دروس الباكالوريا 2022 : مناهج نقدية حديثة
للسنة الثانية من سلك البكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية
الدورة الثانية : النثر العربي الحديث : أشكال نثرية ومناهج نقدية
المجزوءة الثالثة : مناهج نقدية حديثة
المنهج لغة : الطريق الواضح، واصطلاحاً هو عملية نقدية يستند فيها الناقد إلى إطار نظري معين لقراءة النص الأدبي وفق خطوات ومبادئ مضبوطة. وبما أن النص الأدبي يتصف بمجموعة من الخصائص والعناصر المميزة له، ويصدر عن مرسل محدد في سياق معين بغرض التوجه صوب متلق مفترض، فإن مناهج الدراسة قد تنوعت في قراءته تبعاً لتنوع هذه المكونات التي تسهم في تشكله. ويمكن أن نصنفها إجرائيا إلى ثلاثة أقطاب : الأول يركز أصحابه على تفسير النص من خلال مؤثراته الخارجية، سواء أكانت مسودات الكاتب (المنهج الجنيني)، أم نفسية المبدع أو متخيله الإبداعي (المنهج النفسي)، أم معطيات العصر (المنهج التاريخي)، أم المؤثرات الاجتماعية (المنهج الاجتماعي). وفي القطب الثاني يركز الدارسون على الوصف الداخلي للنص في حد ذاته، بدل تفسيره تفسيراً خارجيا. وفيه نجد عدة مناهج أيضاً كالمنهج الشكلاني والسيميائي والأسلوبي والبنيوي وغيرها. أما القطب الثالث فتم التركيز فيه على المتلقي، وشهد هو الآخر تنوعاً في القراءات كنظرية التلقي مع ياوس، والقارئ المفترض مع أيزر والقارئ النموذجي مع أمبرطو إيكو وسواهم.
• المنهج الاجتماعي
ويعتبر المنهجان الاجتماعي والبنيوي من أبرز المناهج التي عرفها النقد الحديث في الغرب. وتكمن أهمية الأول في ربطه العمل الأدبي بمحيطه الاجتماعي، وتخليصه النقد من التأويلات الغيبية والمفاهيم الرومانسية التي كانت سائدة قبله في القرنين السابع والثامن عشر. غير أنه ظل، منذ نشأته إلى يومنا هذا، موضع تجاذب من قبل العديد من النظريات الفلسفية والاجتماعية وغيرها. ولذلك تنوعت اتجاهاته وتشعبت إلى درجة أن بعضها وُظف في مناهج أخرى كالتلقي مثلا أو نظريات المتخيل التي كانت حكرا على المناهج النفسية.
• المنهج البنيوي
أما المنهج البنيوي فقد صدر عن البنيوية باعتبارها فلسفة عمدت إلى تحليل مجالات المعرفة تحليلا علميا، ودعت إلى الانسجام والبناء ضد مظاهر التشظي التي شهدها العالم مع بداية القرن العشرين. وتكمن أهمية المنهج البنيوي في رده الاعتبار إلى النص نفسه، وتخليص النقد من الأحكام الذاتية والتفسيرات الإيديولوجية الخارجية. ولذلك حصر أصحابه اهتماماتهم في وصف مكوناته المفككة والبحث عن النسق الداخلي الذي يوحدها. وقد شهد هو الآخر تنوعا في الاستعمال، سواء داخل حقل الأدب أم خارجه كالأنثروبولوجيا وعلم النفس مثلا.
وإذا كان المنهج الاجتماعي قد ساد في النقد العربي منذ منتصف القرن العشرين إلى يومنا هذا، بعد هيمنة المنهج التاريخي على يد طه حسين وغيره من النقاد، فإن المنهج البنيوي قد ظهر متأخرا عليه، أي منذ الثمانينيات، رغم أن العديد من المفكرين العرب كانوا قد عرّفوا به منذ السبعينيات. لكن هذا لم يمنع الدارسين أنفسهم من توظيف كلا المنهجين لقراءة النصوص العربية قديمها وحديثها، وإضاءة جوانبها الاجتماعية ومكوناتها البنيوية. وقد أسهم هذا النشاط النقدي في تحفيز نقاد آخرين على قراءة هذين المنهجين، وغيرهما من المناهج الأدبية، للتعريف بها وبمبادئها وخلفياتها النظرية.