مهارة المقارنة والاستنتاج


مكوّن: التعبير والإنشاء
مستوى: أولى باك | الشعب العلمية والتقنيّة

مهارة المقارنة والاستنتاج



مهارة المقارنة والاستنتاج





  أنشطة الاكتساب

I.            تقديم:

تهدفُ مهارةُ المقارنة والاستنتاج إلى رصدِ أوجه التشابه والاختلافِ بين موضوعين أو مفهومين أو قضيتين تنتميان إلى نفس المجال المعرفي أو تنتسبان إلى مجالين معرفيين مختلفين. وتعتمدُ هذه المهارة مجموعةً من الخطواتِ الإجرائية المتماسكة والمفضية إلى الاستنتاجِ المنطقي القويم. مَا السبيل، إذاً، لتشغيل هذه الخطوات بشكلٍ جيد؟

II.            الخطواتُ الإجرائية لتشغيل مهارة المقارنة والاستنتاج:

1.  قراءة النّص وتحديدُ موضوعه: 

أولاً؛ يتعينُ قراءةُ نص الانطلاق قراءةً متأنيةً بغية تحديد موضوعهِ. وقد يتخذُ نص الانطلاق شكل قصيدتين شعريتين، وقد يكون نصاً حجاجيا يطرحُ مفهومين مختلفين، وقد يكون عبارة عن مقولتين تعالجانِ قضيتين تتقاطعان وتختلفان.

2.  طرقُ المقارنة وعناصرُها:

ترتبطُ هذه الخطوة بتحديدِ أوجه التشابه والاختلاف بين موضوعين أو قضيتين أو مفهومين. وتتمّ بالاستناد إلى معايير خارجية وأخرى داخلية. ففي مقارنة نصين شعريين يمكن الوقوف -في المستوى الخارجي- عند نشأة الشاعر والظروف الاجتماعية والتاريخية والثقافية التي ترعرع في خضمها. تُعقد المقارنة، هنا، بين الشاعرين عبر تلمّس مواطن تشابه تجربتهما الحياتية ومواطن اختلافها. أما على مستوى المعايير الداخلية؛ يقتضي الأمرُ عقد مقارنة بين العناصر البنيوية المشكلة للنصّين؛ المتجلية في موضوع القصيدة والحقول المعجمية والصور الشعرية والبنية الإيقاعية والأسلوبية.

أما المقارنة بين قضيتين أو مفهومين فيمكن عقدها باعتماد المعايير السابقة، ولكن عبر تكييفها. وبعبارة أخرى، تقتضي المقارنة بين قضيتين الوقوف -في المستوى الخارجي- عند السياق التاريخي لنشأة القضية أو المفهوم وكيفية تبلوره. في حين ترتبط المقارنة الداخلية على تحديد أوجه التشابه والاختلاف على مُستوى المضمون والأفكار واللغة والأفق الفلسفي.

ملحوظة: يمكن الاستغناء عن معيار المقارنة الخارجية في حال عدمِ معرفة المتعلم للعناصر الخارجية المرتبطة بالمفاهيم المراد مقارنتها. أمّا إذا قُدّمت، كعناصر استثمار، في نص الامتحان، فينبغي اعتمادها.



3.  الاستنتاج: 

في هذه الخطوة نقوم باستجماع النتائج المتوّصل إليها بعد المقارنة، ينبغي أن تكون هذه النتائج مرتبطة، عضويا ومنطقيا، بالموضوع وألا تُحشر بشكلٍ متعسف واعتباطي.

4.  التّصميمُ المنهجيُّ:

يعتبر التصميم دعامةً مهمةً في بناءِ موضوعٍ إنشائيّ متماسكٍ ومنسجمٍ. إنّه مرتبطٌ بتنظيم الأفكار حسب أهميتها في بناء الموضوع. ويتألّف من ثلاثة أجزاء رئيسة:

1.  المقدمة: تقديم الموضوع المراد تحليله بشكلٍ عامٍ مُذيلاً بأسئلةٍ من قبيل: ما أوجه التشابه والاختلاف بينهما؟
2.  العرض: تشغيل خطوات المقارنة بشكلٍ منهجيّ ومنظمٍ. يمكن أن نقارن بين نصين أو قضيتين على المستوى الخارجي ثم نمر إلى المقارنة الداخلية. وتتمّ المقارنتين عبر استجلاء أوجه التشابه والاختلاف الخارجية ثم أوجه التشابه والاختلاف الدّاخلية.
3.   الخاتمة: تركيب النتائج المتوصّل إليها بعد المقارنة في فقرة منسجمة ومرتبطة عضويّاً بما سبقها.


   

III.            توجيهات التّحرير:

لكتابة موضُوع إنشائي جيد ينبغي لك:
·       الالتزام بالمنهجيّة المقترحة في مرحلة الاكتساب؛
·       تنظيم الموضوع وفق فقرات مترابطة ومنسجمة؛
·       ربط الأفكار بروابط لغوية متعدّدة تراعي السياق؛
·       استعمال علامات الترقيم؛
·       اختيار جمل قصيرة ومفهومة؛
·       اعتماد الحجج لإقناع القارئ بصحة الأفكار؛
·       استعمال مسوّدة قبل الشروع في التحرير النهائي؛
·       الاعتناء بالخط في أثناء التحرير النهائي.



