مقتطف من رواية "ما هو الـ ماذا" للكاتب الأمريكي دايف إيغرز

 

مقتطف من رواية "ما هو الـ ماذا" للكاتب الأمريكي دايف إيغرز


مقتطف من رواية "ما هو الـ ماذا" للكاتب الأمريكي دايف إيغرز


ضحك الرجال وحثّوه على أن يحكي لهم القصّة. فنهض أبي واقفاً وبدأ يحكي القصّة بالطريقة التي يرويها دائماً.

- عندما خلق الله الأرض، خلقنا أولاً نحن الطونق جانق. نعم، خلق الطونق جانق أولاً، الرجل الأول، وجعله أطول وأقوى جميع المخلوقات تحت السماء...

كنت أعرف القصّة جيداً، لكني لم أسمع أبي يحكيها بحضور رجال ليسوا من الدينكا. نظرت إلى وجوه العرب، آملاً ألاّ يؤدي ذلك إلى جرح مشاعرهم. كان الجميع يبتسمون، كأنّهم يسمعون قصة خرافية من نوع ما، لا قصّة الخلق الحقيقية.

- نعم، جعل الله الطونق جانق طوال القامة وأقوياء، وجعل نساءهم أجمل النساء، أجمل من جميع المخلوقات على وجه الأرض قاطبة. انطلقت همهمات سريعة بالموافقة، هذه المرة بأصوات حلقيّة أكثر، بمن فيهم الرجال العرب. وتبعت ذلك موجة من الضحك بصوت مرتفع من الجميع. لكزني صادق وابتسم لي ابتسامة عريضة، فضحكت أنا أيضاً، مع أنّني لم أكن متأكداً لماذا ضحكت.

- نعم، واصل أبي، - وعندما أنهى الله عمله، وقف الطونق جانق على الأرض ينتظر أوامره، ثم سأل الله الرجل، "الآن بعد أن أصبحتَ هنا، فوق أكثر أرض قداسة وخصوبة أملكها، يمكنني أن أمنحك شيئاً آخر. يمكنني أن أعطيك هذا المخلوق، الذي يدعى البقرة...

أدار أبي رأسه بسرعة، وصبّ بعض ما في كأسه في النار، فأصدرت هسيساً وأرسلت عموداً من الدخان إلى الأعلى، ثم التفت إلى الناحية الأخرى ووجد ما كان يبحث عنه أخيراً: أشار إلى بقرة تقف بعيداً، إحدى الأبقار التي تنتظر أن تُباع في السوق، غداً.

- نعم، واصل كلامه، أرى الله الرجل فكرة المواشي، وكانت المواشي رائعة. كانت من كلّ ناحية كما يريدها الطونق جانق تماماً. فشكر الرجل والمرأة الله على هذه الهدية، لأنهما عرفا أنّ المواشي ستدّر عليهما الحليب واللحم وستجلب لهما الازدهار من كلّ نوع. لكن الله لم ينته.

- لن ينتهي أبداً، قال صادق مخاطباً موجة من الضحك.

- قال الله، "يمكنكما أن تأخذا هذه الأبقار، هدية منّي لكما، أو يمكنكما أن تحصلا على الـ "ماذا"" انتظر أبي الرّد الضروري.

- لكن... قال صادق، يساعده، - ما هو الـ “ماذا”؟ قال، بطريقة استفسار مسرحية.

- نعم، نعم. كان ذلك هو السؤال. فرفع الرجل الأول رأسه إلى الله وسأله ما هو، ماذا هذا. ما هو الـ "ماذا؟" سأل الرجل الأول. فقال الله للرجل، "لا أستطيع أن أقول لك. ومع ذلك، يجب أن تختار. عليك أن تختار بين الأبقار وبين الـ ماذا". حسناً إذن. كان باستطاعة الرجل والمرأة رؤية الأبقار أمامهما، وكانا يعرفان أنهما بتلك الأبقار سيأكلان ويعيشان بسعادة وهناء. كان بإمكانهما أن يريا أن الأبقار هي أكثر مخلوقات الله كمالاً، وأنه يوجد في داخلها شيء إلهيّ. وعرفا أنّهما سيعيشان في سلام مع الأبقار، وأنهما إذا ساعدا تلك الأبقار في تزويدها بالمأكل والمشرب فإنها ستدّر عليهما الحليب، وستتضاعف أعدادها في كلّ سنة وستجعل الطونق جانق سعيداً ينعم بالصحة. لذلك عرف أول رجل وامرأة أنهما سيكونان غبيين إذا رفضا تلك المواشي مقابل الـ ماذا هذه. فاختار الرجل الأبقار، وأثبت له الله أنّ هذا هو القرار الصائب. فقد كان الله يختبر الرجل. كان يختبر الرجل ليعرف إن كان سيقدّر ما أُعطي له، إن كان سيستمتع بالوفرة المتاحة أمامه، بدلاً من أن يستبدلها بشيء مجهول. وبما أن الرجل الأول استطاع أن يرى ذلك، فقد جعلنا الله ننمو ونزدهر. فالدينكا يعيشون وينمون كما تعيش الأبقار وتنمو.

مال الرجل الباسم رأسه.

- نعم، لكن يا عمّ دنغ، هل يمكنني أن أسأل شيئاً؟

لاحظ أبي تأدب الرجل، فجلس وأومأ.

- لم تقل لنا الجواب: ما هو الـ "ماذا؟" فهز أبي كتفيه، وقال: - لا نعرف. لا أحد يعرف.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-