السلوك الديمقراطي

السلوك الديمقراطي

المكون : درس النصوص
السنة الثانية من سلك البكالوريا / مسالك العلوم والتكنولوجيا


السلوك الديمقراطي



إذا كانت الديمقراطية مفهوماً سياسيّا بمعناه المحدود، فهي مفهوم اِجتماعي بمعناها العام...وإذا كان السلوك الديمقراطي يمكن ملاحظته في المواقف المختلفة، إلاّ أنه جزء من تنظيم أشمل هو الشخصية. وعندما يسود السلوك الاجتماعي الديمقراطي في مجتع ما، حينئذ يمكن أن نتحدث عن ثقافة تسودها المشاركة الاجتماعية والتي تتميز عن ثقافة الخضوع التي تسود في المجتمع غير الديمقراطي أو التسلطي. فثقافة المشاركة خاصة بالنسق الاجتماعي المتقدم الذي يسوده القانون، وهذا القانون يتصدر كل الضوابط الاجتماعية الأخرى، والذي يكون الأفراد أمامه سواء. ويتبع أفراد هذا المجتمع - في سلوكهم - النسق المتقدم لقواعد التحليل والاختيار، ويلجأون إلى أسلوب الحلول الوسط والمرضية لجميع الأطراف ولا يلجأون إلى العنف في حل صراعاتهم.

أما في ثقافة الخضوع والتي توجد عادة في المجتمع التسلطي، فيسودها النسق المتخلف، ويتميز سلوك الأفراد فيه بسيادة الانفعال، والاعتبارات الإيديولوجية الضيقة، وليس بما يُمكن إثباته منطقيا أو علميا. ونظراً لعجز الفرد في مثل هذه الثقافة، أو المجتمع إلى الاحتكام إلى العقل يسود العنف بين الأفراد.

ولذلك نلاحظ أنه على الرغم من أنّ المفهوم السياسي للسلوك الديمقراطي أكثر انتشاراً بين الناس، إلا أن هذا السلوك متشعب الأبعاد والتأثيرات في جميع جوانب الحياة الاجتماعية ...وبناء على ما سبق، لا يمكننا فصل السلوك الديمقراطي -حتى بمفهومه السياسي المحدود- عن السلوك الاجتماعي الأعم بين الأفراد والجماعات والمجتمعات. ولن يسود السلام والرفاه مجتمعاً ما، إلاّ إذا التزم أفراده بمبادئ وقيم السلوك الديمقراطي، بمعناه العام وليس السياسي فقط.

إنّ الديمقراطية ليست مجرد إجراءات ومؤسسات سياسية، وإنما هي قيم واتجاهات وتفكير وسلوك كالاهتمام بمشاعر الآخرين وآرائهم، وإقناع كلّ فرد بأن الآخر يختلف عنه ولكن ليس أدنى أو أقل منه شأنا، وأن الصراع حول المبادئ يجب ألاّ يصل إلى درجة العنف.



مصطفى التركي، السلوك الديمقراطي، مجلة عالم الفكر، العدد 22، 1993، ص: 129 وما بعدها (بتصرف).

تعليقات