تحضير نصّ يَا غايَة الظُّرفاء والأُدباء - أبُو تمّام

تحضير نصّ يَا غايَة الظُّرفاء والأُدباء -  أبُو تمّام


 تحضير نصّ يَا غايَة الظُّرفاء والأُدباء -  أبُو تمّام 

نموذج من الشعر العبّاسي: يَا غايَة الظُّرفاء والأُدباء -  أبُو تمّام          

المرجع : الممتاز  في اللغة العربيّة، الأولى باك آداب، ص ص 105/109



عرف الشعر العربي بدءاً من النصف الثاني من القرن الهجري الأوّل عدداً من التحولات الثقافية والفنيّة في خضم التحولات الشاملة التي عرفها المجتمع العربي عموماً، نتيجة انتشار اللغة العربية في الأقطار والبلدان المفتوحة وتفاعُلِها معَ غيرها من اللغات والثقافات الأخرى، ناهيك عن بُزوغ حركة التدوين والترجمة، وتشجيع الكتابة والتأليف في مُختَلف مَجالات البحث والمعرفة. كلّ هذا كان لهُ بالغ التّأثير في ما عرفته حركة الشعر العربي من تطوّر وتَجديد. في خضم هذه التحوّلات ظهرت  طائفتان  من الشعراء المجدّدين: - طائفة مالت إلى بساطة العبارة، ويُسر تداولها بين الناس، ووضوح الفكرة في أذهانهم مما قرّب المسافة بين الشعر والنثر؛

-       أمّا الطائفة الثانية فمالت إلى البديع، وأعرضت عن السليقة والطّبع، وكلف شعراؤها بالزخرف والمحسنات البلاغية، من أمثال: مسلم بن الوليد وأبي تمّام.

 

الملاحظة 

العنوان:

جاء عنوان النص (يا غايَة الظّرَفاء والأُدَباءِ) عبارة عن جملة إنشائيّة تتضمن أسلوب النداء؛ المنادِي فيها هو الشاعر، والمنادى أو المخاطب هو من يمثّل غاية الظّرف والأدب. ويوحي إلى أنّ المُخاطب يمثّل قمّة الدّهاء والعقل والمكر، ناهيك على أن "الظرفاء" جمع ظريف وهو الـمُبالغ في الأشياء، ويُسمُّون الفصيح اللّسان ظريفاً.

 

نوعية النّص: 

بناءً على مجموعة من المؤشّرات من قبيل: العنوان، شكل النصّ(نظام الشطرين المتناظرين)، مصدره،  يجوز لنا القول إننا إزّاء نصّ شعري.

فرضيّات النصّ: 

بالنّظر إلى العنوان وربطه ببعض الأبيات من القصيدة (الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشرثم تعرف شذرات من حياة  الكاتب وظروف مخاض القصيدة،  يمكننا القول إن القصيدة ستكون في غرض المدح، وخصوصاً مدح محمد بن حسّان الضبي.


الفهم 

-                 التقطيع الدلالي للقصيدة

-      المقطع الدلالي الأول(البيت الأوّل): يستهلّ الشاعر القصيدة بمطلع غزليّ (في النسيب) طالباً من لائمه الكفّ عنه، لأنّه عاشقٌ قد ألف البكاء واستعذَبه؛

-     المقطع الدلالي الثاني(من البيت الثاني إلى البيت الخامس): يصف التحول الذي طال الطبيعة وعناصرها؛

-      المقطع الدلالي الثالث(من البيت السادس إلى البيت الحادي عشر): تصوير الخمرة وذكر نعوتها وصفاتها؛

-      المقطع الدلالي الرابع(من البيت الثاني عشر إلى البيت الثامن عشر): يخلص الشاعر  إلى الغرض الرئيس ألا وهو مدح ابن حسان وذكر  مكارمه ومناقبه.

      تكثيف المعنى في القصيدة

افتتح أبو تمّام قصيدته بمطلع يصوّر فيه صبابته وحرقته، كما جمع في مقدمته بين وصف الطبيعة وذكر الخمرة، ليخلص إلى ممدوحه مُستَعْرِضاً فضائِلَه وقيمه.


التحليل 

1.   استخلاص معجم النص:

وظف الشاعر  في النص معجماً تتداخل فيه حقول ومعاني: الحب، والطبيعة، والخمرة، ثم المدح، كما يبين الجدول الآتي:

الألفاظ والعبارات الدالة على الحب

الألفاظ والعبارات الدالة على الطبيعة

الألفاظ والعبارات الدالة على الخمرة

الألفاظ والعبارات الدالة على المدح

الملام- صبٌّ (ب 1)- استعذبتُ ماءَ بكائي1)

معرّس- الغيث- دجنة- وطفاء- حدائقه- الأنداء-  الأنواء- الطلّ- الصّبا- سماء- الربيع- روضه-

سلافة- الخلطاء- الندماء- بمدامة- كؤوسها- عنبية ذهبية- جهمية الأوصاف- كأسها- بوعاء- لها نسيم كالرياض-

ابن حسان- خلتي وإخائي- يا غاية الأدباء والظرفاء- يا سيد الشعراء والخطباء- عرفت بك الآداب مجملة- جودك شاهد- لستم بسواء- ألجمته بوفاء..

