صدر حديثاً : منشورات المتوسط -إيطاليا

 

صدر حديثاً : منشورات المتوسط -إيطاليا





صدر حديثاً : منشورات المتوسط -إيطاليا


"الكتابةُ بالقَفْز والوَثْب"

تُومِئ إلى وُجهةٍ من غير أن تدُلَّ على طريق:

لـ عبد السلام بنعبد العالي


صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الكتاب الجديد للمفكِّر المغربي عبد السلام بنعبد العالي، بعنوان: "الكتابةُ بالقَفْز والوَثْب". وهو كتابٌ فلسفيٌّ استهلَّه الكاتبُ بمقولةٍ تضعُ القارئ في محلِّ تساؤل عن طبيعة هذه الكتابة: «لا يمكننا التفكير في المتعدِّد من غير إقامة جسور بين الاختلافات، من غير أن نؤكِّد الاختلافات في علائقها المُتبادلة». الكتاب الجديد هو الإصدار الثاني للكاتب عن المتوسط بعد "لا أملك إلَّا المسافات التي تُبعدني" بداية 2020.


في مقدِّمة الكتاب، يمضي عبد السلام بنعبد العالي، في تفكيكِ عبارة العنوان التي هي اقتباس عن كيليطو، الذي اقتبسها بدوره عن مونتيني، وذكَرهُ ضمن محاضرة تحدَّث فيها عن مساره وطريقته في الكتابة.

ويضيف: في كتابه عن نفسه Barthes par Barthes، يربط رولان بارت الكتابة المتقطِّعة بأمرَيْن اثنَيْن: الموسيقى، وموسيقى فيبرن على الخصوص، ثمَّ رياضة الكاتش، يُقرِّب بارت التكثيف في الكتابة المتقطِّعة من التكثيف الموسيقي، ليُبيِّن أن الكتابة المتقطِّعة تضبطها موسيقى مغايرة، وأن كثافتها أقرب إلى التكثيف الموسيقي الذي «يضع «النغمة محل "الاسترسال"... فيُومِئ إلى وجهة، كما يتجلَّى هذا في المقطوعات الموجزة لفيبرن: غياب للإيقاع، جلال ومهارة في سرعة التَّخلُّص».

هذا عن علاقة الكتابة المتقطِّعة بالموسيقى، فما علاقتها برياضة الكاتش؟ نعلم أن صاحب أسطوريات كان قد سَبَقَ له أن عقد مقارنة مطوَّلة بين مباراة الكاتش ومباراة الملاكمة، فاستنتج أن الأخيرة عبارة عن حكاية تُبنَى تحت مراقبة أعين المشاهد. أمَّا في الكاتش، فالمعنى يُستمَدُّ من اللحظة، وليس من الدوام والاستمرار. المُشاهِدُ هنا لا يَشغَل بَالَهُ بعملية تكوُّن ونشأة، وإنما يترقَّب الصورة اللَّحظيَّة لتجلِّي بعض الانفعالات. يستدعي الكاتش، إذنْ، قراءة فورية لمعانٍ تتراكم دونما حاجة لرَبْطها فيما بينها، فلا يهمُّ المُشاهدَ هنا مآل المعركة الذي يمكن للعقل أن يتتبَّعه. أمَّا مباراة الملاكمة، فهي تستدعي معرفة بالمآل، وتبيُّناً للغايات والمرامي، وتنبُّؤاً بالمستقبل. بعبارة أخرى، فإن الكاتش حصيلة مَشَاهد لا يُشكِّل أيٌّ منها دالَّة، تتوقَّف على غيرها من المتغيِّرات: فكلُّ لحظة تتطلَّب إحاطة كُلِّيَّة وانفعالاً ينبثق في انعزاله وتفرُّده من غير أن يمتدَّ، ليُتوِّج مآلاً بأكمله. «في الكاتش تُدرَك اللحظةُ، وليس الدَّيمومةَ». إنه مشهدٌ مَبنيٌّ على الانفصال والتَّقطُّع. وتقطُّعه و«عدم انسجامه يحلُّ محلَّ النظام الذي يُشوِّه الأشكال».

مباراة الملاكمة حكاية تروي حركة موصولة، تصدر عن أصل، لتمتدَّ في الزمان، كي تسير نحو غاية، أمَّا مباراة الكاتش، فإن دلالاتها تقف عند اللَّحظيِّ الذي لا يتَّخذ معناه من غاية الحركة ومسعاها، ولا تتوقَّف دلالته على كُلِّيَّة خارجية. لا يعني هذا مطلقاً أن الأمر يقتصر على المقابلة بين الزَّمانيِّ واللَّحظيِّ، بين الحركة والتَّوقُّف، بين التاريخ ونَفْيه، بقَدْر ما يعني تمييزاً بين تاريخ وتاريخ: فـ «تاريخ» مباراة الملاكمة تاريخ توليدي تكويني génétique، لا يُدرِك المُشاهِدُ معناه إلَّا إنْ هو بَنَى Construire حكاية تربط الأصل بالغاية، كي ترى في اللحظة، ليس معنى في ذاته، بل حلقة في سلسلة مترابطة، يتوالد فيها المعنى، ولا يكتمل إلَّا عند معرفة المآل. لذا يُعلِّق بارت: «في الملاكمة تقع المراهنة على نتيجة المعركة». أي أن الأمور تكون في الملاكمة بخواتمها، أمَّا في الكاتش، «فلا معنى للمراهنة على النتيجة» لسبب أساس، وهو أن المعنى لا يمثُل في حركة الأصل، ولا يَنتظِرُ المآلَ، وإنما يتجسَّد في غِنَى اللحظة. بيد أن هذا لا ينفي التراكم، ولا يستبعد التاريخ. لكنه ليس التاريخ التَّاريخانيَّ، وهو ليس حركة حاضر ينطلق من أصل لينموَ في اتِّصال وتأثير وتأثُّر حتَّى يبلغ النهاية والغاية والمعنى sens. ليس التاريخ هنا سريانَ المعنى ونُمُوَّه وتطوُّرَه développement في مسلسل مستمرٍّ و«سيرورة» processus متواصلة، وإنما هو إعادة اعتبار لكثافة اللحظة، لكي تحتفظ بثرائها، من غير أن تذوب في الديمومة القاهرة.

لم أتوقَّف طويلاً عند هذه المقارنة يقول بنعبد العالي، كي أستنتج أن الجاحظ أقرب إلى الكاتش منه إلى الملاكمة، وإنما لأتبيَّن معكم أنه لا يكفينا تحديد طبيعة الكتابة «بالقَفْز والوَثْب» بِرَدِّها إلى حالة نفسية، وتفسيرها بمَلَل القارئ أو حتَّى مَلَل الكاتب، لا يكفينا التأويل السّيكلوجيّ، وإنما لا بدَّ من التأويل "الشِّعْرِيّ" الذي يُمكِّننا من أن نذهب حتَّى القول إنه مَلَل الكتابة ذاتها.


نقرأ على ظهر الكتاب مقولة لمارتن هايدغر، جاء فيها: «مادام هذا الكتاب باقياً أمامنا من غير أن يُقرأ، فإنه يكون تجميعا لمقالات ومحاضرات. أما بالنسبة لمن يقرؤه، فإن بإمكانه أن يغدو كتاباً جامعاً، أي احتضاناً واستجماعاً لا يكون في حاجة لأن ينشغل بتشتت الأجزاء وانفصالها عن بعضها.. إن كان المؤلف محظوظاً، فإنه سيقع على قارئ يُعمل الفكر فيما لم يُفكر فيه بعد».


لا تستهدف الكتابة «بالقَفْز والوَثْب»، إذنْ، خلاصة خطاب، و«زبدة» فكر، وعلى رغم ذلك، فهي ليست نظرة «خاطفة»، ولا هي توقُّف وعدم حراك. إنها «حاضر» متحرِّك، حتَّى لا نقول هارباً. فهي تُومِئ إلى وجهة، من غير أن تدلَّ على طريق.


أخيراً جاء الكتاب في 136 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

... كان لذلك وَقْعٌ على «الوضع» الأنطلوجي للفرد. فكون الڨيروس قادراً على الانتقال، في أيَّة لحظة، من جسد إلى آخر، يجعل كلَّ جسد من أجساد الجماعة مجرَّد حلقة عضوية ضمن سلسلة، تمتدُّ بين «الأفراد»، وهي حلقة لا خارج لها. ها هنا لا تكفي الفرادة المعنوية للشخص، كي تفصله عن الآخرين، وتُميِّزه عنهم، فيصبح مضطرَّاً إلى «صناعة» مسافات تُبعده عمَّا عداه، و«تعزله» عن «الآخرين» الذين لم يعودوا، في الحقيقة، آخرين بالمعنى المعهود، وإنما غدوا امتداداً للذات. من هنا هذا الشعور الغريب الذي اجتاح الجميع منذُ انتشار الوباء بأن الفرد لم يعد مسؤولاً عمَّا يظهر عليه من أعراض. لم يعد الأفراد مسؤولين، كلٌّ عن جسده، وإنما عن جسدٍ غريب، لا يخصُّ شخصه، وإنما هو جسد ممتدٌّ عبر كلِّ الآخرين، موصول إليهم. صحيح أنه يلجأ إلى عزله عنهم، واتِّخاذ مسافات منهم، إلَّا أنه لا يضمن أنهم جميعُهم سيتصرَّفون على النحو نفسه بهذا الجسد الممتدِّ الذي أصبح يتقاسمه معهم. عندما كان الفرد يصاب بمرض لا «يعنيه» إلَّا هو وحده، كان يستطيع التَّحكُّم فيه تحمُّلاً وعلاجاً وصبراً ومكابدة، كان يتحمَّل مسؤوليَّته، كانت له «هُوِيَّة صحِّيَّة» تتحمَّل مسئوليَّتها الأخلاقية. أمَّا وقد غدا «جسده» المريض حلقة في سلسلة ممتدَّة، فإنه لم يعد قادراً على القول: «أنا جسدي» على حدِّ قول ميرلو بونتي.


عن المؤلِّف:

عبد السلام بنعبد العالي؛ مفكر وكاتب ومترجم وأستاذ بكلية الآداب في جامعة الرباط، المغرب. من مؤلفاته: الفلسفة السياسية عند الفارابي، أسس الفكر الفلسفي المعاصر، حوار مع الفكر الفرنسي، لا أملك إلَّا المسافات التي تُبعدني. في الترجمة، ضيافة الغريب، جرح الكائن، القراءة رافعة رأسها. ومن ترجماته: الكتابة والتناسخ لعبد الفتاح كيليطو، أتكلم جميع اللغات لعبد الفتاح كيليطو، درس السيميولوجيا لرولان بارت.




"الزَّمن الحسِّي" لـ جورجو فاستا

ألعاب البراءة والقسوة في أوَّل أعماله الرِّوائية



صدرت عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية "الزَّمن الحسِّي" للمؤلّف والروائي وكاتب السيناريو الإيطالي جورجو فاستا، وهي الرواية التي «تعدُّ بلا شكٍّ واحدة من أهمِّ الرِّوايات التي ظهرت في إيطاليا في السَّنوات العشر الماضية»، كما وصفَها الملحق الأدبي "التايمز" (TLS)، بينما أقرَّت صحيفة لوموند أنها «روايةٌ أولى متطوِّرة البناء على نحوٍ مثيرٍ للإعجاب»، وذهبت فاينانشيال تايمز إلى القول بأنَّ الرِّواية «كُتبت لأجل قراءةٍ كثيفةٍ ورائعة». ترجمَ الرواية عن الإيطالية المترجم السّوري أمارجي، الحاصل على عدَّة جوائز أدبية في الترجمة، وصدر من ترجماته الروائية عن المتوسط: "البحر المحيط"، لـ ألِسَّاندرو باريكُّو، 2017. "واحدٌ ولا أحد ومائة ألف"، لـ لويجي بيراندللو، 2017. "زهرة القيامة (عجائب الألفيَّة الثَّالثة)"، لـ إميليو سالغاري، 2018. وحديثاً، في سلسلة الشِّعر الإيطالي: "هذا الجسد، هذا الضوء" لـ ماريَّا غراتسيا كالاندْرُونِهْ، و "شاربو النجوم" لـ إرنِستو رغاتْسوني، 2020.


تعود بنا رواية "الزَّمن الحسِّي" إلى عام 1978، في مدينة باليرمو الغارقة في برِّيَّتها وبدائيَّتها، حيثُ يُواجه ثلاثةُ صبيةٍ في الحادية عشرة من أعمارهم، مليئين بالحماسة والأفكار، العالمَ لأوَّل مرَّة. ثلاثةُ صبيةٍ مبكِّري النُّضج، وشهوانيِّين، وحُوشِيِّين، يجوبون المدينة مقتنعين بأنَّهم أشخاصٌ مختارون. من روما، تهبُّ عليهم رياح ذلك العام الفظيع – الألوية الحُمْر واختطافُ ألدو مورو – وبسبب سخطهم من النّزعة الإقليميَّة في إيطاليا، يبدؤون بالانفصال شيئاً فشيئاً عن الواقع ويؤسِّسون خليَّتهم الإرهابيَّة الخاصَّة.