IV.            التظهير/ التطبيق:


1.  المقارنة بين نصين شعريين:


يحبلُ الشّعرُ العَربيّ بنماذِج شِعريَّة بَدِيعة تَحتفي بالإنسانِ والقيّم الإنسانيّة الرّاقيّة، إنّها نماذج تكشفُ أصالة الإبداع وعمق الرّوح المبدعةِ. وتكشف، كذلك، تقطعاتٍ فنيّة فريدة ومتميّزة. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن قصيدة "صلوات في هيكل الحبّ" للشاعر أبي القاسم الشّابي، وعن قصيدة "أفياء جيكور" للشّاعر العراقي "بدر شاكر السّياب"، فقد اجترح هذان الشّاعران رؤية إبداعيّة تحتفي بالجمال وتتغنّى به، الأمر الذي يدفعنا إلى التّساؤل: ما أوجه الاختلافِ والائتلاف بين قصيدتيهما؟


تنطلقُ قصيدة "صلوات في هيكل الحبّ" للشابي، من تمجيدِ الجمال؛ جمالُ المرأة التي تَسْتَكْنِهُ فِي قَلْبِهَا رُوحَ الرّبيعِ. لهذا، نَجِدُ الشّاعر يَنْهَلُ ألفاظه من حقلين معجميين هُما، أساساً، المرأةُ والجمالُ. بالإضافة إلى هذا، وظّف الشّاعر في قصيدته مجموعة من التشبيهات (أنت رسم جميل/ أنت روح الرّبيع/ خطو موقع كالنّشيد) والاستعارات (الجمال يرقص/ روح الرّبيع تختال). والحاصل أن هذه التشبيهات والاستعارات جاءت لتحتفي بجمال المرأة الآخّاذ. بالموازاة مع ذلك، فقد نظم الشاعر قصيدته على نظام الشطرين المتناظرين والمتساويين مختتماً قصيدته بروي وقافية موحدين.
في حين تحتفي قصيدة "أفياء جيكور بجمال الطّبيعة، طبيعة قرية جيكور. تبعا لذلك، فقد اغترف الشاعر معجمه من حقليْ الجمال والطّبيعة، متوسلاً بتشبيهات تشفُّ عن بهاء القريّة (يا جدولا من نور/ ظل كأهداب طفل/ نافورة ماؤها ضوء القمر) وباستعارات قشيبة (في شاطئ نام فيه الماء/ ارتعاش الحلم). فضلا عن ذلك، نظم الشاعر -على خلاف قصيدة الشّابي- قصيدته على نظام الأسطر الشعرية الموزّعة على جسد القصيدة حسب الدّفقة الشعوريّة غير مكترث لمقتضيات وحدة الروي والقافية.


ولعل هذا الاختلاف في بناء القصيدتين يَجدُ مبرراتِهِ في اختلافِ الشّروط الموضوعيّة الُمؤطّرة لتجربة الشّاعرين. فعلى المُستوى الثقافي اطلع الشّابي على عيون الأدب العربي وتأثر بالحركة الرومانسيّة التي كان واحدا من أقطابها، على عكس السّياب الذي اقترن الإبداع عنده بالبحث في الثقافات الإنسانيّة في شُسُوعِ مداها؛ فِي فَترةٍ تاريخيّة شَهدت الكثير من النّكبات والنكسات، الأمر الذي استحثه على اجتراحِ نموذجٍ شعريٍّ مُتحرّر من قيود القصيدة التقليدية. أمّا عَلى المُستوى الاجتماعي فقد نشأ الشّابي في بيت ميسور وعائلة مثقفة، بخلاف السّياب الذي عاش في سهول القرية راقصاً تحت المطر أو نائما تحت نُور القمر. لذلك، جاءت قصيدته مترعة بجمال الطّبيعة على خلاف قصيدة الشّابي الذي آثر جمال المرأة في اكتماله وصفائهِ.
وفي المُحصّلة، نستشفّ من هذا المقارنة، أنّ القِصيدتين موضوع الدّراسة، قد تميزتا بجُملة من الخصائص المشتركة والمختلفة أيضاً، إلاّ أنّهُما وعلى اختلافهما، قد ائتلفتا في جوهر واحد: عمق الرؤية ودقّة التّعبير.






2.  المقارنة بين مفهومين أو قضيتين:


يعتبر الشعرُ والنثر نوعين أدبيين مُعبّران، معاً، عن الأفكارِ والرؤى والقضايا التي يعايشها المجتمع. إلاّ أنّ هذا لا يعني أنهما يتطابقان كليًّا، فلكل نوعٍ عناصر تشبهُ الآخر، وعناصر تختلف عنه: فما أوجه التشابه والاختلاف بينهُما؟


يأتلف الشعر والنثر في اعتمادهما اللغةَ أداةً للكشف والبوح والتعبير. إنهما يعبّران عن المشاعر والأفكار والقضايا عبر التوسّل باللّغة؛ ففنيَّتُهما تظهر من خلال الكلمات والعبارات المرتصفةِ في تراكيب وجمل دالةٍ.
غير أنّ هذا الائتلاف لا يعني تطابق هذين النوعين الأدبيين، فالشعر يكشفُ مكنونه عن طريق الانتظام الإيقاعي والموسيقي؛ فهو كلامٌ موزونٌ مرتهن بإكراهات القافية والرّوي. تنزعُ اللغة فيه منزعاً تصويريا؛ إذْ تحضرُ الموجوداتُ داخله مشبعةً بالاستعارة والمجاز. أما النثر فكلامٌ مُرسلٌ مُنسابٌ، لا يذعنُ لمقتضيات الإيقاع العروضي؛ إيقاعه يرتهن بالمعنى. تتميز حركة النثر بالحرية والانفلات. إنّه فضاء نزّاع، في الغالب، إلى التقرير لا التصوير.


نستشفُّ، في الأخير، أن الشعر والنثر وإنْ اختلافاً من حيثُ خصائصهما الفنية والبنائية، فإنهما يأتلفان في التعبير عن الفكر والوجدان الإنسانيين.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-