دروس الباكالوريا 2022 : تكسير البنية وتجديد الرؤيا

 

دروس الباكالوريا 2021 : تكسير البنية وتجديد الرؤيا



دروس الباكالوريا 2022 : تكسير البنية وتجديد الرؤيا


للسنة الثانية من سلك البكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية



الدورة الأولى : تحولات الشعر العربي الحديث
المجزوءة الثانية : تكسير البنية وتجديد الرؤيا



تكسير البنية


إنها المرحلة الثانية التي مثلها شعر التفعيلة وقصيدة الرؤيا، إذ لم يتوقف التطور عند حدود التحرر الجزئي من قيود القافية وخلع رداء موضوعات وأغراض الشعر القديم، بل ظهرت حركة جادة نادت بالتجديد الموسيقي فكسرت إيقاع البيت، وأحلت محله السطر الشعري المكون من التفعيلة.
لقد كانت أربعينيات القرن الماضي زمن ولادة هذا الشكل، لكن قواعده ترسخت في الخمسينيات، بدءا بنازك الملائكة والسياب والبياتي في العراق، وسرعان ما اتسعت الدائرة فضمت شعراء آخرين مثل صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي في مصر، وأدونيس ويوسف الخال وخليل حاوي في سوريا ولبنان، وفدوى طوقان وسلمى الجيوسي في فلسطين، والمجاطي وعبد الله راجع والكنوني ومحمد السرغيني ومحمد بنيس في المغرب.

وكان جوهر هذا الشعر هو التعبير عن معاناة الشاعر الحقيقية، وما تعيشه الإنسانية المعذبة. فقد أصبحت القصيدة تجربة إنسانية؛ بما فرضت عليها من أزمات وأحداث سياسية وحروب أثخنت المنطقة العربية، دون نسيان ضياع فلسطين والإحباط الذي ران على الفكر العربي، وكذا الافتتان بحضارة الغرب وثقافته، خصوصا المدّين الاشتراكي والوجودي.
كل هذه العوامل فرضت على الشاعر العربي الإذعان للتغيير والبحث عن بدائل تعبيرية للخروج من الأزمة وتوجيه سلوك القارئ وفكره وأسلوب حياته. فجاءت صياغة القصائد التي نادت بتكسير البنية، وتغيير المعالم الشكلية للقصيدة القديمة، معتمدة على التوفيق بين الوحدة العضوية وتناسق موسيقى اللفظ، وكذا بين وظيفة الصورة في بناء الموقف والانفعال بالتجربة.



تجديد الرؤيا


لكن سرعان ما تشكلت ثورة جديدة من رحم حركة تكسير البنية تزعمها أدونيس أواخر الخمسينيات فأطلق مفهوم قصيدة الرؤيا انطلاقا من هدم وإعادة بناء أسس التراث الشعري المعرفي والفني والجمالي والإيقاعي، وسار على دربه يوسف الخال وبدر شاكر السياب والماغوط وغيرهم. فلم يعد الشعر على أيدي هؤلاذ مجرد تحول في الشكل وبناء المواقف عبر التجارب الإنسانية، بل أصبح الإنسان هو جوهر التجربة، إنها تجربة مع المستقبل عن طريق تشكل الرؤيا من خلال :

١. التجربة الحياتية : انطلاقا من الإحاطة بالواقع وفهمه فهما دقيقا وواعيا.
٢. التجربة الشعرية : التي تمكن الشاعر من صياغة الرؤيا جماليا.
٣. الحدس : عن طريق الإحساس بالواقع والقدرة على النفاذ إلى جوهر الأشياء.
٤. الاعتماد على فكرتي الهدم والبناء.

أما على المستوى الفني فمكونات الرؤيا هي الرمز والأسطورة والإيحاء. فالرمز يأخذ حيزا هاما من مساحة شعر الرؤيا. فهو إما كلمة أو عبارة أو صورة أو شخصية أو اسم مكان. وأما الصورة الشعرية، فقصيدة الرؤيا تجعلها مندمجة عن طريق التكثيف الذي يغنيه الإيحاء داخليا على مستوى الألفاظ والإيقاع وطريقة بناء الحدث، ويغنيه خارجيا على مستوى الأسطورة والرمز واللون وعناصر التراث المختلفة والرموز الصوفية وأشكال الخرافة وغيرها.
وبهذه الطريقة أثبت الشاعر المعاصر قدرته على استيعاب العناصر الفنية التي تجسد الرؤيا باستخدام الكلمة والإيقاع والصورة والرمز والأسطورة والوحدة العضوية، والإيحاء والتخييل، وهضم المؤثرات الثقافية والتراثية والغربية من أجل التعبير والتغيير.
ولم يكن النقد بمنأى عن هذه التجربة الشعرية، بل واكبها النقاد بدراساتهم وإسهاماتهم من أجل التعريف بها، والكشف عن خصائصها.
تعليقات