مقتطف من رواية "مذكرات زوجة السجين" للكاتبة الأمريكية من أصل أفريقي آشا بانديلي

 

مقتطف من رواية "مذكرات زوجة السجين" للكاتبة الأمريكية من أصل أفريقي آشا بانديلي


مقتطف من رواية "مذكرات زوجة السجين" للكاتبة الأمريكية من أصل أفريقي آشا بانديلي


عشنا في أرض لا حدود لها، في مدينة لا مركز فيها، في شارع لا اسم له، في بيت لا جدران له، توجد فيه نوافذ لا قضبان عليها.

كنا أحراراً في هذا المكان، يا رشيد، كنا أحراراً. وهل يمكنك أن تذكر؟ كيف أن الأيام كانت تمرّ بلا زمن، كيف أن السنوات لم تعقنا؟ كيف أننا كنّا نتقاسم اللغة بدون كلمات، كيف أن صمتنا كان الغناء الذي جعل السماء تبدأ تطرب له؟ تذكر هذا، يا حبيبي؟ كيف رقصت السماء بجرأة، وكيف رقصت السماء بحرية؟ وكيف أغوت نفسها بذراعيها الملوحتين ؟ كيف استدعت فضاءها وكيف قفزت ثم غيّرت ألوانها؟

كان ذلك حلماً، لكنه لم يكن حلماً ليلياً، وإنما حلم يقظة. جاءني ذات مساء وأنا أسير في وسط مانهاتن، أتساءل إن كان رشيد قد سار في هذا الدرب ذات يوم، في هذا الشارع بالذات. تساءلت إن كان قد سار ذات يوم هنا وأحسّ بالشمس تلسع مؤخرة رقبته، كما أحسّ بها الآن وهي تلسع مؤخرة عنقي. أتساءل إن كان قد مشى هنا وأحسّ بأشعة الشمس، فهل توقفت أصوات السيارات والناس كما توقفت بالنسبة لي؟ إذ لم أعد أسمعها. لم أعد أسمعها. بل حتى لم أعد أراها.

لم أكن أرى سوى رشيد. لم أكن أرى أحداً إلاّ أنا ورشيد. لم يعد بإمكاني أن أرى سوى رشيد وأنا، والأرض التي لا حدود لها، والسماء التي تعلو الأرض، السماء التي كانت ترقص.

في أحد الأيام، عندما كنّا معاً في غرفة الزوار، سألت رشيد إن كان قد رأى هذا المكان من قبل، المكان الذي رأيته في حلمي.

قلت له، كان ينبض بالحياة، لا بدّ أنك رأيته. جذبت رشيد إلى جانبي. قلت له إني أعتقد أنه رآه حتى من هذا المكان، من هذا القفص المعدوم الهواء، تحت السماء التي لا ترصعها النجوم.

استرخى رشيد على كرسيه ثم أغمض عينيه وأخذ يهزّ رأسه ببطء.

وقال لي: نعم، نعم يا آشا، لقد رأيته، ولا أزال أرى ذاك المكان عندما أتطلع من النافذة، عندما أنظر من الأبواب. يمكنني أن أراه كل يوم.

تعليقات