"الزَّمن الحسِّيُّ" روايةٌ قاسيةٌ ومؤثِّرة، تُصوِّر إيطاليا في اللَّحظة التي فقدت فيها براءتها كلِّيَّاً، ولكنَّها أيضاً قصَّة حُبٍّ مكتوبةٌ بنفسٍ شعريٍّ من أوَّل سطرٍ فيها إلى آخر سطر، قصَّة حُبٍّ مستحيلٍ لا يسعنا عند قراءتها إلَّا أن نتذكَّر الأولاد الذين كُنَّاهم يوماً.


حازت الرواية على جائزة (يوليسيس) الفرنسية، وجائزة (Lo Straniero)، وجائزة (Città di Viagrande)، وكانت في القائمة الطويلة لأهم جائزة أدبية إيطالية، جائزة (ستريغا) 2009.


أخيراً جاء الكتاب في 384 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

لي من العمر أحد عشر عاماً، وأعيش وسط قططٍ ينهشها الجرب والتهابُ الرُّغامَى. قططٍ ليست أكثر من هياكل عظميَّةٍ مُعوجَّة، مكسوَّةٍ بالقليل من الجلد المتصلِّب، وموبوءةٍ بالكامل لدرجةِ أنَّ المرء يمكن أن يموت إنْ هو أقدمَ على لمسها. ظهيرةَ كلِّ يومٍ تأخذها الضَّفيرةُ* لتطعمها في نهاية الحديقة التي أمام المنزل. أحياناً أخرج بصحبتها. تتقدَّم القططُ نحونا، منحرفةً إلى أحد الجانبين، وترمقنا بعيونٍ هي قطراتٌ من الماء والوحل. بين هذه الكائنات المحتضرة كنت قد تعلّقتُ برُذالتها، بذاك القابع في الدَّرك الأسفل، غائصاً في الهاوية. كان يرهف السَّمع إلى الخطوات ويحرِّك رأسه ببطءٍ، كأعمىً يأتثرُ لحنَ أغنية. بشعرٍ أسودَ منتفشٍ ومنكمشٍ فوق جلدٍ متقشِّر، يجرجر قائمةً تتوارى بين سائر القوائم. إنه يعرج مُذ كان صغيراً، وهو الآن كبيرٌ، لا لحادثٍ وإنَّما لإعاقةٍ طبيعيَّة.

ــــــــــ

*) يستخدم الرّاوي ذو الأحد عشر عاماً أسماء مستعارة لأفراد أسرته المكوّنة من أمّه وأبيه وأخيه ذي الأربعة أعوام؛ فهو يسمّي أمّه «ضفيرة»، وأباه «حجر»، وأخاه «نُدفة القطن».


عن الكاتب:

جورجو فاستا، مؤلِّفٌ وروائيٌّ وكاتبُ سيناريو إيطاليٌّ من مواليد باليرمو 1970. يكتب في الصَّفحات الثَّقافيَّة للعديد من كُبريات الصُّحف الإيطاليَّة كصحيفة La Republica (الجمهوريَّة)، وصحيفة Il Manifesto (البيان)، وغيرهما. حصدَتْ روايته الأولى "الزَّمنُ الحسِّيُّ"، المنشورة في عام 2008، العديدَ من الجوائز كجائزة "مدينة فِيَاغْرانْدِه" في إيطاليا 2010، وجائزة "يوليسيس للرِّواية الأولى" في فرنسا 2011، وكانت من بين الرِّوايات المرشَّحة لجائزة "ستريغا" العريقة لدورة عام 2009. تُرجِمَتْ الرِّواية إلى العديد من اللُّغات كالألمانيَّة والفرنسيَّة والإسبانيَّة والهنغاريَّة والإنجليزيَّة. 

في عام 2010 صدرَ كتابه الثَّاني "غربة" الذي يقول عنه فاستا إنَّه هجينٌ بين الرِّواية والمقالة واليوميَّات؛ وفي عام 2012 صدرَ له مع أندريا باياني، وميكِلا مورجيا، وباولو نوري، كتابٌ جماعيٌّ بعنوان "الحاضر". أمَّا آخرُ كتابٍ له فصدرَ في عام 2016 تحت عنوان "لا شيء على الإطلاق: قصصٌ وحالاتُ اختفاءٍ في الصَّحارى الأمريكيَّة"، ويسردُ فيه فاستا، بأسلوبٍ يجمعُ بين السَّرد الصَّحفيِّ والسِّيرة الذَّاتيَّة، يوميَّات الرِّحلة التي قام بها عبْرَ كاليفورنيا وأريزونا ونيفادا وتكساس ولويزيانا بصحبة المصوِّر الأمريكيِّ من أصلٍ إيرانيٍّ راماك فاضل الذي تخلَّلَت صورُه الفوتوغرافيَّةُ صفحاتِ الكتاب. 

كتبَ مع المخرجتين والممثِّلتين وكاتبتَي السِّيناريو الإيطاليَّتَين إيمَّا دانتي وليتْشيا إمِينِنْتي سيناريو فيلم "شارع كاستِلَّانا باندييرا" الذي عُرِضَ في عام 2013 ورُشِّح لجائزة الأسد الذَّهبيِّ في مهرجان فينيسيا السينمائي. 




جديد عبد الفتاح كيليطو يصدر عن المتوسط

"في جوٍّ من النَّدَم الفكريِّ"


صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الكتاب الجديد للنَّاقد والمفكِّر المغربي عبد الفتاح كيليطو، بعنوان: "في جوٍّ من النَّدَم الفكريِّ". وقد استقى كيليطو، الذي يولي أهمِّية كبيرة لعناوين كتبه، عنوان كتابه الجديد من مقولةٍ لـ غاستون باشلار، استهلَّ بها الكتاب: «إذا ما تحررنا من ماضي الأخطاء، فإنَّنا نلفي الحقيقة في جوٍّ من النَّدم الفكري. والواقع أنَّنا نعرف ضدَّ معرفة سابقة، وبالقضاء على معارف سيِّئة البناء، وتخطِّي ما يعرقل، في الفكر ذاته، عملية التفكير».


يستهلُّ النَّاقد والمفكِّر عبد الفتاح كيليطو كتابه الجديد هذا، بالحديث عن "المقامات"، وهي الإحالة الأولى على طريقة الكتابة، أو بالأحرى اختيار الكتابة "بالقَفْز والوَثْب" على حد قول مونتيني. لكنّ، كيليطو يضعُ أفكاره في سياقٍ تاريخيٍّ لا يخلو من علائق مع المناهج الحديثة، بحكم اشتغاله على التجديد في الدراسات الأدبيَّة العربيَّة.


يقول كيليطو: خصوصية الكتابة مرتبطة بنوعية القراءة. ماذا قرأت؟ وبادئ ذي بدء، ما هو أول كتاب قرأته؟ في كل مناسبة أقدِّم عنواناً مختلفاً حسب مزاج اللحظة، ومنعرجات الذاكرة، وحسب الشخص الذي يسألني ولغته والأدب الذي ينتمي إليه، فأقترح، بل أخترع كتاباً أول، أُبدع مرة أولى. ها نحن أمام مسألة البدايات. هل هناك أصلاً مرة أولى؟ في أغلب الأحيان لا تكون مؤكدة ومضمونة، سواء أتعلق الأمر بالقراءة أو بأمور أخرى. ما إن نعتقد الإمساك بها حتى نكتشف، وربما في الحين أو فيما بعد، أنها مسبوقة بأخرى. المرة الأولى في النهاية هي المرة بعد الأولى، وفي أحسن الأحوال المرة الثانية.


إلى أن يكشف: ليست طريقتي في الكتابة من اختياري، ما هو شبه مؤكد أن ليس بمستطاعي أن أكتب بطريقة أخرى، ولعل هذا هو تعريف الأسلوب، أن تظل حبيس طريقة في الكتابة.


اتضح لي هذا على الخصوص، يضيف كيليطو، وأنا أقرأ الجاحظ، فهو الذي خلصني من شعوري بالنقص يوم أدركت أنه لم يكن يستطيع، أو على الأصح لم يكن يرغب في إنجاز كتاب بمعنى استيفاء موضوع ما والمثابرة عليه والسير قدماً دون الالتفات يميناً أو يساراً. هو نفسه يقر بهذا ويعتذر مراراً ... على ماذا؟ كدت أقول على تقصيره، وما هو بتقصير. يعلل الأمر بتخوفه من أن يمل القارئ، والواقع أنه هو أيضاً كان يشعر بالملل ويسعى إلى التغلب عليه، وهذا سرّ استطراداته المتتالية. أسس الجاحظ بصفة جلية فن الاستطراد، دشن (ها نحن قد رجعنا دون أن نشعر إلى مفهوم المرة الأولى) فن الانتقال المفاجئ من موضوع إلى موضوع، من شعر إلى نثر، من موعظة إلى نادرة، من مَثَل إلى خطبة، من جد إلى هزل. وإذا كان من اللازم تشبيهه بكاتب أوروبي، فلا أرى أفضل من الفرنسي مونتيني الذي كان يكتب، على حد قوله، «بالقفز والوثب». ولا أشك أنه كان يقرأ أيضاً بهذه الطريقة.


الكتابة بالقفز والوثب ... أفهم اليوم لماذا قضيتُ سنوات في دراسة المقامات، ذلك أن مؤلفيها، المتشبعين بفكر الجاحظ، نهجوا الأسلوب نفسه، وقد أكون تأثرت بهم، فكتبي تتكون من فصول قائمة بذاتها، إنها استطرادات، مجالس، أو إذا فضلنا مقامات، بكل معاني الكلمة.

ونقرأ على ظهر الغلاف، للفيلسوف الألماني إدموند هوسرل: «في العمل الفلسفي، عقدتُ العزم أن أتخلى عن الأهداف الكبرى وأن أعتبر نفسي سعيداً إن تمكنتُ ببساطة، هنا وهناك، من إيجاد موطئ قدم على قطعة صغيرة جداً من أرض صلبة، في المستنقعات الضبابية المتقلبة. هكذا انتقلتُ في حياتي من يأسٍ إلى يأس، ومن تماسُك إلى تماسك».


أخيراً جاء الكتاب في 80 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

... حين كنا تلاميذاً كان معلمُّونا ينصحوننا، بخصوص تمرين الإنشاء، أن نراجع ما كتبنا بهدف استدراك ما قد يكون فيه من أخطاء لغوية، قبل أن نسلمه لهم للتصحيح. كنا نعتبر الخطأ شيئاً عرضياً، مردُّه إلى الإهمال ويكفي قدر من التركيز لتلافيه. مراجعة سريعة وتنتهي مهمَّتنا، هكذا كنا نرى الأمر. أما اليوم فإنني أعيد النظر في ما كتبت عشرات المرات، ولا أتوقف إلا وفي ذهني أنني إن أعدت القراءة سأكتشف هفوات جديدة. خلافاً لما كنت أعتقد في صغري، اتضح لي أن الخطأ ليس شيئاً يحدث أو لا يحدث. إنه على العكس المكون الأساس للكتابة، معدنها وطبعها. أن تكتب معناه أن تخطئ. تساءل رولان بارت عن السكرتيرة المثالية التي لا ترتكب أخطاء حين تقوم برقن نص من النصوص، وأجاب: ليس لها لاوعي.


عن المؤلِّف:

عبد الفتاح كيليطو، كاتب وناقد مغربي، وُلد عام 1945 في مدينة الرباط، يكتب باللّغتيْن العربيَّة والفرنسيَّة، اشتغل على التجديد في الدراسات الأدبيَّة العربيَّة، وصدر له في ذلك عدَّة مؤلَّفات، منها خمسة أجزاء كأعمال كاملة سنة 2015، وهي: "جدل اللغات"، الماضي حاضراً"، "جذور السَّرد"، "حمَّالو الحكاية"، و"مرايا". بالإضافة إلى أعماله التي نُقلت بين اللغتيْن: "من نبحث عنه يقطن قربنا"،

Les Pistaches d'Aboul 'Ala' Al-Ma'arri 2019

L'Absent ou l'épreuve du soleil, 2019

Ruptures, 2020

تُرجمَت له أعمال عديدة إلى لغات أخرى مثل الإنجليزية والإسبانية والإيطالية. وساهم في عدد من الندوات والمحاضرات حول الأدب العربي والفرنسي في لقاءات ثقافية وحوارات في المغرب وخارج. كما تحصَّل على عدَّة جوائز في النقد والدراسات الأدبية.



القصص لـ جوزيبِّه تومازي دي لامبيدوزا

تقديم وتعليق: جواكِّينو لانتزا تومازي

حين يتحوَّل التَّاريخُ إلى مِلكيَّةٍ شخصيَّةٍ للكاتِب


صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، كتابُ "القصص" للكاتب الإيطالي الشهير جوزيبِّه تومازي دي لامبيدوزا، صاحب رواية "الفهد"، وواحدٍ من أعظم ممثِّلي الواقعيَّة الجديدة كما يُصنَّف في إيطاليا. ترجمَ الكتاب عن الإيطالية الشَّاعر والمترجم السُّوري أمارجي، الحاصل على عدَّة جوائز أدبية في الشِّعر والتَّرجمة، وصدر من ترجماته الروائية عن المتوسط: "البحر المحيط"، لـ ألِسَّاندرو باريكُّو، 2017. "واحدٌ ولا أحد ومائة ألف"، لـ لويجي بيراندللو، 2017. "زهرة القيامة (عجائب الألفيَّة الثَّالثة)"، لـ إميليو سالغاري، 2018. وحديثاً: "الزَّمن الحسِّي لـ جورجو فاستا، وفي سلسلة الشِّعر الإيطالي: "هذا الجسد، هذا الضوء" لـ ماريَّا غراتسيا كالاندْرُونِهْ، و "شاربو النجوم" لـ إرنِستو رغاتْسوني، 2020.


