما أو سيء تماما إلا في سياق محدد، وضمن أفق معين للرؤية، كذلك فالكمال هدف للفرد، وليس ضرورة أو شرطا لتجربته الوجودية، ومن المشين النظر إلى دودة ترفض التطور نحو الفراشة. 

تعليقات