مفاهيم مفتاحية : الدوسيمولوجيا | الافتحاص البيداغوجي
يتضمّن هذا الركن تعريفات مُقتضبة ومُوجَزة لبعض المفاهيم في علوم التربية. وهي تعريفات إجرائية لا تدّعي الإحاطة الشاملة بمُختلف أبعاد المفاهيم المدرجة في هذا الباب، ولا تغني عن ضرورة البحث في الدلالات والأبعاد المختلفة لها.
الدوسيمولوجيا
إنّ الدوسيمولوجيا هي الدراسة المنظمة للامتحانات، أي دراسة طرق التنقيط ونزاهة المصححين والدرجات الممنوحة لإنجازات المتعلمين. والكلمة مشتقة من اللفظة اليونانية dokimé وتعني: الاختبار. وقد صيغت في عشرينيات القرن الماضي من طرف "هنري بييرون"، الذي كان من أوائل الباحثين في مسائل تصحيح الاختبارات وتحديد أدوات القياس التي تسمح بتكميم إنجازات التلاميذ، من منطلق أن لكل إنتاج تربوي قيمة معينة، يمكن تحديدها بشكل تقريبي. وقد انتقد بييرون طرق الامتحان التقليدي وعقم نتائجها، ملاحظا في هذا الإطار بأن الاهتمام بالامتحانات طيلة مدة التمدرس، حولها إلى غاية في ذاتها، تستقطب اهتمام الفاعلين التربويين والتلاميذ وآبائهم. لكن، تخللت هذا الاهتمام مشاكل وثغرات، مست في مجملها مصداقية الامتحان ومبدأ تكافؤ الفرص. وقد تبين أن الثقة المطلقة الممنوحة للمصححين ولجان التصحيح، لم تكن دائماً مفيدة. وهنا طرحت مسألة مصداقية التنقيط، حيث أثبتت الدراسات والأبحاث أن نتائج تصحيح الاختبارات غير قارة، إذ تختلف من مصحح لآخر، بالنسبة لنفس المادة وإزاء نفس الإجابة، بل هي تختلف لدى المصحح ذاته في حالة قيامه بتصحيح الورقة في زمنين مختلفين وحالتين نفسيتين متباينتين. وهو ما يدعوه "دولاندشير" بالتأثيرات السيكولوجية على عملية التقويم والتي تتطلب دراسة مواقف وسلوكات وردود أفعال المصححين والممتحنين على حد سواء (الصرامة أو التساهل في التنقيط، الخوف من الامتحانات، التخوف من ردود أفعال التلاميذ...إلخ). وفي هذا الإطار، لخص الدوسيمولوجيون عملية تقويم الاختبارات في ثلاثة مفاهيم أساسية وهي: الأمانة والصلاحية والحساسية.
هكذا، فإنّ المدرس المقوم يواجه دوماً بالأسئلة التالية:
• هل ستظل النقطة التي منحتها هي نفسها، لو أنني صححت ورقة الامتحان مرة أخرى، بعد شهر مثلاً؟ وهل ستكون هي نفس النقطة التي قد يمنحها زميلي من نفس المادة، لهذه الورقة؟
• هل يتّسم سلم التصحيح المتبع بالمصداقية؟
• ألا تؤثر العوامل الذاتية في تقدير أجوبة الممتحنين وبالتالي في موضوعية التصحيح؟
لتفادي هذه الصعوبات، اشترطت الدراسات الدوسيمولوجية سلالم مضبوطة للتقويم، عبر إخضاع عمليات التصحيح لشبكات منظّمة للقياس والتنقيط.
الافتحاص البيداغوجي
الافتحاص L'audit في مفهومه العام نشاط منهجي مستقل للمراقبة والاستشارة قوامه الحصول على معطيات وبيانات ومعلومات موضوعية حول منظومة ما من أجل تحديد ما إذا كانت العناصر المكونة لهذه المنظومة متوافقة مع متطلبات المرجعية المعتمدة في هذا المجال. كما أنه عملية إصدار حكم على كيفية تنظيم كيان ما أو على إجراءات معينة أو عملية محددة. إنه، بالدرجة الأولى، أداة تمكن من التطوير والتحسين المستمرين لهذه المنظومة بالنظر لكونه يسمح بجرد ما هو موجود وقائم (الحالة الراهنة) بغية الوقوف على مكامن الضعف أو مظاهر عدم التوافق بالرجوع، طبعاً، إلى المرجعية المعتمدة في الافتحاص، وكذا الكشف عن مظاهر الخلل وتشخيص المخاطر. والهدف من كل ذلك هو اقتراح الإجراءات المناسبة التي تمكن من تصحيح الفوارق الملحوظة وتجاوز مظاهر عدم التوافق القائمة.
بناء على ذلك، يمكن تعريف الافتحاص البيداغوجي L'audit pédagogique على أنه العملية المنهجية والمنظمة التي تنطلق من إطار مرجعي محدد، والتي تهدف إلى جمع المعطيات الضرورية والمناسبة حول التنظيم البيداغوجي، بحيث تمكن من تشخيص نقاط الضعف وعدم التوافق، والتحديد الدقيق لمظاهر الخلل التي تعتريه، من أجل التوصل إلى اقتراح الآليات المناسبة لتجاوزها وتحديد سبل تحسين الخدمات البيداغوجية والارتقاء بفاعلية التنظيم في اتجاه تحقيق الجودة.
لذلك، من بين أهم ما ينبغي أن يتميز به نظام الافتحاص البيداغوجي ما يلي:
• أن تتوافق العناصر التي يعتمدها مع متطلبات المنظومة المطلوب افتحاصها؛
• أن يكون قادراً على تحقيق الأهداف المحددة؛
• أن يكون بمقدوره المساهمة في تحسين المنظومة والرفع من فاعليتها.
وعلى غرار ما هو موجود في المجالات الأخرى التي يشملها الافتحاص، يمكن التمييز في الافتحاص البيداغوجي بين الأنماط الثلاثة التالية:
• افتحاص التوافق L'audit de conformité، الذي يركز على البعد القانوني والتشريعي؛
• افتحاص الفاعلية والنجاعة L'audit d'efficacité، ويركز على المظاهر المتعلقة بالتكوين والتواصل والتدبير التوقعي للموارد البشرية؛
• الافتحاص الإستراتيجي الذي يشكل مظهراً من المظاهر التي تترجم الإستراتيجية البيداغوجية المعتمدة في صيغة خطط وبرامج.
وغالباً ما يتخذ الافتحاص البيداغوجي صيغة تقويم، أي شكل مراقبة تستند إلى التعليمات الصادرة عن مراكز القرار المعنية بالأمر، فتكتسي، نتيجة لذلك، شكل الدعوة إلى الانضباط للتوجيهات. بيد أنه قد يهدف أيضاً إلى توفير الوسائل المناسبة التي من شأنها المساعدة على التدبير والقيادة.
ويمكن أن يقوم الافتحاص في المجال البيداغوجي على أساس تشاركي، وذلك من خلال إشراك الفاعلين المعنيين بالأمر في مختلف المراحل.
ويفترض هذا الأمر ما يلي:
• أن يتم الافتحاص بطلب من المسؤول ذاته عن التنظيم أو المنظومة البيداغوجية؛
• أن يتم الطلب من خلال عملية تفاوض؛
• أن يتوافر المسؤولون عن المنظومة البيداغوجية على قدر وافر من حرية التصرف إزاء التوصيات المتوصل إليها في نهاية عملية الافتحاص؛
• أن يتوافق المعنيون بالأمر على المحافظة على سرية نتائج الافتحاص.