في سنتين قاسيتَين وأليمتَين من سنيِّ حياته (1955-1957)، وضعَ لامبيدوزا إلى جانب الفصول الثَّمانية من «الفهد» ثلاثَ قصصٍ وسيرةً ذاتيَّة. في الآونة الأخيرة، وبعد اكتشاف بعض المخطوطات الأصليَّة، أمكنَ إخضاعُ النُّصوص لعمليَّة تحقيقٍ فيلولوجيٍّ صارمة، فاكتسب بعضها، وخاصَّةً «ذكريات الطُّفولة»، بناءً متماسكاً لم يكن له من قبل. يُفتَتَحُ كتاب «القصص» بذكريات الطُّفولة التي كُتِبَتْ في صيف عام 1955، وتتبعُها قصَّةُ «الفرح والنَّاموس»، وهي قصَّةٌ رمزيَّةٌ تتَّسم بأسلوبٍ وبناءٍ مثاليَّين. ولكنَّ القصَّة الأكثر شهرةً في المجموعة هي «السِّيَرانة» التي كُتِبَتْ بعد رحلةٍ على طول السَّاحل الجنوبيِّ لصِقِلِّية. في قلب هذه القصَّة، في الحدِّ الفاصل ما بين الواقعيِّ والسُّرياليِّ، تُطالعنا شخصيَّة العجوز لاتْشورا الذي وقع حين كان شابَّاً في حبِّ حوريَّة بحرٍ فأصبح عاجزاً بعدَه عن حبِّ أيَّة امرأةٍ أخرى. ويُختَتَم الكتاب بقصَّة «القطط العمياء» الأقرب من بين القصص الأربع إلى رواية «الفهد» من حيث الجوهر، وإن كانت قد كُتِبَتْ كفصلٍ أوَّل من روايةٍ كان يُفترَض أن تحمل الاسمَ نفسَه. 


بتلذذٍ ومُتعةٍ، وبانعدامِ ضميرٍ، يحوِّلُ لامبيدوزا التَّاريخَ إلى مِلكيَّةٍ شخصيَّة. وببراعةٍ يزاوج ما بين التَّوليف المجازيِّ للشِّعر والدِّقَّة التَّوثيقيَّة للسَّرد التَّاريخيِّ. جميعُ الكتَّاب الذين تحدَّثوا عن «الفهد» - مِن إيوجينيو مونتالِهْ إلى مارغريت يورسنار، ومِن عاموس عوز إلى خافيير مارياس، ومِن ماريو بارغاس يوسا إلى خورخي غيين - يعبِّرون عن إعجابهم بكثافةِ القَصِّ عندَ تومازي دي لامبيدوزا، وبمساهمته في جعلِ بقاءِ الرِّواية التَّاريخيَّةِ أمراً ممكناً بِما هيَ تتابعٌ لوقائعَ محسوسةٍ، ولذكرياتٍ ذاتيَّةٍ تطفو بقوَّتها الخاصَّة المكتسَبَةِ من تجربةٍ تخيُّليَّةٍ واسعةٍ ولامُباليةٍ بالحيِّز المكانيِّ وبأحوالِ الزَّمن. أسلوبُهُ المفضَّلُ هو الحذفُ، تحويلُ المعقَّدِ إلى بسيطٍ، والعودةُ إلى رحمِ الإلهةِ الأمِّ. موهبتُهُ قويَّةٌ ومُقنِعةٌ، بديعةٌ كمثل تهويدة. 


أخيراً وليس آخراً جاء الكتاب في 272 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

حدث ذلك في صباح الخامس من آب عندَ السَّادسة. كنتُ قد أفقتُ قبل وقتٍ قصيرٍ وصعدتُ دونما تأخيرٍ إلى القارب؛ بضعُ ضرباتٍ من المجذاف دفعَتْني بعيداً عن حصى الشَّاطئ وتوقَّفتُ أسفلَ صخرةٍ عظيمةٍ لأحتمي بها من الشَّمسِ التي كانت تبزغُ آنذاك، مُنتفخةً بأُوارِ غضبها الجميل، وتحوِّلُ إلى ذهبٍ وزُرقةٍ نصاعةَ البحرِ الفجريِّ. كنتُ أُنشِدُ الشِّعرَ عندما شعرتُ بهبوطٍ مُفاجئٍ لحافَّةِ القارب، ورائي، من جهة اليمين، كما لو أنَّ أحدهم تعلَّقَ هناك ليصعدَ. التفتُّ ورأيتُها: رأيتُ الوجهَ النَّاعمَ لفتاةٍ في السَّادسة عشرة من عمرها يخرجُ من البحر، ويدَين صغيرتين تمسكان بلوحٍ من ألواح القارب. كانت تلك الفتاة تبتسم؛ ثنيةٌ خفيفةٌ كانت تُباعِدُ بين الشَّفتين الشَّاحبتين كاشفةً عن أسنانٍ صغيرةٍ بيضاءَ وحادَّةٍ، كأسنان الكلاب. ولكنَّها لم تكن ابتسامةً كتلك الابتسامات التي يراها بعضُكم على وجهِ بعضٍ، تلك الفاقدةِ أصالتها تحت تعبيرٍ عرَضيٍّ عن المحبَّةِ أو السُّخريةِ أو الشَّفقةِ أو الوحشيَّةِ أو أيِّ شيءٍ آخر؛ ابتسامتُها كانت تعبِّرُ عن ذاتها فحسب، كانت أشبه بانتشاءٍ حيوانيٍّ بالوجود، أو قُلْ أشبه بغبطةٍ إلهيَّة. كانت هذه الابتسامة أوَّلَ سحرٍ يفعلُ فِعلَه بي كاشفاً لي عن فراديسِ صفاءاتٍ منسيَّة. مِن الشَّعرِ المبعثَرِ الذي بلون الشَّمس كان ماءُ البحر يهمي على العينين الخضراوين المفتوحتين، وعلى كلِّ ملامحِ النَّقاء الطُّفوليِّ. 


عن الكاتب:

جوزيبِّه تومّازي دي لامبيدوزا، (1896-1957): أميرُ لامبيدوزا، ودوقُ بالما، وبارونُ مونتِكْيارو وتورِّيتَّا، وحاملُ وسامِ النَّبالةِ الإسبانيَّة من الدَّرجة الأولى، هو بالتَّأكيد واحدٌ من أعظم ممثِّلي الواقعيَّة الجديدة في إيطاليا. كان على معرفةٍ جيِّدةٍ باللُّغات الرَّئيسة، الإنجليزيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة، التي درسَها شابَّاً ثمَّ أتقنها بفضل قراءته أعمال الكتَّاب الكِبار في الأدب الأوروبِّيِّ بلغاتها الأصليَّة، وبفضل رحلاته المتكرِّرة إلى الخارج. ومن غرائب الصُّدَف ربَّما أن يتوفَّى لامبيدوزا بعيداً عن منزله، تماماً كما حدث لبطل روايته «الفهد» (صادرة عن منشورات المتوسط 2017)، في روما في 23 تمُّوز/ يوليو 1957، حيث ذهب لتلقِّي العلاج بعد تشخيص إصابته بسرطان الرِّئة. دُفِن جثمانه في مقبرة الكبُّوشيِّين بباليرمو، وغالباً ما يجد الزَّائر لقبره أزهاراً وضعها قرَّاءٌ وجدوا في نصوصه فقرةً ما عقدَتْ صلحاً بينهم وبين الحياة. 





جديد كمال عبد اللطيف يصدر عن المتوسط

"في الحداثة والتنوير والشبكات"


صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الكتاب الجديد للكاتب والباحث المغربي كمال عبد اللطيف، بعنوان: "في الحداثة والتنوير والشبكات". كتابٌ يبحث، بالإضافة إلى موضوعات: الحداثة والتنوير والشبكات، في سؤال التَّغيير، والتحوُّلات الجارية اليوم في المجتمعات العربية، وهي تحوُّلات تحكمُها طموحاتٌ تروم الإصلاح والتغيير، كما تحكمها جملة من العوائق والصعوبات، المرتبطة بكيفيات تفاعل النخب والأنظمة مع ما يجري في العالم.


في مقاربته لأسئلة وموضوعات الحداثة والتنوير والشبكات، يكتب كمال عبد اللطيف في حديثه عن إعادة بناء قيم التنوير في عالم متغير، أنَّه: لم يعد بإمكاننا بعد مرور ما يقرب من مئتي سنة، على انخراط الثقافة العربية في عملية تمثُّل مقدمات وأصول الثقافة الغربية الحديثة والمعاصرة، ومساهمة أجيال من النهضويين والموسوعيين والكتَّاب العرب في تطوير الرصيد الثقافي العربي، أن نتنكر لمكاسب ومنجزات هذه الثقافة، وللأدوار التي قامت بها في مجال تطوير فكرنا المعاصر. لم يعد بإمكاننا أن نواصل النظر إلى منتوج هذه الثقافة وفي قلبه فكر التنوير، باعتباره خارجاً نشأ وتطوَّر بمحاذاة ثقافتنا، بل إنه يعتبر اليوم رافداً هاماً من روافد ذاتنا التاريخية المتحوِّلة، وهو خلاصة لأشكال من المثاقفة حصلت بيننا وبين الآخرين، ويتواصل اليوم حصولها بصور وأشكال عديدة في حاضرنا. نقول هذا بلغة ومنطق التاريخ، وذلك رغم كل مظاهر العنف الرمزي والمادي، التي واكبت عمليات انتقال المنتوج المذكور إلى ثقافتنا. ونتأكد من أهمية هذه المسألة، عندما نُعايِن أنماط اللغة والوعي الجديدين في ثقافتنا المعاصرة.


ويضيف عبد اللطيف: إن إيماننا التاريخي بالحداثة ومآثرها، يرتبط بكوننا ننظر إليها كأفق فكري تاريخي مفتوح على ممكنات الإبداع الذاتي في التاريخ، إنها ليست نموذجاً تاريخياً مطلقاً، وهي تتحدَّد أساساً كمقابل للتقليد، حيث لا يمكن تصور إمكانية تَحَقُّقِها بالتقليد. إن سؤال الحداثة في أصوله ومبادئه الفكرية والتاريخية العامة، يعد باستمرار ثورة على مختلف أشكال التقليد.


جاءت فصول الكتاب، في سياق مشروع الكاتب الذي يُعنى بتطور وانتقال المفاهيم داخل حقول وشبكات المعرفة المختلفة، حيث يتناول إشكالات وأسئلة متعدِّدة: في التغيير والتنوير، وإعادة بناء قيم التنوير، بالإضافة إلى مواجهة النظرة المحافظة للتراث، وحرية الفكر، وسؤال ترسيخ قيم التنوير، كما نقرأ عن روحانية طه عبد الرحمن وأسئلة العقل والتاريخ، الجابري والأنوار، التنوير وخلخلة النظرة الجامدة للتراث، مطرقة النقد الناعم ومحاصرة البلاهة، وأخيراً: في الحداثة والتنوير والشبكات.


أخيراً جاء الكتاب في 126 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

... نتصوَّر أنه لا يمكننا تجاوُز صُور مآلاتنا في الحاضر، ممثلة في مختلف أشكال العنف الطائفي ومختلف أنماط الدوغمائيات المهيمنة على مجتمعاتنا، إلا بمزيد من التحديث والعلمنة، تمهيدًا لنشر وتعميم قيم الديمقراطية والحوار والتوافق. كما أن مواصلة مناهضة الاستبداد والفساد، ومختلف أنماط التحكم الحاصلة في مجتمعاتنا، تدعونا إلى مزيد من النضال الحقوقي، المتجه صوب بناء كل ما يساعد على إسناد المشروع الديمقراطي داخل مجتمعاتنا.


عن المؤلِّف:

كمال عبد اللطيف، كاتب وباحث وأستاذ الفلسفة السياسية والفكر العربي المعاصر بكلية الآداب، جامعة الرباط، المغرب. محاضر في العديد من الجامعات ومؤسسات البحث داخل المغرب وخارجه. عضو مؤسس للجمعية الفلسفية العربية 1983.

من أبرز مؤلفاته الأخيرة: "في تشريح أصول الاستبداد"، 1999. "أسئلة النهضة العربية، التاريخ، الحداثة، التواصل" 2003. "أسئلة الحداثة في الفكر العربي"، 2009. "المعرفي الإيديولوجي، الشبكي، تقاطعات ورهانات"، 2011. "الثورات العربية، تحديات جديدة ومعارك مرتقبة" 2013. "العرب في زمن المراجعات الكبرى"، 2016. "في الثقافة والسياسة وما بينهما"، 2020.




