ما هي خطوات وأساليب المنهج الوصفي؟


ما هي خطوات وأساليب المنهج الوصفي؟







ما هي خطوات وأساليب المنهج الوصفي؟



 


مفهوم المنهج

هذا اللفظ ترجمة للكلمة méthode الفرنسيّة ونظائرها في اللغات الأوروبية الأخرى. وكلّها تعُود في النهاية إلى الكلمة اليونانيّة méthodos، وهي كلمة نجد أن أفلاطون يستعملها بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة، كما نجدها كذلك عند أرسطو أحياناً بمعنى "بحث". والمعنى الاشتقاقي الأصلي لها يدلّ على الطريق أو المنهج المؤدّي إلى الغرض المطلوب. ولكنّه لم يأخذ معناه الحالي، أي بمعنى أنه طائفة من القواعد العامّة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم، إلاّ ابتداءً من عصر النهضة الأوروبيّة. ففي هذه الفترة نرى المناطقة يعنون بمسألة المنهج، كجزء من أجزاء المنطق. وفي القرن السابع عشر، تمّت الخطوة الحاسمة في سبيل تكوين المنهج. ففرانسيس بيكون في كتابه "الأورغانون الجديد" (سنة 1620) صاغ قواعد المنهج التجريبي بكلّ وضوح. و ديكارت حاول أن يكتشف المنهج المؤدّي إلى حسن السير  بالعقل، والبحث عن الحقيقة في العلوم كما يدلّ على ذلك عنوان كتابه "مقال في المنهج" (سنة 1637). وبهذا تكوّنت فكرة المنهج بالمعنى الاصطلاحي المستعمل اليوم ابتداءً من ذلك التاريخ، ومعناه: الطريق المؤدّي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بواسطة طائفة من القواعد العامّة تهيمن على سير العقل وتحدّد عمليّاته حتى يصلَ إلى نتيجة معلُومة. (عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات، الكويت، الطبعة الثالثة 1977، ص 3.)

يقول كارل بوبر في معرض حديثه عن المناهج والطرائق في البحث العلمي: "الأمر لديّ سواء أن يستعمِل الفيلسوف أو غيره هذه الطريقة أو تلك ما دامت المُشكلة المطروحة مهمة وما دام يُحاول حلّها بجد. إلاّ أنّني أودّ الإشارة هنا إلى إحدى الطرق – من بين الطرق العديدة التي يختارها والتي يتوقف اختيارها على الدوام على المشكل المطروح بطبيعة الحال – إنها أحد أشكال الطريقة التاريخية الخارجة عن الموضة في الفلسفة المعاصرة. إنّها تقُوم بكلّ بساطة على محاولة البحث عن تأمّلات الآخرين وأقوالهم حول المشكل المطروح: كيف اعترضهم وكيف صاغوه وكيف حاولوا حلّه. يبدو  هذا لي كخطوة أساسية في الطريقة العامّة للمناقشة العقلانيّة. لأنّنا إذا كنّا نجهل تفكير الآخرين، المعاصرين ومن سبقهم، فمعنى ذلك توقّف المناقشة العقلانيّة واكتفاء كل منّا بالحديث إلى نفسه. ويفتخرُ بعض الفلاسفة بمحادثاتهم الذاتية، لاعتقادهم على ما يبدو بعدم وجود من يستحقّ التحاور معه". (كارل بوبر، منطق البحث العلمي، ترجمة د. محمد البغدادي، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة العاشرة، ص 36-37.)



المنهج الوصفِي

يُستَخدم المنهج الوصفي في دراسة الأوضاع الراهنة للظواهر من حيث خصائصها، أشكالها، وعلاقاتها، والعوامل المؤثرة في ذلك، وهذا يعني أنّ المنهج الوصفي يهتم بدراسة حاضر الظواهر والأحداث بعكس المنهج التاريخي الذي يدرس الماضي، مع ملاحظة أن المنهج الوصفي يشمَلُ في كثيرٍ من الأحيان عمليات تنبؤ لمستقبل الظواهر والأحداث التي يدرسها. حيث يقوم المنهج الوصفي على رصد ومتابعة دقيقة لظاهرة أو حدث معيّن بطريقة كمية أو نوعيّة في فترة زمنية معيّنة أو عدة فترات، من أجل التعرّف على الظاهرة أو الحدث من حيث المحتوى والمضمون، والوصول إلى نتائج وتعميمات تساعد في فهم الواقع وتطويره.

