مقتطفات روائية : رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز


مقتطفات روائية : رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز


 مقتطفات روائية : رواية "ما بعد الحكاية" للكاتب الأمريكي ريتشارد باورز


لنفترض أن الكوكب ولد في منتصف الليل وعاش يوماً واحداً فقط.

في البدء لم يكن هناك شيء. ساعتان ضاعتا في الحمم والنيازك. ولم تظهر الحياة إلاّ بعد الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً. حتى في ذلك الحين، فهي ليست سوى قطع وأشياء صغيرة تنسخ نفسها. ومن الفجر وحتى الضحى - مليون مليون سنة من ظهور الأغصان وانتشارها - لا شيء يوجد أكثر من خلايا هزيلة وبسيطة.

ثم أصبح كلّ شيء. ثمة شيء هائل حدث، ليس بعد الظهر بكثير. نوع واحد من الخلايا البسيطة استعبد زوجاً من الخلايا الأخرى. ثم أصبحت نوى أغشية، وتطوّرت الخلايا إلى عضيات. ما كان ذات يوم مخيّماً يقطنه شخص واحد، أصبح مدينة.


انقضى ثلثا اليوم عندما تفرقت الحيوانات والنباتات وذهب كلّ منها في شأنه. وكانت الحياة عبارة عن خلايا وحيدة. وهبط الظلام قبل أن تترسخ الحياة المركبة. كل شيء حيّ ضخم كان آخر القادمين، ظهر بعد أن هبط الظلام. وفي الساعة التاسعة مساء، جاء قنديل البحر والديدان. ثم جاءت الأشياء الأخرى - العمود الفقري، الغضاريف، أشكال الجسد الأخرى. ومن لحظة إلى أخرى، كانت تتفجر جذوع وأغصان جديدة لا تعد ولا تحصى في التاج المنتشر.

وتشكلت النباتات على الأرض قبل الساعة العاشرة بقليل. ثم الحشرات التي انطلقت في الهواء على الفور. وبعد لحظات، زحفت رباعيات الأرجل من الطين الذي تشكّل من المد والجزر، تحمل على جلدها وفي أحشائها عوالم كاملة من مخلوقات سابقة. وفي الساعة الحادية عشرة، انطلقت الديناصورات، تاركة الثدييات والطيور مسؤولة لمدة ساعة.

وخلال الستين دقيقة الأخيرة، نمت في أعلى مظلة شجرة المحتد، الحياة. وبدأت المخلوقات تتأمل وتفكّر. وبدأت الحيوانات تعلّم أطفالها عن الماضي والمستقبل. وتعلّمت الحيوانات كيف تقيم طقوسها.


أما الرجل المعاصر، فقد ظهر من الناحية التشريحية، قبل منتصف الليل بأربع ثوان. وظهرت لوحات الكهف الأولى بعد ثلاث ثوان. وفي ألف نقرة من عقرب الثواني، حلّت الحياة سرّ الحمض النووي وبدأت ترسم خريطة شجرة الحياة نفسها.


وفي منتصف الليل، تحوّلت معظم الكرة الأرضية إلى زراعة محاصيل لتوفّر الغذاء لنوع واحد. وحدث ذلك عندما أصبحت شجرة الحياة شيئاً آخر مرة أخرى. حدث ذلك عندما بدأ الجذع العملاق ينكمش ويتضاءل.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-