"حُلْم ماكِينة الخِيَاطَة" للإيطالية بيانكا بيتسورنو

حتى لا يُنسى زمن الخيَّاطات المتواضعات إلى الأبد


صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، رواية "حلم ماكينة الخياطة" للكاتبة الإيطالية ومعدة البرامج التلفزيونية الثقافية بيانكا بيتسورنو، الروائية التي كتبت عنها الناقدة ناديا تيرانوفا في الـ(la Repubblica): «بيانكا بيتسورنو واحدة من أعظم الكتاب الإيطاليين، ورواية "حلم ماكينة الخياطة" رواية استثنائية، فلا يمكن سوى ليَدٍ حكيمةٍ خبيرةٍ أن تقارنَ بين الخياطة والكتابة دون ابتذال أيٍّ منهما». فيما أشاد الناقد الإيطالي لوكا أورسينيو – في الـ(Corriere del Ticino) بالعمل وصاحبته، قائلاً: «تمثّل بيانكا بيتسورنو أيقونة ورمزاً، وعلامة تجارية مميزة، وهي اليقين التام بأنك ستحظى بقراءة جذابة وممتعة. ورواية حلم ماكينة الخياطة تأكيدٌ جديدٌ على كلِّ هذا».


ترجمت الرواية عن الإيطالية المترجمة المصرية القديرة وفاء عبد الرءوف البيه، الأستاذة الجامعية والأكاديمية المتخصّصة في الأدب الإيطالي الحديث، والتي ترجمت أعمالاً عديدة، من مثل: "المسيح توقف عند إيبولي" لكارلو ليف، و"الكتب الممنوعة" لماريو إنفليزي، وحديثاً: رواية "أنطونيو الجميل" لـ ڨيتالينو برانكاتي، الصادرة عن المتوسّط 2020.


في رواية "حُلْم ماكينة الخياطة"، تتذكَّر الكاتبةُ شخصية الخَيَّاطَة المُتواضِعَة في القرن التاسع عشر، والتي تستضيفها منازلُ الطبقات العليا لخياطة الفساتين في المناسبات المميزة. تراقبُ بطلة الرواية الجريئة والشابة من هذا الموضع المُتميّز حيوات الطبقة الأرستقراطية البليدة والمنافِقة في مقاطعة سردينيا. وما تلبث أن تتقاطع قصّتُها مع قصص العائلات التي تعمل لديها: إستر، الماركيزة المثقّفة والمستقلّة التي تُعلّمها القراءة؛ البارون الطاغية، التي يتعيّن عليها الدفاع عن نفسها أمام محاولاته، وبنات كاتب العدل اللواتي يشترين الحرير من ورشةٍ في باريس. تكتشف الخيّاطة الصغيرة على الفور أن بإمكانها الاطلاع على جميع الأسرار الخفية لتلك العائلات، ولكن هذه الفتاة البسيطة سيأتيها في النهاية يومٌ تعيش فيه دورَ البطولة أيضاً.


ونقرأ من مقدِّمة الرواية:

"أنا، أيضاً، خَيَّاطَة مُتواضِعَة، أَحِيْكُ الثياب منذُ صباي ..." هكذا أجابتْ بيانكا بيتسورنو، مُؤلِّفة هذه الرواية، مرَّاتٍ عدَّةً عندما سُئِلَتْ عن شخصية بَطَلتِها الحقيقيَّة، لتستدعيَ إلى الذِّهن عبارة مونيشا باسباثي، أُستاذة علْم النَّفْس التَّنْمَوِيّ في جامعة يوتا: "أعتقدُ أن جميع البالغينَ الطَّبيعيِّيْن السِّلْمِيِّيْن يشتركون في قُدرتهم على تكوين قصَّة حياة. يمكنهم جميعاً جَمْع الأجزاءِ، وتكوينها كي نحظى بعلاقاتٍ، علينا جميعاً أن نحكيَ أجزاءَ من قصَّتنا. من الصعب أن تكونَ إنساناً، وتنخرط في علاقاتٍ دون أن يكون لكَ نسخة من قصَّةٍ حياتيَّة، تطفو حولكَ». وقد أَبَتْ بيتسورنو، منذُ البداية، أن تتركَنا نتساءلُ حولَ مدى حقيقيَّة الأحداث والأشخاص، فاستهلَّتْ روايتَهَا بمُفْتَتَحٍ، يبدو تقليديَّاً، لكنه يُحدِّد، بوُضُوحٍ، الخطَّ الفاصل بين واقعيَّة الأحداث وخياليَّتها: "القصص والشَّخصيَّات الواردة في هذا الكتاب خيالية. لكنّ كلّ حكاية تنطلق من حَدَث وَقَعَ بالفعل، وقد عرفتُهُ من قصص جَدَّتي، وهي إحدى أتراب البطلة، ومن صُحُف ذلك الزمن، ومن الخطابات والبطاقات البريدية التي احتفظتْ هي بها في حقيبة سَفَر، ومن ذكريات ونوادر "قاموس عائلتنا". أعدتُ أنا إحكام الأحداث، وملأتُ الفراغات، واخترعتُ بعض التفاصيل، وأضفتُ شخصيَّات ثانويَّة، وغيَّرتُ النهايات، في بعض الأحيان. لكنَّ أحداثاً من النوع الذي ستقرؤونه كانت تحدث بالفعل في وقت مضى، حتَّى في أفضل العائلات، كما يقول المَثَلُ القديم".


باعت كتب بيتسورنو أكثر من مليونيْ نسخة في إيطاليا وتُرجمت إلى العديد من اللغات.


أخيراً جاء الكتاب في 256 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

كنتُ في السابعة عندما بدأت جَدَّتي تعهد لي بأبسط لمسات التشطيب على قِطع الثياب التي تخيطها في المنزل لزبوناتها في الفترات التي لم تتلقَّ فيها طَلَبَاً للعمل في منازلهنَّ، لم يتبقَّ غيرنا نحن فقط من العائلة بأكملها بعد وباء الكوليرا الذي أطاح في طريقه، دون تمييز للجنس، بوالدي واشقَّائي وشقيقاتي، وكلِّ أبناء جَدَّتي الآخرين وأحفادها، أعمامي وأبناء عمومتي. أما كيف نجحْنا نحن الاثنَتَيْن في الفِكَاك منه، فهذا ما لا أعلمه حتَّى الآن.


عن الكاتبة:

بيانكا بيتسورنو، وُلِدَت في مدينة ساساري عام 1942، وتعيش وتعمل حاليَّاً في مدينة ميلانو. تخرَّجتْ في الآداب في جامعة كاليَري، وواصلت دراستها في ميلانو، حيثُ تخصَّصت في السينما والتليفزيون. عملت لأعوام لحساب راي ميلانو في إعداد برامج ثقافية، وأُخرى للأطفال. ألَّفتْ نُصُوصاً مسرحية وتليفزيونية عدَّة، وأصدرتْ بين عامَي 1970 و2011 ما يقرب من الخمسين عملاً، تتنوَّع بين المقالات وقصص الأطفال والبالغين، حازت شهرة كبيرة في إيطاليا وخارجها.




"طلاق على الطَّريقة الصِّينيَّة" 

لـ ليو جين يون 

الفكاهة لا تأتي من الكوميديا بل من المأساة



صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، بالتعاون مع مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام -القاهرة، رواية "طلاق على الطَّريقة الصِّينيَّة" للرِّوائي الصِّيني ليو جين يون، الكاتبُ الذي يوصف بـ "الرجل الأخفّ دماً في الصِّيْن"، لكنّ، النقاد لا يتوقَّفون كثيراً عند صفتيْ السخرية والمَرح، إنَّما يتحدَّثون عن حِرْفَة ليو جين يون في تحليل المُجتمع، من خلال طبقاته الدُّنيا، وتفكيك سِمَات الشَّخصيَّة الصِّينيَّة.

تَرجم الرِّواية عن الصِّينية كل من المُترجميْن المصرييْن: أحمد السعيد، ويحيى مختار، إذ يُعتبر العمل الكتاب الثالث ضمن مشروع مشترك بين المتوسط وبيت الحكمة، لنقلِ روائع الأدب الصيني إلى العربية، بعد روايتيْ "نهر الزمن" و "العصر الذهبي".


تبدو رواية "طلاق على الطَّريقة الصِّينيَّة"، كما جاء في مقدِّمة المترجميْن، روايةً خفيفة كشطيرة جُبن، يمكنكَ تناوُلها في عدَّة قضمات. لكنها، تحمل من الدَّسَم ما يحمله خروف مَشويٌّ، تستغرق أيَّاماً لهَضْمِهِ. القصَّة الرَّئيسة، كما يبدو من العنوان العربي، تدور حول واقعة طلاق، أو كما يبدو من العنوان الصِّيْنيّ، "لستُ بان جين ليان"، حول واقعة خيانة، وهذا إن كان يبدو صحيحاً، فإنكَ ستكتشف أن الأمر أكبر من ذلك، فنحن هنا بصدد نملة صارت فيلاً، وحبَّة سِمْسِم صارت بِطِّيْخَة ضخمة، ونعيش داخل سَرْد مثير وسريع مع قصَّة سيِّدة تسبَّبت لنفسها بالأذى في عَرْضها على زوجها فكرةَ الطلاق المُزيَّف، لغرض ما، ثمَّ تحوَّل موقف زوجها، وَجَعَلَ الطلاق المُزيَّف حقيقياً، وسَعْي الزوجة من السطر الأوَّل في القصَّة حتَّى نهايتها إلى إثبات أن الحقيقي كان زائفاً، وأن الزائف يجب أن يكون حقيقياً. ولكنَّ الحكاية ليست بهذه البساطة عندما يكون راويها هو ليو جين يون، الذي يتفنَّن بذكائه ومراوغته في سَحْبنا داخل القصَّة، لنجول داخل الشَّخصيَّة الصِّينيَّة في مواقف مُختلِفة، وعلى مستويات متعدِّدة، وننتقل مع البطلة لي شيوليان. وبالمناسبة، فكلُّ اسم ذَكَرَهُ المؤلِّف في العمل يعني في اللغة الصِّينيَّة معنىً يتضادُّ مع ما يتعلَّق بصاحبه، فنحن نُبحر داخل متاهات صِينيَّة، يرسمها لو جين يون بين أروقة المحاكم والمكاتب الحكومية، ونبدأ من قاضٍ في قرية صغيرة ليلة عرسه، ونصل إلى واحد من مسؤولي الدولة الكبار الذين يُسيِّرون شؤون الحُكْم، مروراً بالمُحافِظ والعُمدَة وحاكم المدينة وحاكم المُقَاطَعَة في تسلسل هَرَمِيٍّ، كلُّ مصطبة من مصاطبه تحمل قصَّة وشخصية وشكلاً من الفساد أو التَّمرُّد أو الخوف أو الطموح، وكأننا نطالع داخل تلك المتاهة خريطة تحليل نَفْسيٍّ موازية، تجذبُنا للمتاهة أكثر، وتشغلُنا بشخوصها.


لي شيوليان تعاني وتُضحِك وتُبكي، في قصَّة عن التَّظلُّم ضدَّ كلِّ شيء، تحسبه ظلم الأقارب، لكنكَ تكتشف أنه ظلم أكبر، تحسبه فساد الصغار، فتجده عَفَنَاً أضخم. نحن أمام طلاق على الطريقة الصِّينيَّة، نعيش معه داخل هَرَم، بناه الراوي والسارد، طبقاته متعدِّدة، وشخوصه كثيرة، وخلفياته متداخلة ومعقَّدة، ونرى علاقة الصِّيْنيّ بالدِّيْن، وعلاقته بالدولة، وعلاقته بمَنْ حوله، ونرى علاقة البيروقراطيِّيْن فيما بينهم، وكيف هي هشَّة مناصبهم التي يحسبون أنها ضاربة بجذور كراسيها.


عن الرواية:

«تُقدِّم هذه الرواية صورة عن قرب للسِّياسة المحلية التي هي المُحرّك لكلّ شيءٍ في الصين» هكذا كتبت نيويورك تايمز عن رواية "طلاق على الطريقة الصِّينيَّة"، فيما وُصفت الرواية حسب kirkus reviews بـأنَّها: «حكاية بارعة تجعلك تضحك حتى وأنت مُبتئس، إنها ببساطة هجاء خفيّ ماكر». بينما يُقرّ المترجم الأمريكي الشهير هاوارد جولدبلات بأنَّ ليو كتبَ «قصةً بارعةً ستجعلك تضحك وتبكي. كلماتُه بسيطةٌ لكنّها ستظل باقية في ذاكرتك لفترة طويلة بعد أن تنتهي من قراءتها».


"طلاق على الطريقة الصينية"، رواية ساخرة ولاذعة وتهكمية. أثارت ضجَّةً كبيرةً في الصِّين حين صدروها، وترجمت إلى 34 لغة، كما تحوَّلت إلى فيلم سينمائي، أثار بدوره هو الآخر ضجَّةً كبيرةً سبَبُها الطابع السِّياسيُّ الذي يحمله النَّص الأصلي.


أخيراً جاء الكتاب في 304 صفحات من القطع الوسط.


عن الكاتب:

ليو جين يون، كاتبٌ وروائيٌّ صينيّ، وواحد من أهم الأصوات الأدبية من جيل الرواد الصينيين الذي عايشوا الثَّورة الثقافية  الصِّينية، وُلد في مُقَاطَعَة خنان بوسط الصِّيْن في مايو 1958، تخرَّج في قسم اللغة الصِّينيَّة في جامعة بكين العريقة عام 1982، وَدَرَسَ الأدب في معهد لوشون لمدَّة ثلاث سنوات، وَنَشَرَ عمله الأوَّل، وهو قصَّة "البرج" عام 1978، ويعمل حاليَّاً محاضِراً للأدب الصِّيْنيّ بجامعة الشعب الصِّينيَّة، بجانب تفرُّغه للكتابة كأديب من الفئة (أ)، تبعاً لتصنيف اتِّحاد الكُتَّاب الصِّيْنيِّيْن، وهو سيناريست شهير، وواحد من الأصوات الأدبية الأكثر قُرباً من الجمهور.