أوّلاً: خطوات البحث العلمي باستخدام المنهج الوصفي

لا يكاد تطبيق واستخدام المنهج الوصفي في البحث يختلف في مراحله عن تلك التي تشتملها الطريقة العلمية بشكل عام،  ويمكن تحديد هذه المراحل فيما يلي:
أ‌-        تحديد المشكلة وصياغتها؛
ب‌-  وضع الفروض وتوضيح الأسس التي بنيت عليها؛
ت‌-  تحديد المعلومات والبيانات التي يجب جمعها لأغراض البحث وكذلك تحديد طرائق وأساليب جمعها؛
ث‌-  جمع البيانات والمعلومات من المصادر المختلفة وبالأساليب التي تمّ تحديدها؛
ج‌-    تنظيم البيانات والمعلومات وتحليلها وتفسيرها؛
ح‌-    حصر النتائج والاستنتاجات وصياغتها؛
خ‌-    وضع التوصيات المناسبة.

إنّ المنهج الوصفي لا يتمثّل فقط في جمع البيانات والمعلومات وتبويبها وعرضها، بل إنّه يشمل كذلك على تحليل دقيق لهذه البيانات والمعلومات وتفسير عميق لها، وسبر لأغوارها من أجل استخلاص الحقائق والتعميمات الجديدة التي تساهم في تراكم وتقدّم المعرفة الإنسانيّة.


ثانيّاً: أساليب المنهج الوصفي

يشتملُ المنهج الوصفي على مجموعة من أساليب البحث العلمي التي تُستخدم من قبل الباحثين، ومن أهم هذه الأساليب:
أ‌-        أسلوب المسح.
ب‌-  دراسة الحالة.
ت‌-  تحليل المحتوى.

        أسلوب المسح (الدراسات المسحيّة):

°         يتمثّل هذا الأسلوب في جمع بيانات ومعلومات عن متغيرات قليلة لعدد كبير من الأفراد، ويطبّق هذا الأسلوب في كثير من الدراسات من أجل:
·        وصف الوضع القائم للظاهرة بشكل تفصيلي ودقيق؛
·        مقارنة الظاهرة موضوع البحث بمستويات ومعايير يتم اختيارها للتعرف الدقيق على خصائص الظاهرة المدروسة؛
·        تحديد الوسائل والإجراءات التي من شأنها تحسين وتطوير الوضع القائم.
ويطبّق أسلوب المسح عادة على نطاق جغرافي كبير أو صغير، وقد يكون مسحاً شاملا أو بطريقة العيّنة، وفي أغلب الأحيان تستخدم فيه عينات كبيرة من أجل مساعدة الباحث في الحصول على نتائج دقيقة وبنسب خطإٍ قليلة وبالتالي تمكينه من تعميم نتائجه على المجتمع موضوع الدراسة.
أمّا معوقات استخدام هذا النوع من أساليب البحث العلمي الوصفي فتتمثل في ارتفاع تكاليف استخدامه وتطبيقه، وفي حاجته إلى فترة زمنية طويلة وجهد كبير، حيث تستخدم أدوات ووسائل مختلفة لجمع المعلومات في أسلوب المسح، لكن هذا لا ينفي إمكانية أن يعتمد الباحث على وسيلة واحدة لجمع المعلومات، ومن أهم الوسائل والأدوات المستخدمة عادة نجد: الاستبيانات، المقابلات الشخصيّة، الزيارات، وأحياناً يتم الرجوع إلى الكتب والدوريات والمصادر المختلفة.

        أسلوب دراسة الحالة:

°        يقوم هذا الأسلوب على جمع بيانات ومعلومات كثيرة وشاملة عن حالة فرديّة واحدة أو عدد محدود من الحالات وذلك بهدف الوصول إلى فهم أعمق للظاهرة المدروسة وما يشبهها من ظواهر، حيث تجمع البيانات عن الوضع الحالي للحالة المدروسة وكذلك عن ماضيها وعلاقاتها من أجل فهم أعمق وأفضل للمجتمع الذي تُمثّله.
ويتم جمع البيانات في مثل هذا الأسلوب بوسائل وأدوات متعددة منها المقابلة الشخصيّة، الاستبيان، الوثائق والمنشورات، وتستخدم دراسة الحالة في كثير من الأحوال كمُكمّل للدراسات المسحيّة، ومع أن مثل هذا الأسلوب يؤدّي إلى كشف الكثير من الحقائق والمعلومات الدقيقة عن الحالة المدروسة، إلاّ أن ما يتم التوصّل إليه من نتائج لا يمكن تعميمه على جميع الحالات الأخرى، إلاّ في حالة أن يتمّ التوصل إلى النتائج نفسها من عدد كاف من الحالات المماثلة ومن المجتمع نفسه، فعندئذ يمكن تعميم النتائج على باقي أفراد المجتمع.

