تقدّم لكم(ن) مدونة منهجيّتي، في هذا
الركن الثقافي والأدبي المتفرّد، باقة متنوعة من قصص وقصص عربية، وأيضاً قصص الاطفال، قصص للأطفال، وهي قصص قصيرة، قصص اطفال، كما أنها قصص واقعية، مثل قصص الحب، قصص حب، وقصص الأميرات، قصص الاميرات، بالإضافة إلى أن
هناك عدة قصص اطفال مكتوبة، قصص للاطفال، قصص المكتبة الخضراء، وقصص قبل النوم، قصص اطفال pdf،
قصص أطفال pdf،
ومجموعة كبيرة جدا من قصص
وحكايات : قصص رومانسية، قصص اطفال قبل النوم، قصص الاطفال قبل النوم، قصص للاطفال قبل النوم، قصص حب قصيرة، قصص بالانجليزية، قصص انجليزية، قصص قصيرة للاطفال pdf،
قصص للأطفال بالفرنسية، قصص باللغة العربية.
مُذكراتُ الطالب المدعو "ح"
-المناورة الأولى-
| رَحيم دَودي |
إلى نونو الجميل، نحن المجانين لا تكفينا حياةٌ واحدةٌ....
مُنحنياً على حذاءِ رجلٍ بمقهى "مانهاتن" التمعت الخطّة التي رسمها "نبيه" في ذهني. لـم تكن خطّةً مبنيةً على حلٍّ واحد، وإنّــما كانت تنبني على استراتيجيةٍ ثلاثيةِ المحاورِ. فَفِي حال فشلِ المحورِ الأوّل يمكنُ اللّواذُ بمحورٍ آخر. خطةٌ مؤَسَّسَةٌ على التحسُّب والمباغتةِ. عَجِبْتُ من أمرِ هذا الصّديق ومن أفكاره المارقة. لا بدّ أنّــه يستقيها من الكتبِ التي يسرقها من مكتبة الشّعب ويقرأها وحيداً. وربّما قد تكون له مصادرُ معرفةٍ لست أدريها.
رفعتُ رأسي عن الحذاءِ دلالة الانتهاءِ من عملية المسح والتلميع. أنقدني الرجلُ الجالسُ بتكبرٍ درهمين. ثم انصرفت لألــمّع حذاءً آخر. كلّ عملية تلميعٍ تغترفُ سَائلها من كرامتي. صرتُ في الأخير كائناً آليًّا ينفّذ برنامجاً بدقّة عاليةٍ دون مبالاةٍ. ساكنو المدينةِ؛ هذه المدينة المتحجّرة، كانوا أشبهَ بجثثٍ لا حبّ فيهم ولا حياة. وكأنّ كلّ شيء هنا يتحاماني بشرٍّ وقسوةٍ. ولولا حبّ الوالدين وصداقة "نبيه" و"عيشة" لانتحرتُ بؤساً وألماً. يمضي يومي بينَ مسحٍ وحملٍ ودراسةٍ. كنتُ أرجو اللهَ أن يرفعَ عددَ ساعاتِ اليوم حتى تسعني للقيامِ بكلّ هذه المشاق. غايتي الأخيرةُ، بعدَ كلّ هذا التعب، أن أصبح مُعلماً في بلدتي وأعينَ الحبيبينِ. وهيهاتَ أن أبلغَ البُغيةَ والـمُرام...
بعدَ تخطيطٍ وتدبُّر بدأنا بتنفيذ المحورِ الأوّل من الخطّةِ. وقفت "عيشة" قُربَ باب الكليّة مراقبةً وصول العميدِ و"حمادي" لتخبرنا بذلكَ. كانَ "نبيه" جالساً على مقعد الإسمنت الراسي وسطَ الساحةِ مُتشاغلاً بهاتفه. وظللتُ مُرابطاً في الممر الــمُفضي إلى الإدارةِ. كان وجهي مزدحماً بانفعالاتٍ مختلطةٍ. لم أنم ليلتين متواليتين إمعاناً في احترام إجراءات الخطة. انتفخَ وجهي فصار بالوناً أحمرَ تتراقصُ وسطهُ نقطتين بيضاوين. وقتَ رآني "نبيه" كتمَ ضحكةً علّبت وجهه وندهَ بصوتٍ مخنوق: " هيء... هيء... هيء أضحى وجهكَ قنبلةً ذريةً ستعيدُ رسم خرائطِ العالم". رشقته بنظرةٍ مستنكرةٍ داعيا إياه التزامَ الصّمت حتى لا أفقدَ تركيزي. فأنا مُقدمٌ على فعلٍ لم أقم به في حياتي قطّ. أخرجتُ عُلبةَ مملوءةً بكبسولاتٍ قتلِ جرذان من محفظتي. وضعتُ الورقةَ السرّ في جيب قميصي. وتربصّت منتظراً بارتباكٍ وخوفٍ. كان موقعي يسمحُ لي برؤيةِ "نبيه" و"عيشة". كما أنهما كانا يربضان في موقعين يسعفانهما على مراقبة المجالِ بشكلٍ جيدٍ.