يكتب ليو جين يون الروايةَ والقصَّةَ والمقالَ النَّثْرِيَّ والسيناريو والحوارَ، وقد صَدَرَتْ له حتَّى الآن تسع روايات طويلة، إضافة إلى العديد من القصص القصيرة والمتوسِّطة، حُوِّلَتْ سبعة من أعماله إلى أفلام ومسلسلات، حقَّقت جماهيرية كبيرة في الصِّيْن.




سيرةُ حياةِ نيلِّي بلاي (فتاةٌ أمريكيَّة حُرَّة)

"حيثُ تولدُ الرِّيح"

للإيطالي نيكولا أتاديو


صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الكتاب الأوَّل للمؤلِّف والصُّحفي الإيطالي نيكولا أتاديو، بعنوان: "حيثُ تولدُ الرِّيح -سيرة حياة نيلِّي بلاي"، وهو الكتاب الذي يروي، كما قال عنه الروائي الشهير روبرتو ساﭬيانو سيرةَ «الحياة العبثيَّة والانعزاليَّة والمُثيرة والمليئة بالكفاح لأوَّل مراسلةٍ صحفيَّةٍ أمريكيَّة، كتابٌ مُذهِل»، فيما ذهب الصحفي المتميّز كورادو أوجياس إلى وصف الكتاب بـ: «سيرةٌ ذاتيَّةٌ مُذهلة».ترجمَ الكتاب عن الإيطالية الباحثة والمترجمة المصرية القديرة أماني فوزي حبشي، الحاصلة على عدَّة جوائز في التَّرجمة، ولها العديد من الترجمات الروائية والبحوث المختصة في اللّغة والثقافة الإيطاليتيْن.


سبتمبر1887، قرعت فتاةٌ باب السيد جون كوكريل، مدير صحيفة «The New York World» التي يملكها جوزيف بوليتزر، وطلبتْ أن تكون مراسلة صحفية. لم تصل امرأةٌ إلى هذه الجرأة من قبل، اسمُها إليزابيث كوكران، تبلغ من العمر 23 عاماً وتكتب لصحيفة «أنباء بيتسبرغ» تحت الاسم المستعار (نيلِّي بلاي - مراسلة صحفية). لم يكن أحد قد سمع من قبل بمراسلةٍ صحفية امرأة ولكن عملها السابق في الكتابة تحت ذاك الاسم المستعار، عن ملجأ شهير للنساء في مدينة نيويورك، أقنعَ السيِّديْن كوكريل وبوليتزر. تحصل إليزابيث على العمل لتنجز تقريراً استقصائيَّاً سيغيّر عالم الصحافة إلى الأبد. ولتغدو نيلِّي بلاي كابوساً حقيقياً للسياسيين والمتطرفين، وتسافر حول العالم، وتعيش الحب والفشل، وتؤكد على أن الصحافة ينبغي أن تجعل حياة القرّاء أفضل.


كتابٌ عن حياةِ امرأةٍ شجاعة وذكيَّة فهمت قبل عصر شبكات التواصل الاجتماعي أنَّ الكتابة يمكنُ أن تبقينا مُتّحدين وتُغيّر عالمنا.


من مقدِّمة الكتاب:

ربَّما أوَّل ما يتبادر إلى الذهن عند رؤية كتاب باللغة الإيطالية عن صحفية أمريكية، سَبَقَ أن كتب كثيرون عنها، ويمكن العثور على ما يخصُّها على صفحات الإنترنت، والاطِّلاع على حياتها، وقراءة مقالاتها أيضاً، هو: لماذا يهتمُّ مؤلِّف إيطالي بصحفية أمريكية؟ 


ولكننا نعلم أن قضايا عالمية، وأيضاً شخصيات «عالمية» قادرة على تمثيل فئة معيَّنة من البشر في أيِّ مكان في العالم، ونيلِّي بلاي تُعدُّ واحدة من تلك الشَّخصيَّات. فقد استطاعت أن تمثِّل الفتاةَ الأمريكيةَ الفقيرةَ الباحثةَ عن فرص عادلة في الحياة، واستطاعت، أيضاً، تمثيل صراع المرأة في الحصول على حقوقها في أيِّ مكان في العالم، وهو، في حقيقة الأمر، صراع لم يُحسَم بعدُ في مناطق كثيرة، فما زال بعضهم يرى أن مكان المرأة الأمثل هو «المنزل»، أو أن أعمالاً تناسبها، وأخرى لا، وكلُّ هذا وغيره تحدِّياتٌ تواجه النساءَ حتَّى يومنا هذا. 


وليس هذا فقط، بل إن نيلِّي نموذج للصَّحَفِيِّ كما يجب أن يكون، فهي صَحَفِيَّة تستطيع أن تخلق علاقة بينها وبين القارئ، علاقة ثقة، فلم تكن نيلِّي تهتمُّ بشيء سوى نقل ما تراه إلى القارئ كما هو، تلك الصحافة القائمة على الاستقصاء، ومحاولة نقل الحقيقة، وفضح المساوئ، في محاولة صادقة لإصلاح شيء ما في المجتمع، وكما عبَّرت هي، نقل الحقيقة بلا «مرشِّحات ولا فلاتر». وتحيلنا قصصها، والصراعات التي تتسبَّب فيها للجريدة، إلى يومنا هذا، حيثُ ما زالت الصحافة في بقع كثيرة من العالم تُواجَهُ بشراسة، من رأس المال والسِّياسيِّيْن. 


نحن أمام سيرة روائية عن حياة، تدور في فترة زمنية، ربَّما لا نعرف عنها كثيراً، ولكنها الفترة التي بدأت فيها المرأةُ النضالَ من أجل حقوقها.


أخيراً جاء الكتاب في 224 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

أمسك من جديد بالخطاب بين يَدَيْه، وألقى عليه بنظرة سريعة، بالنسبة إليه يمكنه أن يُلقي به في سلَّة المهملات، ولكنْ هذه المرَّة شيءٌ ما منعه، وأقنعهُ أنَّه يجب أن يُطلع المديرَ الشابَّ جورج مادين عليه، ليقرِّرا معاً إن كان سيُلقيانِ به، ربَّما كان السَّبب ذلك التوقيع غير المعتاد: فتاة وحيدة يتيمة. قرأ مادين الخطاب بحرص، نظر إليه ويلسون، وقال له: يبدو لي أن فيه بعض الأخطاء النَّحْويَّة ...

رفع مادين عينَيْه، وهمس: ولكنها موهوبة، ربَّما بعض الأخطاء الإملائية هنا وهناك، ولكنْ، فيما عدا ذلك، كلُّ شيء واضح، وجذَّاب، وإذا تركنا هذا جانباً يا إيرازموس، فهو يردُّ نقطةً بنقطة على نظريَّتكَ، ولكلِّ الوقائع، كما يجب أن يفعل الصّحفيُّ الماهر.

لم يجد ويلسون ما يقوله.

أصرَّ المدير: لا بدَّ أن نتَّصل بهذه الفتاة، ما اسمها؟

أجاب ويلسون: اقرأ التوقيع في النهاية.

 -فتاة وحيدة يتيمة، ولكنْ، أيُّ نوع من الأسماء هذا؟ على كلِّ حال يعجبني. هذه الصَّبِيَّة الشبح تعجبني.


عن الكاتب:

نيكولا أتاديو، يهتم أتاديو منذ أعوام بنقل المعلومات والاتصالات، وخاصة في مجال الكتب والثقافة. تولى منذ عام 2000 رئاسة المكتب الصحفي لدار نشر (لاترزا Laterza). هو معد ومقدم برنامج "حيوات مختلفة عن حياتك"، على القناة الثالثة في الراديو الإيطالي. وكتابه هذا "حيث تولد الريح" الصادرة عن دار بومبياني (2018). هو أول كتبه.



من بيت آن فرانك إلى محطَّات العالم


من بيت آن فرانك إلى محطَّات العالم


صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الطبعة العربية للرواية الجديدة للكاتبة السورية المقيمة في فرنسا مها حسن، بعنوان: "في بيت آن فرانك". بعد أن كانت الرواية قد صدرت في طبعةٍ فلسطينية، ضمن مشروع "الأدب أقوى" بالتعاون مع الدار الرقمية في فلسطين. روايةٌ استغرقت حسب تصريح مها حسن 13 سنةً لتخرج في صيغتها النهائية، ولتتحرَّر الكاتبةُ أخيراً من آن فرانك، التي سكنت بيتها وذاكرتها.


«هيا لنُغيِّر العالم بلعبة الكتابة!» تقول كلٌّ مِنْ آن فرانك صاحبة كتاب "مُذكِّرات فتاةٍ صغيرة"، ومها حسن صاحبة هذا الكتاب. حيث تسيرُ الكاتبتان جنباً إلى جنب في خطَّين كثيراً ما يتقاطعا، بين صفحاتِ الرواية وأمكنتها وأزمنتها المُركَّبة، لنقعَ في اللُّبسِ، وفي السِّحرِ أيضاً. مع استعادة الفتاة الصغيرة لصوتِها روائيَّاً، في سردٍ مشتركٍ تمنحُها فيه الكاتبة المُقيمة في بيتها الفرصة لتحكي قصَّتها، ولتخرج من البيت، وتسافر معها إلى فلسطين. ولنعبُر، في تناوب الصَّوتيْن وامتزاجهما، من صراع الهويّة، ومآسي الماضي، إلى همومِ الكاتبتيْن الشَّخصية وقد سكنت روحُ إحداهُما ذاكرةَ الأخرى.


لا تخرجُ رواية "في بيت آن فرانك" عن أسلوب صاحبة "عمت صباحاً أيتها الحرب" (المتوسط 2017) في السِّيرة واليوميَّات والمذكِّرات، بل تُعمِّقه في قالبٍ روائيٍّ يجمعُ الخيال الأدبي بالواقع. تبدأ الحكاية ولا تنتهي في أمستردام، في بيتٍ يعرفهُ الكثيرون، بيت أنيق وهادئ، صارَ متحفاً ومكاناً للإقامات الإبداعية؛ أين تقضي كاتبةٌ، بعد تردُّدٍ، سنةً كاملةً في مواجهةِ ذاكرةٍ مزدوجة، وحيدة لساعاتٍ طويلةٍ، يُفارقها النَّوم وتكبر بداخلها المخاوف، بل وتأتيها في شكلِ طيفِ فتاةٍ، اجتثَّها يوماً النَّازيونَ من مكانِها، وحرموها أن تعيشَ حياتها في بيتٍ آمن، بيتٍ مليء بالمخابئ السّرية التي لم تُجدي نفعاً بعد الوشاية بالعائلة، وإرسالها إلى معسكراتِ الاعتقال، لتقضي وأختها هناكَ، غالباً بسب وباء التيفوس عام 1945.


أخيراً جاء الكتاب في 184 صفحة من القطع الوسط، نعيش فيه مع مها حسن تفاصيلَ روايةٍ عن السفر والصداقة والقصص المشتركة، وعن تلك البلاد الجميلة التي تسمّيها مها: «أرض الكتابة».


من الكتاب:

- أنا خائفة من آن فرانك.

- هل يمكنكِ قول المزيد حول هذه النقطة؟ 

- لا أستطيع النوم لأني أخاف من آن فرانك، أخاف من أن تقوم بإيذائي. أحلم يومياً بفتاة تحدّثني بالفرنسية، تُخبرني عن مدفنها، وأفيق لأشعر بأنني لم أكن أحلم، بل بأن فتاة كانت تجلس قرب رأسي، وتحكي لي وأنا نائمة. بل أرى شبحاً يعبر الغرفة كلَّما أفقتُ من الحُلم، كأنها فعلاً تجلس قربي، تحكي لي، وحين أفيق، تغادرني... لم أكن أعرف في البداية مَنْ هذه الصَّبيَّة التي تتحدَّث إليَّ في المنام، وتروي حكاية موتها بالتيفوس في مخيَّم، لا أعرف كيف ترسَّخ اسمه الألماني في ذاكرتي (بيرغن بيلسن)، حين بحثتُ في الإنترنت، عرفتُ أنَّ آن فرانك ماتت هناك، وأدركتُ أنها تخرج من الموت، وتأتي للجلوس جواري حين أنام. لا أعرف ماذا تنتظر منِّي آن فرانك، ولكنني أعتقد أنها متضايقة لأنني أسكن في بيتها.  لقد كانت طفلة سعيدة في هذا المنزل، إلَّا أنها أُجبرت على تركه تجنُّباً للوقوع بأيدي النَّازيِّين. وأنا الآن هنا، مكانها، في المكان الذي اقتُلِعَتْ منه، وحُرِمَتْ من متابعة حياتها، كفتاة مليئة بالأحلام، أشعر أني آخذ مكانها، وأخشى من أن تنتقم منِّي. كنتُ أتصوَّرها تقول: ماذا تفعل هذه المرأة الغريبة في منزلي؟ لقد حُرِمْتُ من حياتي ومن سعادتي، حُرِمْتُ من أصدقائي، من مدرستي، من فتاي الأوَّل ... لتأتي هذه المرأة وتحتلَّ مكاني. أنا خائفة من روحها، من روح آن فرانك. 