·        علاقة تداخل وتقاطع بين هذه الحقول المعجمية..

·        عدم اقتصار الشاعر على معنى أو غرض واحد في مقدمته، بل مزج بين الغزل(النسيب) ووصف الطبيعة والخمرة، قبل الوصول لغرض المدح، وهذا ملمحٌ بارز من ملامح التحولات الفنيّة (حركة التجديد) التي دشنها أبو تمام بموازاة مع التحولات الثقافية التي عرفها العصر العباسي..

2.    الصور البلاغيّة:

وظّف الشاعر عدة صور بلاغية من استعارة  وتشبيه ومجاز في بناء صورته الشعرية المعبّرة عَن منهجه التجديدي في الشعر، ويمكن التمثيل لبعض الصور الشعرية كما يلي:

الأسلوب

الأمثلة

 

الاستعارة

البيت الأوّل: جعلَ للمُلام ماءً مستعاراً؛

البيت الثاني: المعرّس في هذا البيت من المـُستعار؛ لأنّ التعريس يُعرف لذوي الشّخُوص من الحيوان؛

البيت الرابع: في هذا البيت ثلاثة أشياء مستعارات: المسك والكافور والخيط.

التّشبيه

البيت الثاني: "الرايات" يعني بها البروق لأنّها تُشبّه بذلك؛

البيت الخامس: شبّهَ أَلوانَ الزّهر بوَشْي صنعاء فكأنّ الربيع تأنّق في تربيّته وتزيينه؛

البيت العاشر: شبّه الخمر بالنّار والزّجاجة بالنُّور قد اجتمعا.

المجاز

البيت السادس: "السلافة" الأولى مُراد بها الخمر، واشتقاقها من قولهم سَلَفَ أي تقدّم، ويُقال إنّ ذلك مَعْنِيٌّ به أوّل مَا يسيل منها إذا اعتُصرت. و"السُّلافة" الثانية على معنى المجاز، جعل الذين صبّح بهم هذه السُّلافة سُلافةَ من خالَطَ وَنادم، أي أفضلهم.

 

-     أضفت الصور الشعرية جمالية على القصيدة، ولا شكّ أنّها حققت لدى المتلقي بلاغة الإمتاع.

3.    المحسّنات البديعيّة:

-       الجناس:التامّ: البيت السادس: بسلافة/سلافة

-       غير التام: البيت الثالث: الأنداء/ الأنواء – البيت السابع: السرّاء/ الضرّاء -  إخائي/ لوائي- البيت العاشر: نار/ نور

-       الطباق: البيت الرابع: مسك/كافور- البيت السابع: السراء/ الضراء-

-       التكرار الاشتقاقي: تكرار الكلمة باشتقاق مختلف: لاتسقني/ سقاه- صبحته/صبحتها- بهجتها/بهجة- عُرِفَتْ/عَرَفَتْ- فجَهَدْتَ/جُهْدَ-

-      الغاية من هذه الأساليب تزيين الألفاظ والمعاني وترصيعها بألوان بديعة من الجمال اللفظي والمعنويّ.

4.    الأسلوب:

-       بناء الجمل: فعلية:(لاتسقني.../ نشرت حدائقه../ فسقاه مسك../ عُنيَ الربيع...): تعبّر عن الانطلاق وتجسّد الحدث؛

               اٍسمية: (غاية الأدباء والظرفاء.../ سيد الشعراء والخطباء/عنبية../ جهميّة/ لها نسيم...): تفيد دلالات الثبات واليقين.

-       أنواع الجمل: الجمل الإنشائيّة:(إنشاء طلبي) أسلوب النهي: البيت الأول: لا تسقني...

           أسلوب النداء: البيت  الثالث عشر: يا غايةَ الأدباء والظرفاء.../ يا سيد الشعراء والخطباء..

الجمل الخبريّة:  صبّحْتُهُ بسلافة..- معرّس للغيث..- فسقاه مسك..- وإلى ابن حساّن..

-       بناء الضمائر: المتكلّم: فإنّني صبّ قد استعذبت ماء بكائي- صبّحْتُهُ بسلافة..: تدل على ذات الشاعر؛

            الـمُخاطب: عُرِفَتْ بكَ- ساوَيتَهُم..- فَجَهَدْتَ..- ألجَمتهُ: تدلّ على الممدوح.      

 التركيب والتقويم


كان أبو تمّام أحد رواد التجديد الشعري في عصره لاشتغاله بالمحسنات البديعيّة وتصديه لغرائب المعاني، وكان من غير شكّ يقطع تيار الطبع الجارف ويميل بالشاعر إلى الغموض والتكلّف والصّنعة. ومن هنا جاءت فرادة هذا الشاعر بتفرّد تجربته واستيحائه لكثير من معارف عصره وعلومه المختلفة.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-