خطوات أسلوب دراسة الحالة

يتضمّن أسلوب دراسة الحالة لظاهرة ما مجموعة من الخطوات الرئيسة على النحو التالي:
·        تحديد أهداف الدراسة: وتتطلب هذه الخطوة تحديداً لموضوع الدراسة أو الظاهرة المدروسة وكذلك تحديدا لوحدة الدراسة وخصائصها؛
·        إعداد مخطط البحث أو الدراسة: وهذه الخطوة ضرورية لأنها تساعد الباحث في تحديد مساره واتجاه سيره، حيث تمكنه من تحديد أنواع البيانات والمعلومات المطلوبة والطرق المناسبة لجمعها وأساليب تحليلها؛
·        جمع المعلومات من مصادرها وبالوسائل التي تم تحديدها مسبقاً؛
·        تنظيم وعرض وتحليل البيانات بالأساليب التي يرى الباحث أنها تخدم أهداف بحثه ودراسته؛
·        النتائج والتوصيات: وفي هذه المرحلة يوضح الباحث النتائج التي تمّ التوصّل إليها وأهميتها وإمكانيات الاستفادة منها في دراسات أخرى.

        أسلوب تحليل المحتوى:

°        يقوم هذا الأسلوب على وصف مُنظّم ودقيق لمحتوى نصوص مكتوبة أو مسموعة من خلال تحديد موضوع الدراسة وهدفها وتعريف مجتمع الدراسة الذي سيتم اختيار الحالات الخاصة منه لدراسة مضمونها وتحليله. وعادة يتم تحليل المضمون من خلال الإجابة على أسئلة معيّنة ومحددة تتم صياغتها مسبقاً، بحيث تساعد الإجابة على هذه الأسئلة في وصف وتصنيف محتوى المادة المدروسة بشكل يساعد على إظهار العلاقات والترابطات بين أجزاء ومواضيع النصّ.
ويشترط في مثل هذا الأسلوب عدم تحيّز الباحث عند اختيار عينة النصوص أو المسموعات المراد دراستها وتحليل مضمونها، بحيث يجب أن تكون ممثلة بشكل موضوعي لمجتمع الدراسة الذي تمثله.

إيجابيات وسلبيات أسلوب تحليل المحتوى

يمتازُ أسلوب تحليل المحتوى بعدد من الإيجابيات هي:
·        لا يحتاج الباحث إلى الاتصال بالمبحوثين لإجراء تجارب أو مقابلات وذلك لأن المادة المطلوبة للدراسة متوفرة في الكتب أو الملفات أو وسائل الإعلام المختلفة؛
·        لا يؤثّر الباحث في المعلومات التي يقوم بتحليلها فتبقى كما هي قبل وبعد إجراء الدراسة؛
·        هناك إمكانية لإعادة إجراء الدراسة مرة ثانية ومقارنة النتائج مع المرة الأولى للظاهرة نفسها أو مع نتائج دراسة ظواهر وحالات أخرى.
ورغم هذه الإيجابيات إلا أن استخدام وتطبيق هذا الأسلوب لا يخلو من بعض العيوب مثل:
·        يحتاج إلى جهد مكتبي  كبير جدّاً من قبل الباحث؛
·        يغلب على نتائج أسلوب تحليل المحتوى طابع الوصف لمحتوى وشكل المادة المدروسة ولا يبيّن الأسباب التي أدّت إلى ظهور المادة المدروسة بهذا الشكل أو المحتوى؛
·        لا يمتازُ هذا الأسلوب بالمرونة حيث يكون الباحث مُقيّداً بالمادة المدروسة ومصادرها المحدودة.

من إعداد : فريق تحرير مدوّنة منهجيّتي

تعليقات