عن الكاتبة:

مها حسن، روائية سورية، من مواليد مدينة حلب، وتقيم حاليا في فرنسا، صدر لها العديد من الأعمال الروائية من أبرزها "اللامتناهي - سيرة الآخر"، 1995. "جدران الخيبة أعلى"، 2002. "تراتيل العدم"، 2009.  "حبل سري"، 2010. "بنات البراري" 2011، "طبول الحب" 2012. "الراويات"، "نفق الوجود"، 2014، "مترو حلب"، 2016. "عمت صباحاً أيتها الحرب"، 2017.  "حي الدهشة"، 2018.

وصلت رواياتها "حبل سري" و "الراويات"، إلى اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، كما وصلت رواياتُها "مترو حلب"، عمت صباحاً أيتها الحرب"، "حي الدهشة" إلى اللائحة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب.




المتوسِّط تُصدر ثالث كتُب سلسلة الشِّعر الأمريكي

خريفٌ يقفُ خلفَ النَّافذة

لـ ريتشارد رايت


صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط-  إيطاليا، مجموعة مختارات شعرية لأحد أبرزِ علامات تجارب الهايكو الأمريكيِّ الشَّاعر ريتشارد رايت، حملت عنوان: "خريفٌ يقفُ خلفَ النَّافذة"، اختارها وترجمها سامر أبو هوّاش. 

الكتاب يأتي ضمن سلسلة "مختارات الشعر الأمريكي"، التي أطلقتها المتوسط بإشراف الشاعر والمترجم الفلسطيني المعروف سامر أبو هوَّاش، وقد صدر منها سابقاً: "شمسٌ تدخلُ من النافذةِ، وتُوقِظُ رجلاً يسكبُ القهوةَ على رأسِهِ" لــ رَاسِلْ إدْسُن، و"النوم بعين واحدة مفتوحة" لـ مارك ستراند. وهي سلسلةٌ تسعى أن تكون «بلكوناً أو تراساً»، يطلُّ على بانوراما واسعة، ترسمُ خارطةً لأهمِّ الاتجاهات والمدارس الشعرية التي ظهرت وعاشت في أمريكا.


في خمسينيَّات القرن الماضي، في باريس، المَنفى الذي اختارَهُ الرِّوائيُّ والشَّاعرُ الأمريكيُّ ريتشارد رايت، هَرَبَاً من الاضطهاد المُتزايد للشُّيُوعيِّيْن أو المُتَّهمين بالشُّيُوعيَّة؛ عاودَ رايت اكتشافَ الشِّعْر الذي مارسَهُ في بداية حياتِهِ الأدبيَّةِ في الثلاثينيَّات. لكنه، هذه المرَّة، لم يكن "شاعراً ثوريَّاً" مثلما كان يُوصَف الشُّعراء الاحتجاجيُّون على امتداد القرن الماضي، بل إنه اختار، عن قَصْد أو دون قَصْد، الشكلَ الشِّعْرِيَّ الأبعدَ عن السِّياسةِ والأيديولوجيا والحراكِ الاجتماعيِّ والغضبِ والثَّورة، وهو الهايكو، ذلك الشِّعْرُ الشديدُ التَّقشُّفِ القائمُ على البساطةِ القُصوى وتمثُّل الطَّبيعةِ أو البيئة المُحيطة، ووَصْف أدقِّ سَكَنَاتها، والمشغول بالفَرْد، أو على وجهِ الدِّقَّة بالذَّات الشَّاعرة، بوَصْفها جزءاً لا يُجتَزَأ من الطَّبيعة، عبرَ تجلِّي كلٍّ منهما مرآةً للأُخرى، ومَعبَرَاً منها وإليها.


وخلالَ إقامتِهِ في شُقَّة صغيرة على مقربة من فندقِ البيت Beat Hotel، الذي كان مركزَ لقاءِ بعض أبرزِ شُعراء حركة "البيت" من أمثال وليم بوروز وألن غينسبرغ وغريغوري كورسو، خلال أَوْجِ صُعُودِ تلك الحركة، التقى رايت الشَّاعرَ الجنوبَ أفريقيّ سينكلير بيلز (1930- 2000)، أحدَ الأسماءِ المُهمَلَة نسبيَّاً في تاريخ "حركة البيت"، ومن خلالِ نقاشاتِهِ مع بيلز تعرَّف رايت أكثرَ على شِعْر الهايكو، وفلسفةَ الزِّنْ (تلك التي تُعدُّ رافداً أساسيَّاً من روافدِ حركة البيت)، ولعلَّ تلك النِّقاشات أسهمَتْ في إعادةِ اكتشافِ رايت لشِعْر الهايكو انطلاقاً من اكتشافاتِهِ الأُخرى في ما يخصُّ الإِرْثَ الرُّوحانيَّ الأفريقيَّ.


وَجَدَ صاحبُ "أبناء العمِّ توم" و"الابن الأصلي" و"فتى أسود" و"اللَّا منتمي"، في فنِّ الهايكو ملاذاً له من إحباطاتِ الحياةِ المتراكمةِ وأعبائِها المتزايدة. ويضيف سامر أبو هواش في مقدمة الكتاب، أنّ ريتشارد رايت كتب قصائد هايكو بَلَغَ عددُها، خلال عام ونصف العام تقريباً، أربعة آلاف قصيدة، كان عليه، بعدئذٍ، أن يختزلَهَا إلى 817 قصيدة، شكَّلت مخطوطَ كتابه "ذلك العالَم الآخر" الذي لم يرَ النُّورَ كاملاً إلَّا عام 1998، أيْ بعد نحو أربعةِ عُقُودٍ من وفاةِ صاحبه المبكِّرةِ بأزمةٍ قلبيَّة عام 1960. لكن، يذهب بعض الدَّارسين لسيرة رايت إلى الإصرارِ على أنَّ موتَهُ بهذه الطريقة المفاجئة كان مُدبَّراً، لاسيَّما وأنه تلقَّى العديدَ من الاتِّصالاتِ الهاتفيَّةِ الغامضةِ قبلَ وفاته، كما أنه لم يكنْ يعاني من أيِّ مشكلاتٍ في القلب.


أخيراً جاء الكتابُ في 176 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

مثلُ صِنَارَة،

الظِّلُّ الطَّويلُ لزهرةِ عبَّادِ الشَّمس

يرتعشُ على سطحِ البُحيرة.


الشَّاطئُ ينسلُّ هارباً

من السَّفينةِ الكئيبة

في ضَبَابٍ خريفيٍّ.


أوراقٌ صُفْرٌ مُتعفِّنة

تفوحُ منها رائحة

الموتِ والأملِ معاً.


عن الشاعر:

ريتشارد ناثانيال رايت، شاعرٌ وروائيٌّ أميركيٌّ، ولد في المسيسيبي، في 4 سبتمبر (أيلول) 1908، لأبٍ مُزارعٍ وأُمٍّ مُدرِّسة، عاشَ في بدايةِ حياته فقيرًا مُعدمًا بعد وفاةِ أبيه وشلل أمّه في سنٍّ مبكّرة، أصدر كتباً عديدة في الشِّعر والرِّواية والرِّحلة والسِّيرة، ونقل طيلةَ مسيرته معاناة الأمريكيين السود مع العنصرية. توفيَّ 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 1960، بباريس.


عن المترجم:

سامر أبو هواش، شاعر وكاتب وصحفي ومترجم فلسطيني، ولدَ في لبنان عام 1972، يعدُّ من أهمِّ المترجمين العرب الذين نقلوا إلى العربية أعمالاً إبداعية هامّة من الأدب الأميركي، في مجالات الشعر والقصة والرواية. عملَ طويلًا في الصحافة الثقافية وترأس تحرير ملاحق ثقافية عديدة، لهُ مجموعة كبيرة من المؤلفات تجاوزت 40 عنوانًا في كل من الرواية والشعر والتراجم، حصل على مجموعة من التكريمات وجوائز التقدير.





إسماعيل غزالي مُتسكِّعاً مع القطط في مدينةِ الأرخبيل


إسماعيل غزالي مُتسكِّعاً مع القطط في مدينةِ الأرخبيل


صدرت عن منشورات المتوسط - إيطاليا، الطبعة العربية من الرواية الجديدة للرِّوائي المغربي إسماعيل غزالي، بعنوان: "قطط مدينة الأرخبيل"، وكانت الرواية قد صدرت في طبعةٍ مغربية مع دار الأمان بالرَّباط.


في هذه الرواية، أنتَ في عاصمة القطط السِّحريَّة: موغادور، أو الصويرة أو مدينة الأرخبيل. تحاولُ الإمساك بالخيوطِ المتشابكةِ لحكاياتٍ تمضي بكَ في أرضٍ غير مألوفةٍ. نسيجٌ مربكُ من قصصِ التشرُّد بين الحاناتِ والدُّور العتيقة، في مهبِّ علاقاتٍ مثيرة مع كائناتٍ غريبةِ الأطوار، ينسجُها البطلُ الذي ينصبُ فِخاخَهُ للسَّائحات الأجنبيَّات بحجَّة تصوير القِطَط، قبل أن يستدرجهنَّ إلى مرسمهِ، ويتحوَّلن تحت إغراء المكان إلى موديلات عارية للرَّسم. وبينَ الفنِّ والموسيقى وسحرِ الأرخبيل بجزرهِ السَّبع؛ تتوالى الأحداثُ التي ينتصرُ فيها الكاتبُ للَّعبِ الخلَّاق واللَّذة الديونيزوسية!


"قططُ مدينةِ الأرخبيل" للرِّوائي المغربي إسماعيل غزالي، روايةٌ تُمسكُ بالزَّمن المنفلت لمدينةِ القطط والنّساء. توليفةٌ غريبةٌ ذات منحى ديستُوبيٍّ، ومتاهةٍ بوليسيةٍ، تعجُّ بظواهر اختفاء السَّائحات وجرائم القتل المُبهمَة، كما تصعَقُكَ بالمصائر غير المُتَوقَّعة، والاحتفال اليوميِّ بالجنونِ والموتِ والغرابة، وبحياةٍ بوهيميّة طارئة، يلتهم الضَّبابُ حكاياتِها بين الشَّاطئ ودهاليز المدينة القديمة.


أخيراً جاء الكتاب في 336 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:


…لم أفقدْ متعةَ التَّسكُّع وتصوير الهِرَرَةِ كعادتي، كأنّما تصويرُ القططِ أمسى البديل عن كتابة يوميَّاتي في مُوغَادُور ... 

مِثْلًمَا كانت القطط دليلي السِّحْرِيَّ، الذي قادَني إلى معرفة كائنات «حانة الحفرة» وخمَّارات أخرى، بل معرفة المطبخ السِّرِّيِّ للمدينة أو خارطتها الرُّوحيَّة المفقودة، كان تصويري لها كذلك، ذريعتي اللئيمة أو الخيط الفاتن الذي جَعَلَني أتعرَّف إلى نساءٍ أجنبيَّات من شتَّى أصقاع العالم، وأغنم أريجَ وفواكهَ بساتينهنَّ المُعلَّقة ... 

يُفاجئْنَنِي في سديم الأزقَّة والدُّرُوب والزوايا والأبواب والسّاحات:

- أوووه ... قطط عجيبة.

تبدأُ شرارةُ الإعجاب على هذا النّحو، ثمَّ تمضي بنا اللعبةُ إلى ما هو أعمق، مع تبادُلِ الحوار التِّلقائيِّ المتوثِّب، وتجاذُبِ لمْعِ الرُّؤى كيفما اتَّفق ... أغلبهنَّ أمضي بهنَّ إلى مخدعي، في منزل «ميرام»، فيتوهَّمْنَنِي رسَّامًا ... يتضاعف الذهول والانبهار ... لا يقاومنَ رغبة التَّعرِّي، فيُطالِبْنَنِي برَسْمهنَّ كموديل مع جموح الكؤوس واستبداد شيطان الويسكي ... وبالكاد أشْرَعُ في رَسْمِهِنَّ، ينفجرُ البركان، ونغرقُ في طوفان الشّهوة ... المشهدُ الماجنُ والمرعبُ نفسُهُ يتكرَّر...


عن الكاتب:


إسماعيل غزالي، كاتب مغربي، من مواليد 1977. صدر له العديد من الكتب منها: "عسل اللقالق"، (قصص)، جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي 2011. لعبة مفترق الطرق، (قصص) 2011. بستان الغزال المرقط (أربع مجموعات قصصية: عسل اللقالق، لعبة مفترق الطرق، منامات شجرة الفايكنغ، والحديقة اليابانية) 2012. موسم صيد الزّنجور (رواية) 2013، القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2014. النّهر يعضّ على ذيله، (رواية) 2015. غراب، غربان، غرابيب (قصص) 2016. سديم زهرة الهندباء (قصص) 2017. عزلة الثلج (رواية) 2018. ثلاثة أيام في كازابلانكا (رواية)، عن منشورات المتوسط، 2019.




