الدرس اللغوي | أساليب الحجاج
في رحاب اللغة العربية | السنة الثانية من سلك البكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية | ص 253
الأستاذ: محمد البوعيادي
تقديم:
يقصد بالحجاج في المنطق الوسائل التي بفضلها يتمكن المتحدث من إثبات صحة أطروحته والفكرة التي يدافع عنها، وقد نشأت الكتابة في أساليب الحجاج وطرقه وأنواع الحجج منذ قديم الزمان، بدءا من الحضارة اليونانية، إذ ألف الفيلسوف أرسطو كتاباُ من سبعة أجزاء يشرح فيه الحجاج والمنطق: "منطق أرسطو"، وانتقلت الكتابة في الحجاج إلى الحضارة العربية مع حركة الترجمة في القرن الثالث الهجري، فوجدنا مؤلفات كثيرة في تفسير الحجاج، مثل كتاب الفقيه الأصولي أبي الوليد الباجي "المنهاج في ترتيب الحجاج" لشعور المفكرين والفلاسفة والعلماء بأهمية ضبط طرق استعمال الحجة في المناظرات الفكرية واللغوية والعلمية والدينية.
1. أقطاب الحجاج:
يتم توظيف الحجج والبراهين دائما في النقاش أو الحوار، لكننا نجده أيضاً في المقالات الأدبية والنقدية، فبعض النقاد يرد على الآخرين بخصوص شرحهم للنصوص الأدبية، إذ نجد اختلافا في تفسير تلك النصوص وشرحها، ولكي يُقنع الناقد قراءه بصحة قراءته وتفسيره هو يلجأ إلى استبعاد آراء النقاد الآخرين وإثبات فكرته هو باعتماد الحجج والدلائل. ففي النص الذي أمامنا نجد ثلاثة أقطاب (أطراف) مشاركة في تفسير مكانة التراث البلاغي العربي.
القطب الأول:
وهم النقاد الحداثيون الذين يقولون إننا لنتقدم لابد أن نبتعد عن التراث فلا فائدة منه. فهم ينظرون إلى التراث في مرآه مقعرة فيبدو صغيرا جدّاً.
القطب الثاني:
وهو النقاد السلفيون الذين يرون أن الواقع والحداثة لا فائدة منهما بل علينا الاكتفاء بتقليد القدماء فقط وتضخيم التراث، وهم ينظرون إلى التراث في مرايا مُحدّبة فيبدو أكبر من حجمه الحقيقي.
القطب الثالث:
وهو صاحب النص، ويقول إننا يجب أن نتعامل بموضوعية وعقلانية مع التراث العربي فلا نجعله صغيراً لا قيمة له ولا ضخما أكثر من حجمه، وهو ينظر إلى التراث في مرايا عادية.
2. أنواع الحجج:
ويعتمد الناقد في نصه ودفاعه عن موقفه الوسطي المعتدل على نوعين من الحجج:
أ. حجج التلفظ:
والمقصود بها هو الوسائل اللغوية التي يوظفها لتساعده على إقناعنا بفكرته، ومنها:
- الاستفهام: فقد استعمل الناقد سؤالا استفاهميا استنكاريا في النص : أليس هذا هو أبرز شروط الحداثة الغربية؟
- الأمر: حيث نجد الناقد يطلب من مخالفيه أن يتشجعوا ويحددوا الحداثة المزعومة التي بنوها حين ألغوا التراث العربي القديم باستعمال فعل الأمر: "فليحدد أحدكم معالم تلك الحداثة العربية التي أنتجتموها".
- التفسير: وقد استعمل حجة التفسير، فهو فسّر لنا جوهر عمله النقدي، إذ يريد أن يصل إلى حل وسط في التعامل مع التراث العربي القديم.
- الصور البلاغية: إذ يستعمل بعض النقاد والمفكرون تشبيهات ومجازات لإقناعنا بأفكارهم، ففي هذا النص مثلا اعتمد عبد العزيز حمودة على تشبيه بسيط ليفسر لنا موقفه من التراث: تشبيه نظرة النقاد للتراث بالمرآة. فهناك نظرة تجعل التراث صغيرا وهي شبيهة بالمرآة المقعّرة، ونظره تجعله ضخما وهي شبيهة بالمرآة المحدبة، ونظرة عادية بسيطة شببها بالمرآة العادية، وهنا نلاحظ أن التشبيه استعمل كحجة لإقناعنا بصحة موقفه.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك ححجا تلفظية كثيرة أخرى منها التوكيد والتعجب إلخ.
ب. حجج التنظيم:
وهي الحجج غير اللغوية والتي نستقيها من مصادر متعددة خارج النص:
- الاستشهاد: حيث يعتمد بعض النقاد على الاستشهاد من نصوص أدبية شعرية أو روائية أو من كتب نقدية أخرى وأقوال لنقاد أو فلاسفة آخرين.
- المثال: حيث يعتمد بعض النقاد والكتاب على إعطاء أمثلة تثبت الفكرة التي يدافعون عنها، فيعطون مثلا أسماء شعراء أو أماكن أو أحداث كأمثلة على ما يقصدونه.
- التقسيم (التصميم التحليلي): ويقصد به تقسيم الأطروحة أو القضية التي يتحدث عنها الناقد إلى أجزاء صغيرة ليسهل فحصها ونقدها والتعليق عليها، ثم بعد ذلك يمر للقضية التي بعدها ويقسمها أيضاً وهكذا دواليك، ونجد صاحب نص الانطلاق وظّف هذه الحجة، فقد قسم مواقف الناس من التراث إلى ثلاثة، ثم حلل كل موقف على حدة وبين عيوبه.
- التصحيح والتدقيق: حيث يعمد بعض النقاد لإثبات أفكارهم إلى تصحيح أفكار سابقة شائعة وتبيين مكمن الغلط فيها وهذا يؤدي بنا إلى دعم موقفهم.
- حجج متنوعة: حيث يمكن للناقد أن يوظف حججاً تاريخية أو عقلانية أو نفسية أو جغرافية إلخ.