مقتطفات روائية : مقتطف من رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز

 

مقتطفات روائية : مقتطف من رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز


مقتطفات روائية : مقتطف من رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز



رجل في الغابة الشمالية مستلق على ظهره على الأرض الباردة عند الفجر. يُخرج رأسه من خيمته التي تتسع لشخص واحد، وجهه مرفوع إلى الأعلى. خمس اسطوانات رقيقة من شجرة التنوب الأبيض تسجّل النسيم الذي يهبّ فوقه. الجاذبية لا شيء. أطراف الأشجار الدائمة الخضرة ترسم وتخربش في سماء الصباح. لم يفكر قط في عدد الأميال التي تقطعها الشجرة، بزيادات صغيرة متواصلة، في كلّ ساعة في كلّ يوم. في حركة أبدية، هذه الأشياء الثابتة التي لا تتحرك.


يسأل الرجل الذي يمدّ رأسه من الخيمة نفسه: ماذا تشبه رؤوس الأشجار هذه؟ إنها تشبه لعبة الرسم المسننة، التي تدور وتُخرج أشكالاً تفاجئ الجميع من أبسط الدورات المتداخلة فيها. إنها تشبه طرف تعويذة ويجا، تتلقى تعليماتها من الخلف. في حقيقة الأمر، فهي لا تشبه شيئاً إلاّ نفسها. إنها تيجان خمسة أشجار تنوّب أبيض مثقلة بالأكواز، تنحني مع هبوب الريح كما تفعل كلّ يوم من وجودها. التشابه هو المشكلة الوحيدة بالنسبة للبشر.


لكن أشجار التنوّب تبعث رسائل من خلال وسائط اخترعتها هي نفسها. فهي تتحدّث من خلال إبرها وجذوعها وجذورها. إنها تسجل في أجسادها تاريخ كل أزمة عاشتها. أما الرجل المستلقي في الخيمة فقد كانت تغمره إشارات أقدم من حواسه البدائية بمئات ملايين السنين. ولا يزال باستطاعته أن يقرأها.

أشجار التنوّب الأبيض الخمسة توقّع على الهواء الأزرق. تكتب: النور والماء وقطعة حجر مسحوقة صغيرة تحتاج كلّها إلى إجابات طويلة.

لكن أشجار الصنوبر الملتف وصنوبر جاك القريبة تحتج: الإجابات الطويلة بحاجة إلى زمن طويل. والزمن الطويل هو الشيء الذي يتلاشى.

وتقول أشجار التنوب الأسود أسفل التلّ بفظاظة: الدفء يتغذّى على الدفء. طبقة الجليد الدائم تتجشأ. والدورة تزداد سرعة.

في مكان أبعد إلى الجنوب، توافق أوراق الأشجار العريضة. الحور الرجراج وبقايا أشجار البتولا الصاخبة، وغابات الأشجار القطنية والحور، تغني في جوقة واحدة: بدأ العالم يتحوّل إلى شيء جديد.


يتدحرج الرجل على ظهره ويصبح وجهاً لوجه مع سماء الصباح. تغمره الرسائل. حتى هنا، بلا مأوى، يقول لنفسه: لا شيء سيكون كما كان.

تجيب شجرة التنوب: لا يوجد شيء كما كان.

إننا محكومون بالفشل جميعاً، قال الرجل لنفسه.

إننا محكومون بالفشل دائماً.

لكن الأمر مختلف هذه المرة.

نعم. أنت هنا.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-