شاعرُ شارعٍ وشاعرُ عزلةٍ وشاعرُ جاز

الحياةُ ساكسفون في فمِ الموت

لـ بوب كوفمان



الحياةُ ساكسفون في فمِ الموت لـ بوب كوفمان


صدر عن منشورات المتوسط- إيطاليا، الكتاب الرَّابع من سلسلة "مختارات الشعر الأمريكي"، التي أطلقتها المتوسط لأن تكون «بلكوناً أو تراساً»، يطلُّ على بانوراما واسعة، ترسمُ خارطةً لأهمِّ الاتجاهات والمدارس الشعرية التي ظهرت وعاشت في أمريكا. الكتاب هو مختارات شعرية للممثِّلَ الحقيقي لرُوح ومشروع حركة "جيل البيت" الشعرية؛ بوب كوفمان، بعنوان: "الحياةُ ساكسفون في فمِ الموت"، اختيار وترجمة الشاعر والمترجم سامر أبو هوَّاش.


وكانت المتوسّط قد أصدرت من سلسلة "مختارات الشعر الأمريكي" وبإشراف وترجمة  سامر أبو هواش: "خريفٌ يقفُ خلف النَّافذة" لـ ريتشارد رايت، "شمسٌ تدخلُ من النافذةِ، وتُوقِظُ رجلاً يسكبُ القهوةَ على رأسِهِ" لــ رَاسِلْ إدْسُن، و"النوم بعين واحدة مفتوحة" لـ مارك ستراند.


لا يمكن الحديث عن حركة "جيل البيت" الأمريكيَّة، تلك الحركة التي كان لها أعمق الأثر على المشهد الأدبيِّ والفنِّيِّ والثَّقافيِّ الأمريكيِّ، منذُ منتصفِ القرن العشرين، وإلى وقتنا هذا، دون التَّوقُّفِ عندَ أحدِ أبرز رُمُوزها، ومَنْ يُعَدُّ، بنَظَر الكثيرين، الممثِّلَ الحقيقي لرُوحها وجوهرها ومشروعها، ونعني به بوب كوفمان، ذلك الشَّاعر الذي وَصَفَهُ رمزٌ آخرُ من رُمُوز "البيت"، وهو الرِّوائيُّ والشَّاعر جاك كيرواك، بالقول إن حياته "كُتبَت بالدُّخان على مرآة"، وهو وَصْف يُعبِّر تمام التعبير عن حياة كوفمان التي هي سلسلة ممتدَّة من الارتحال الدَّاخليِّ والخارجيِّ معاً.


ويواصل سامر أبو هواش في مقدِّمة الكتاب: فعلى الرغم من تأثير كوفمان الجليِّ، في تأسيس الاتِّجاهات الجديدة في الأدب الأمريكيِّ، خارجَ المؤسَّسات التَّقليديَّة القائمة، وعلى الضِّدِّ منها، بما في ذلك إطلاق تسمية "البيت" نفسها، استلهاماً منه ووَصْفاً للنموذج الذي مثَّله كوفمان، فقد ظلَّ هذا الأخير، طَوَالَ عُقُود من الزمن، قليلَ الحُضُور، إن لم يكن متجاهَلاً، في الإعلام، كما في الدراسات والمقالات النَّقْدِيَّة التي تتناول جيل "البيت" ورُمُوزه. ففي حين حقَّق شُعراء وكُتَّاب مثل جاك كيرواك وألن غينسبرغ ووليام بوروز وغريغوري كورسو ولورنس فرلنغيتي وغيرهم ممَّنْ باتت أسماؤهم لصيقة بجيل "البيت"، شهرة طبَّقت الآفاق، داخل أمريكا وخارجها، بما في ذلك في العالم العربيِّ، بالنِّسبة إلى بعضهم، فقد ظلَّ كوفمان، خارج دائرة ضيِّقة جدَّاً، ممَّنْ يعترفون بأهمِّيَّته ودَوْره التَّأسيسيِّ، مجهولاً مُغيَّباً مَنسِيَّاً، وظلَّت قصائده أشبه بشَفْرَة سرِّيَّة، يتداولها شُعراء "البيت"، ويستلهمونها، بل ويُقلِّدونها أحياناً كثيرة، دون الإشارة المستحقَّة إلى صاحبها.

إلَّا أنَّهُ، ومع التَّنبُّه إلى حقيقة تجاهُل المؤسَّسةِ الأدبيَّة الأمريكيَّة، البيضاءِ وغيرِ البيضاءِ على السواء، لإِرْث كوفمان، وهو ما قد يكون محور دراسات أخرى مستقبليَّة في أمريكا، فإنَّهُ لا يجب، أيضاً، إنكارُ أن جزءاً مُهمَّاً من ذلك الانكفاء يعود إلى كوفمان نفسه، فهو صاحب العبارة الشَّهيرة "طموحي أن أكون مَنسِيَّاً".


هكذا يكون كوفمان الشَّاعر المتمرِّد، الحُرّ بأكثر معاني الحُرِّيَّة جَذْرِيَّة، والعَصيُّ على التَّصنيف الواضح، والرَّافض للأُسُس الأدبيَّة والشِّعْرِيَّة السَّائدة والمتسيِّدة، اختار الانزواء، بل العزلة، بمحض إرادته، مُغرِّداً خارج كلِّ سِرْب.


أخيراً جاء الكتابُ في 208 صفحات من القطع الوسط.


من الكتاب:

صارخين أعلى من الألمِ، سَامَحْنا أنفسَنا؛

الخطيئةُ الأصليَّةُ بَدَتْ أسطوانةً مَشروخةً.

الرَّبُّ عَزَفَ البلوز، ليقتلَ الوقتَ، طَوَالَ الوقتِ.

أنهارٌ حُمرٌ حَمَلَتْنا إلى الحياةِ.

(الكثيرُ من الضَّحكِ، يُحجبُهُ الدَّمُ والإيمانُ؛

الحياةُ ساكسفون في فمِ الموتِ).


عن الشاعر:

بوب غارنيل كوفمان، شاعرٌ أميركيٌّ ولدَ في مدينة نيو أورلينز بولاية لويزيانا، في 18 من أبريل 1925، لأب يهوديٍّ من أصول ألمانيَّة، وأُمٍّ سوداء كاثوليكية، تعود جُذُورها إلى المارتينيك. أصدر مجموعاتٍ شعريَّة عديدة جمعتها دار "سيتي لايتس" في إصدارها "الأعمال الشِّعْرِيَّة الكاملة لبوب كوفمان". توفّي بعد مُعاناة مع الفقر والتشرّد والاضطهاد السِّياسيِّ والسّجن، في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا 12 يناير 1986.


عن المترجم:

سامر أبو هواش، شاعر وكاتب وصحفي ومترجم فلسطيني، ولدَ في لبنان عام 1972، يعدُّ من أهمِّ المترجمين العرب الذين نقلوا إلى العربية أعمالاً إبداعية هامّة من الأدب الأميركي، في مجالات الشعر والقصة والرواية. عملَ طويلًا في الصحافة الثقافية وترأس تحرير ملاحق ثقافية عديدة، لهُ مجموعة كبيرة من المؤلفات تجاوزت 40 عنواناً في كل من الرواية والشعر والتراجم، حصل على مجموعة من التكريمات وجوائز التقدير.




امرأتان تجدان الطَّريق إلى ثورتهما الخاصّة 

"على قَرنِ الكَرْكَدَن" لـ فرانشيسكا بيلّينو


"على قَرنِ الكَرْكَدَن" لـ فرانشيسكا بيلّينو


صدرَت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الطبعة الورقية للرواية الجديدة للكاتبة الإيطالية فرانشيسكا بيلّينو، المعروفة باهتمامها بقضايا العالم العربي وثقافات بلدان البحر الأبيض المتوسط، وحملت عنوان: "على قَرنِ الكَرْكَدَن". ترجمت الرواية عن الإيطالية المترجمة سوسن بوعائشة، وراجع الترجمة ودققها المترجم التونسي الكبير أحمد الصمعي. وكانت الرواية قد أُتيحت "إلكترونياً" وبالمجَّان طيلة شهر أيار/ مايو 2020، في مبادرةٍ من المتوسّط وبتعاون مشترك مع كل من موقع "ألترا صوت" ومنصة الكتب العربية الإلكترونية "أبجد"؛ تضامناً مع القرَّاء في منازلهم، بإهدائهم كتاباً جديداً بالكامل ليكون معهم وهم يقضون وقتهم في الحجر حفاظاً على حياة العالم.


في روايتها "على قرن الكَرْكَدَنّ"، تروي فرانشيسكا بيلّينو وبأسلوبٍ سينمائيٍّ تشويقيٍّ، ذكرياتِ ماري مع مريم، والتي تمرُّ أمامَنا كشريطَ فيلمٍ على الطريق؛ بين الحياةِ في روما والعطلات الصيْفيّة في القيروان، تستحضرُها الكاتبةُ بكلٍّ تفاصيلها، ولا تتوقّف عندها، بل تتقاطع مع ما كانت تعيشه تونس؛ أيَّام الثورة، ساعاتٍ قليلة بعدَ طرد بن علي، والذي يتصادف مع موت مريم. 

في هذهِ الأجواء المشحونَةٍ والمُضطربَة، تصلُ ماري من إيطاليا. هي الآن خارجةٌ من المطار، مصدومَةٌ ومشوَّشَة، ولا شيءَ يشغلها إلَّا الوصول إلى مدينةِ القيروان، لحضور جنازةِ صديقتِها. كان هادي، أوَّل سائق عرَض عليها خدمته، ليُصبحَ دليلَها على خارطةِ بلدٍ يعيشُ على وقعِ الاضطراباتِ السّياسيّة التي رافقت التحرُّرَ من الديكتاتورية، وما صاحبها من آمالٍ واحتجاجات، واحتفالات ومشادّات، تنعكس، في صورٍ متسارعةٍ خلال الرِّحلة، على زجاجِ سيّارةِ أجرةٍ بالية.

رواية "على قرن الكَرْكَدَنّ" تحاول الإجابة عن سؤال؛ كيفَ تتحوَّل الصداقة بين ماري الإيطالية التائهة ومريم التونسية المُهاجرة إلى إيطاليا بدافعِ الحبّ والهروبِ من زوج أمّها المستبدّ؛ إلى بحثٍ عميقٍ عن الذَّات، تتكشَّفُ سُبلُهُ الخفيّة بشكلٍ مُدهشٍ في آخر الكتاب الذي نكتشف بين دفَّتيهِ، قصّةَ امرأتين تجدان الطريق إلى ثورتهما الخاصّة، وما كان ليكون تطابق اسميْهما في لغتينِ وثقافتينِ مختلفتيْن محض صدفة.


أخيراً جاء الكتاب في 280 من القطع الوسط.


أصداء الرواية:

لقيت الرواية أصداء متعدِّدة من طرف القرَّاء الذين اطلَّعوا على النسخة الإلكترونية المجَّانية، حيث نقرأ من "غودريدز" بعض الآراء التي أشادت بالعمل وترجمته، وهنا كتب أحمد جندية: "وضعت الكاتبة فرانشيسكا بيلينو في الرواية شريحة من الحياة والحالة التونسية وقت الثورة تحت المجهر. لا أبالغ إن قلت أنها ربما تفوَّقت أو تميَّزت، لو أن طرحاً عربياً أراد قولبة مثل هذه الأفكار في رواية، والسبب أن بيلينو أحاطت بالتفاصيل، وربما عايشتها. واحتفظت إلى جانب ذلك بالقدرة على النظر من خارج دائرة الانتماء للتقاليد العربية التي قد تُسبِّب التعامي التلقائي عن بعض التفاصيل لمن هو ابن البلد واللغة، فما يُعتبر طبيعي جداً بالنسبة إليه بحكم العادة، يُشكل موضع تساؤل وتدقيق للقادمين من خارجها. لفتت انتباهي الطريقة التي جمعت فيها بين الديكتاتوريتين، الكبرى والصغرى في العالم العربي: ديكتاتورية الحكم، وديكتاتورية الأسرة والسلطة الأبوية في المنظومة المجتمعية العربية".

فيما ذهبت القارئة ناديا إلى القول: "رواية بسيطة، بسردٍ سلس، نقلتني الى تونس عبر علاقة مقدسة؛ صداقة بين مريم وماري إبان بدايات الثورة التونسية بعد حرق البوعزيزي لنفسه إثر احساس القهر الذي ألَمَّ به .اللَّافت في الرِّواية كذلك التَّرجمة الجيدة، كدتُ من خلالها أنسى أنَّها لكاتبةٍ أجنبية".

في الصحافة، وفي مقالٍ للجزائرية سارة سليم في الأخبار اللبنانية، نقرأ تحت عنوان "بيننا وبين فرانشيسكا بيلينو ماء وملح و... رواية": "نرصد داخل السرد مغامرات ماري وهي تحكي تفاصيل زيارتها تونس، وما تركته تلك الزيارة في نفسها. إذ أنها وصفت لنا علاقة الصداقة التي نشأت بينها وبين مريم التونسية في إيطاليا. يشي حديثها عنها بالكثير من الصدق الذي يحفل بالعلاقات الإنسانية ويلغي الحواجز الجغرافية والدينية".