وصل العميدُ في سيارته BMW الفاخرةِ. نزلَ من السيارة بجبروتِ ملوكِ اليمن القدامى. كلُّ خطوةٍ يخطوها تَشِي بعنجهيةِ وَثّنَتْ نفسها على استصغار النّاس واحتقارهم. آهٍ، متى يعرفُ الإنسانُ قدرهُ؟ متى يفهمُ أنه مجردٌ كومةٍ متعفنةٍ لا تساوي شيئاً قياساً إلى الوجودِ المترامي. لحظةَ إطلالتهِ من الممر جعلتُ أصرخُ بأعلى صوتي مفجّراً عصورَ "الحگرة" المتوضّعة في أعماقي: "حـــرام عليك. حرام عليك. حرام عليك. حرام عليك. حرام عليك. هادشي حرام. هادا الظلم بعينو. فين هي العدالة والكرامة والمساواة والديموقراطية والحداثة والإنسانية الشاملة. واش أنا كلب...ذنوبي على رقبتكم...على رقبتكم...على رقبتكم...". كانَ العميدُ ينظرُ إليّ ببلاهةٍ وارتيابٍ. لم يكن كلامي موجّها إلى شخصٍ بعينه. التزمت قواعدَ اللعبة بشكلٍ حذافيريّ. وما حدثَ بعد ذلكَ لم يكن تمثيلاً. لقد غبتُ حقيقة عن الوجودِ. أُغميَ عليَّ نتيجة الاهتياج المفرط وارتفاع ضغط الدم. أسلمتِ الروحُ الداخليةُ قيادها للخطّة. ولا أعرفُ عن تتمةِ الحادثِ إلا ما حكاهُ لي "نبيه" و"عيشة" بعد الاستفاقة.
قال "نبيه": حينَ غبتَ يا صاحبي كان الممرّ مختنقاً بالطلبة. كانَ لعابُك يسيلُ على فخذي لزجاً، دبقاً، مشبعاً برائحة الموت. بينما كانت عيشة تتلوى على الأرضِ كأفعى شُطرت نصفين. وعلى مقربةٍ من يدكَ اليمنى كان تستلقي علبة الكبسولاتِ القاتلة. فهمَ الجميعُ أن الأمرَ يرتبطُ بانتحار طالبٍ مظلومٍ. حينَ هممت بإسنادكَ إلى الحائطَ ارتجفَ داخلي. أحسستك، حقيقةً، ميتاً. اعتقدتُ، لبرهةٍ صاعقة، أنكَ سئمتَ حياةَ الذلّ والمهانة وقرّرت وضعَ حدٍّ نهائيٍّ لحياتكَ. ندمتُ على اقتراحِ الخطّة. انثالت عليّ كلّ فواجع الدنيا. كانت الدموعُ تفيضُ من عينيّ كسيلٍ جامحٍ. ما أنْ رأت "عيشة" الدموع تسحُّ من عيني حتى اجتمعت داخلها كلّ نادباتِ العالم. كان الفضاء يضجّ بنعيبها: "يا حزين...يا حزين... عشت حزيناً ومُت حزيناً...الله ياخذ الحق ...الله ياخذ الحق فالقاتل الظالم...". كان العميدُ يقفُ مبهوتاً وسطَ هذه المناحة الأليمة. كان يهمهم سائلاً عن سبب الحادثة. فيجيبه الطلبة بعدمِ معرفتهم. طلب من رجال الأمن الخاص التدخل لفضّ الجمعِ، وهاتفَ سيارة الإسعاف، ثم اتجهَ صوبَ مكتبهِ مسرعاً بوجهٍ تَعْسُر قراءته.
بعدَ دقائقَ وصلَ "حمّادي" متبختراً أوّل الأمرِ. جسدٌ ملفوف في ثيابٍ صيفيّةٍ مزركشةٍ. أناقةٌ منقطعةُ النظير. لا تكتملُ فنونها إلا على هيكل "حمّادي". عندما لمحَ الجمعَ تحركت داخله مشاعرُ القبيلة ورغبة التلصّص وتَسقُّطِ الأخبار ساخنةً. ألوى رأسه كبذنجانةٍ تُغري بقطفها. حينَ رآني باكياً ورأى "عيشة" منكوشةَ الشّعرِ محمرّة الوجه ثم رأى الرغوةَ تفور من فمِ "حزين" رُجَّ حالهُ رجًّا. خُطفَ لونُ وجهه. وكأنّك استبدلت رجلاً بآخرَ معتمداً مخادعات السحرِ الخاطفة. نظرَ إليّ متسائلاً بخوفٍ:
- "شنو وقع أولدي "نبيه"...ياك لا باس.... إإإإإإإإإإإ.... مالو مسكين...مالو مسكين...فين هي سيارة الإسعاف...جيبوا الإسعاف...انقذوووووه...الروح عزيزة عند الله...". لحظةَ هممت بالردّ على "حمّادي".
ابتدرت "عيشة" صارخةً:
- "مات الحبيب يا أستاذ ...مات الحبيب...مات وخلّنا...مشى عند الله...مشى عند الله... الله يرحموا...الله ياحذ الحق في لي كان سبب الانتحار".
كانَ "حمّادي" يدور في مكانه كخلاطٍ كهربائيّ ألمانيّ. يركضُ إلى بابِ الكليةِ ثم يعودُ مسرعاً. يركضُ نحو باب الإدارة ثم يعود مهرولاً. يحملق في الكاميرات الــمُعلّقة في الزوايا والسقوف. يحدد مواقعها ويحصي عددها. عندما نظرَ إليّ مُستفسراً. مدَدْتهُ الورقةَ التي كانت راقدةً في جيب قميص "حزين". فتحَ الورقة وطفق يدمدم بصوت مرتجف النبر. كانت دمدماته تختلطُ بصفير سيارة الإسعاف فلم أعد أميّز بين الصوتين. صارت الدمدمة صفيراً وأمسى الصفير دمدمةً.
كانَ سروالُ "حمّادي" يهتزّ...
أسفلَ قدميه تشكّلت بركةٌ صفراءُ تفوحُ برائحةٍ ما...