كما كتب الفلسطيني حسام معروف في موقع إرم نيوز مقالاً بعنوان "على قرن الكركدن" للإيطالية فرانشيسكا بيلينو.. حياة أخرى على هامش الثورة التونسية"، نقرأ منه: "عمدت الروائية الإيطالية إلى منح القارئ فرصة للتفكير في مستقبل السرد، بقيامها بزج عنصر التشويق في طريقتها السردية، حيث أبقت أسئلة محورية عالقة على مدار سير عجلة الأحداث، مثل: ما السبب في موت ماري التي لم يسبق لها أن عانت من الأمراض؟ تخمينات عديدة تظهر في الأفق: هل قتلت من أهلها؟ هل شاركت في الثورة و قتلت خلال الفوضى؟ وهاجس آخر فعّلته فرانشيسكا مع خيطها السردي، ألا وهو، من يكون السائق هادي؟، والذي تستمر مخاوف ماري منه على مدار سير عجلة السيارة، وحتى في توقفها".


من الكتاب:

قد تدخل تونس التاريخ، باعتبارها أوَّل دولة عربية قادرة على الإطاحة برئيس دولة، بفضل صيْحة شعب تصمُّ الآذان. وهو شيء يصعب التَّنبُّؤ به! ومن ناحية أخرى، فإن الثورات غير مُنتظَرة. ولا تُبرمَج. ما يُميِّز الثورات هو عنصر المفاجأة.

إن ما يحدث حالياً في تونس يخصُّني أنا أيضاً. ويخصُّ كامل حوض البحر المتوسِّط. ولكنْ، أنا، المتفرِّجة الظَّرفيَّة، كيف لي أن أفهم معاناة الشعوب العربية ومآسي التُّونسيِّيْن؟ لعلَّني لم أفهم شيئاً حتَّى ممَّا تعانيه مريم.

 يتبادر إلى ذهني أنها في أصعب اللحظات التي تمرُّ بها كانت تنطوي على نفسها، وتغرق في تفكير عميق، في نوع من التَّأمُّل، وغالباً ما يصعب مشاركتها ذلك، لأنها تُبقي جزءاً محصَّناً لا يمكن النفاذ إليه. كانت تبدو هادئة وصبورة، بينما بداخلها كانت تفور غلياناً. كانت ترغب في التَّخلُّص من كلِّ أشكال القصور، والعُقد، ومن عواصف ماضيها الهوجاء، لتُفسِح المجال للفرحة، ولكنها كانت نادراً ما تُفصح عن أحلامها وعن مآسيها. 

ولم تكشف لي جزءاً من عذابها العاطفي الكبير إلَّا يوم انتقلْنا إلى الشُّقَّة في حَيِّ "بينيتو".

- "منذُ فترة وأنا أبحث عن عواطفي"، قالت فجأة، بإحباط وقلق.

سألتُها في ذهولː "ماذا تقصدين بقولكِ إنكِ تبحثين عن عواطفكِ؟"

- "أبحث عن إنسانيَّتي، يبدو لي أنني فقدتُها. أشعر وكأنني مجمَّدة"، أضافت بنبرة حزينة. توقَّفتْ بُرْهَة، ثمَّ استأنفت قائلة:

- "أتوق إلى الذوبان. عندما كنتُ طفلة، كانت جَدَّتي تقول لي إن العواطف تختفي في المياه. ربَّما ينبغي عليَّ البحث عنها هناك".


عن الكاتبة:

فرانشيسكا بيلّينو؛ كاتبة وصحفية ومراسلة رحلات، تتعاون مع العديد من الصحف الإيطالية والأجنبية، بالإضافة إلى الكتابة للإذاعة والتلفزيون، ناشطة مهتمّة بثقافات البحر الأبيض المتوسّط، حقوق المرأة، وقضايا الهجرة.

من مؤلَّفاتها "بادئة الله"، 2008. "نظرة إلى البعيد"، 2010. "ملح"، 2013. كما أصدرت كتابين عن أسطورة المغني لوتشو باتّيستي، وعددًا من القصص نُشرت في أنطولوجيات مختلفة. في عام 2009، حصلت على استحقاق في مسابقة "بريميو كورنيستا – بييرو باسّيتّي" وفي عام 2013 حصلت على جائزة "تاليا" الصحفية. في 2014 توجت بجائزة "لو كوستا دامالفي ليبري"، وفي سنة 2015 حازت على جائزة "لو ماريا تيريزا دي ليفز" الوطنية وجائزة "براتا"، ثمَّ في 2016 جائزة "مارزاني".




شاعرُ "الشَّعب" الأمريكي

كصديق رائع يتذكَّر

لـ كارل ساندبرغ



كصديق رائع يتذكَّر لـ كارل ساندبرغ


صدر عن منشورات المتوسط -إيطاليا، خامس كتُب سلسلة "مختارات الشعر الأمريكي"، لأحد أبرزِ الأبناءِ الشِّعْرِيِّيْن لوالت ويتمان، الملقَّب بشاعر "الشَّعب" الأمريكي كارل ساندبرغ؛ بعنوان: "كصديق رائع يتذكَّر"، اختيار وترجمة الشاعر والمترجم سامر أبو هوَّاش.

وكانت المتوسّط قد أصدرت أربعة كتب من سلسلة "مختارات الشعر الأمريكي" بإشراف وترجمة سامر أبو هواش، وهي: "الحياة ساكسفون في فمِ الموت" لـ بوب كوفمان، "خريفٌ يقفُ خلف النَّافذة" لـ ريتشارد رايت، "شمسٌ تدخلُ من النافذةِ، وتُوقِظُ رجلاً يسكبُ القهوةَ على رأسِهِ" لــ رَاسِلْ إدْسُن، و"النوم بعين واحدة مفتوحة" لـ مارك ستراند.


لا ينطلقُ كارل ساندبرغ في شِعْرِهِ، يُفصِّل سامر أبو هوَّاش في مقدمة الكتاب، من نظريَّةٍ جاهزةٍ حولَ الكتابةِ الشِّعْرِيَّة، لا يفترضُ نفسَهُ سليلَ تقاليدَ شِعْرِيَّةٍ راسخةٍ، ولا ثائراً عليها، ولا فاتحَ دروبٍ جديدةً، وقد يبدو هذا مُستغرَباً بعضَ الشَّيءِ، في وقتٍ كان الغربُ برُمَّتِهِ، قبلَ الحربِ العالميَّةِ الأولى وخلالها وبعدها، يغلي بالتَّيَّاراتِ الأدبيَّةِ والفكريَّةِ والفلسفيَّةِ والفنِّيَّةِ، التي سَعَتْ إلى إعادةِ تعريفِ الشَّرطِ الإنسانيِّ، تحتَ وطأةِ الثَّورةِ الصِّناعيَّةِ، وما أحدثتْهُ من تحوُّلاتٍ هائلةٍ في الوَعيِ الجَمْعِيِّ، وفي العلاقاتِ الاجتماعيَّةِ، وفي بنيةِ السلطةِ السِّياسيَّةِ والدِّينيَّةِ والأبويَّةِ، إلَّا أنَّ ساندبرغ لا يبدو مشغولاً بكلِّ هذه الانشغالاتِ، إذ لا يأتي على ذِكْرِ الحداثةِ (أو التقليد) إلَّا عَرَضَاً، متوقِّفاً فقط عند الاشتراطاتِ الشَّكْلِيَّةِ التي تفرضُها القافيةُ على الشِّعْرِ، دون أنْ يُحدِّدَ موقفاً واضحاً من القصيدةِ الكلاسيكيَّةِ، ودون أنْ يتبنَّى، على نحوٍ أيديولوجيٍّ، أيَّ نَمَطٍ من أنماطِ الحداثةِ، بما في ذلك الشِّعْرُ الحُرّ. 


ويضيف أبو هوَّاش: قارئُ ساندبرغ، وليس، فقط، ديوانَهُ الأشهرَ ربَّما "قصائد شيكاغو"، سيلمسُ شَغَفَهُ الكبيرَ بالمدينةِ، إذ إنَّ المدينةَ، بكلِّ ما تحفلُ به من تناقُضاتٍ ومشهديَّاتٍ، هي المسرحُ الذي تتكشَّفُ من خلالِهِ فُصُولُ القصَّةِ الجديدةِ التي يريدُ أن يُسْمِعَ صوتَها، ويُوصِلَهُ، وهي ليست قصَّةَ الأُناسِ الكادحين فحسب، بل، أيضاً، قصَّةَ الفردِ العاديِّ، بتقلُّباتِهِ، وصراعاتِهِ، وضَجَرِهِ الوُجُوديِّ، وبَحْثِهِ عن معنىً لحياتِهِ، وهي، أيضاً، قصَّةُ جيلٍ شهدَ حربَيْن عالميَّتَيْن، وشاركَ وتأثَّرَ بهما. ولعلَّ هذا الجانبَ في تجربةِ ساندبرغ، إضافةً إلى خلفيَّتِهِ السِّياسيَّةِ الاشتراكيَّةِ، وتجربتِهِ المِهَنِيَّةِ في عالَمِ الصّحافةِ التي مارسَها لعُقُودٍ، هي التي جَعَلَتْهُ يكتبُ باكراً، ودون قَصْدِيَّةٍ واضحةٍ، قصيدةَ النَّثْرِ، ومَنَحَتْ صوتَهُ تلك الخُصُوصيَّةَ والقوَّةَ اللَّتَيْن جَعَلَتَاهُ يُؤثِّر في الأجيالِ اللَّاحقةِ من الشُّعراءِ الأمريكيِّيْن، بمَنْ فيهم خُصُوصاً شعراءَ "جيل البيت" من أمثال ألن غينسبرغ وغريغوري كورسو، وغيرهما.


أخيراً جاء الكتابُ في 80 صفحة من القطع الوسط.


من الكتاب:

هذا أسوأُ ما قد تُوصفِين به، يا مدينتي:

أنكَ تأخذينَ صِغارَ الأطفالِ بعيداً عن الشَّمسِ والنَّدَى،

والأشعَّةَ المتلألئةَ فوقَ العشبِ تحتَ السَّماءِ الشَّاسعةِ والمطرَ المُتهوِّرَ، 

وتَزُجِّين بهم بين الجُدرانِ

لكي يعملُوا، مُحطَّمين مُنطَفِئِين، من أجلِ قُوْتِ يومِهم،

لكي يأكلُوا التُّرابَ، ويمُوتُوا بقُلُوبٍ فارغةٍ

من أجلِ حفنةِ قُرُوشٍ في ليلةِ سبت. 


عن الشاعر:

كارل أوغست ساندبرغ، شاعر ومحرِّر وصحفي أمريكي، ولد في 6 يناير 1878 في غالسبورغ، بولاية إلينوي، لوالدَيْن من المهاجرين السُّويديِّيْن، التقيا وتزوَّجا في أمريكا. انتسبَ في عشرينيَّاته إلى "الحزبِ الاشتراكيِّ الدِّيمقراطيِّ"، ونَشَطَ في صُفُوفِ الحزبِ، في الوقتِ الذي بدأ يُرسِّخُ حُضُورَهُ شاعراً، عبرَ نَشْرِ كُتيِّباتٍ صغيرةٍ ابتداءً من العام 1907، وذلك بتشجيعٍ من أستاذِهِ في جامعةِ غالسبورغ فيليب غرين رايت. غير أنَّهُ لم يُرسِّخْ حُضُورَهُ كصوتٍ شِعْرِيٍّ مُتفرِّدٍ حتَّى عام 1916 حين نَشَرَ ديوانَهُ الأشهرَ "قصائد شيكاغو"، والذي تضمَّنَ كلَّ ما كان قد كَتَبَهُ ونَشَرَهُ حتَّى ذلك الحين. حَصَلَ على جائزةِ "بوليتزر" المرموقةِ ثلاثَ مرَّات، مرَّتَيْن عن شِعْرِهِ، ومرَّةً عن سيرتِهِ الغَيْرِيَّة لإبراهام لنكلن. عُرِفَ بلَقَبِ "شاعر الشَّعب" نظراً إلى أنَّ الكثيرَ من شِعْرِهِ يتناولُ قصصَ أفرادٍ عاديِّيْن من الطَّبقةِ العاملةِ والوُسطى الأمريكيَّةِ. من أبرزِ أعمالِهِ: "قصائد شيكاغو" (1916)، "مُقشِّرو الذّرة" (1918)، "دخان وفولاذ" (1920)، "الألواح والغرب المَسفوع بالشَّمس" (1922)، "صباح الخير، يا أمريكا" (1928)، "قَمَر مبكِّر" (1930)، "الناس، أجل" (1936)، "صخرة الذكرى" (رواية، 1948)، "دائماً، الغرباء اليافعون" (سيرة ذاتيَّة، 1953)، "قصائد الريح" (1960)، "عسل وملح" (1963).


عن المترجم:

سامر أبو هواش، شاعر وكاتب وصحفي ومترجم فلسطيني، ولدَ في لبنان عام 1972، يعدُّ من أهمِّ المترجمين العرب الذين نقلوا إلى العربية أعمالاً إبداعية هامّة من الأدب الأميركي، في مجالات الشعر والقصة والرواية. عملَ طويلًا في الصحافة الثقافية وترأس تحرير ملاحق ثقافية عديدة، لهُ مجموعة كبيرة من المؤلفات تجاوزت 40 عنوانًا في كل من الرواية والشعر والتراجم، حصل على مجموعة من التكريمات وجوائز التقدير.







حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-