قيمة الجمال: جمال الكون | معروف الرصافي

قيمة الجمال: جمال الكون | معروف الرصافي

قيمة الجمال: جمال الكون | معروف الرصافي



المكون: النصوص                                  الأستاذ: عبد الرّحيم دودي

الموضوع: قيمة الجمال: جمال الكون | ص 143                                                                                  الكتاب: واحة اللغة العربية
   

  I.            تقديم:

يعتبرُ مفهوم الجمال، بما هو قيمة إنسانية عظيمة، مفهوماً شديد التعقيد. فقد كانَ مناطَ اختلاف بين المفكرين والفلاسفة، الأمرُ الذي يجعله مفهوماً زلقاً مرتبط بتقدير شخصيّ لا بمقياس موضوعي محدّد. غير أنه يمكن أن نعرّف الجمال، تجاوزاً، بكونه تجسيداً لمظاهر الانسجام والتناغم والنظام التي تستطيع استثارة مشاعر الإعجاب عند الإنسان. وتحتفي الكثير من قصائد الشعر العربي بهذه القيمة، ولعلّ أبرز هذه القصائد قصيدة "جمال الكون" للشاعر "معروف الرصافي". فكيف يتجلّى الجمال فيها؟


II.            ملاحظة النص:

1.     قراءة العنوان: وردَ العنوان عبارةً عن جملة اسميةٍ حُذفَ مبتدؤُها. ويحيلُ، دلاليا، على قيمة الجمال حين يتبدى في عناصر الكونِ مُذهلاً العقول وفتَّانا للنفوس.
2.     فرضية القراءة: نفترضُ، انطلاقاً من قراءة العنوان وبدايةِ القصيدة ونهايتها، أنّ الشاعر سيتغنى بقيمة الجمال المتبدّي في عناصر الكون.



III.            فهم النّص:

1.    الوحدة الدلالية الرئيسة:

-        وصفُ الشاعر، بإعجابٍ كبيرٍ، مظاهر جمال الكونِ المتجلية في امتداد الفضاء وإشراقة النجوم وإنارة القمر وجلال البحر مبرزاً آثار هذا الجمال على نفسيته.

2.    الوحدات الدّلالية الصغرى:

-        وصف الشاعر الفضاءَ العجيبَ المديد المرصّع بالنّجوم التي تسبحُ حولَ شمس تتركّح على عرشهِ صادحة بنورٍ عميمٍ؛
-        بيان الشاعر مواطن جمال البدر المنير في ليل مهزوم مغلوب على أمره، موضحاً حركة نور البدر المتناغمة مع موسيقى البحر.
-        إبراز الشاعر جيشان صدره بمشاعر الإعجاب والذهول بفعل مظاهر جمال الكون اللامتناهي.


  

IV.            تحليل النص:

1.    الحقول المعجميّة:

حقل دال الطبيعة: الفضاء العجيب، النجوم، تضيء، لهيب، ضياء، الغدية، العشيّ، البدر، البحر، أزهر، الماء، اللامعين، جن الظلام
حقل دال الإنسان: صدرك، عينك، أم، ثغر، نفسي، الكريم، تأملت، جاش صدري، ضاحكٌ، قصدنا، مليحة، بجانبي، سريت...
العلاقة: العلاقة بين هذين الحقلين علاقةُ تناغمٍ وانسجام، فهذان الحقلان يشيان بتناغم الجمال الإنساني والطبيعي حدّ التماهي.

2.    الصور الشعرية:

وظّف الشاعر جمَّاعاً من الصور الشعريّة التي اتخذت من التشبيه والاستعارة والمجاز منطلقاً لها؛ غير أنّنا نسجل أنّ هذه الصور اصطبغت بطابع تشخيصيّ يتجلى في أَنْسنة (personnification)، عناصر الطبيعة. ومن الصور الكاشفة لهذا الضرب من التعبير الشعري الاستعارات التالية (عينكَ (يقصد الشّمس) أمّ النجوم، صدرك (يقصد صدر الفضاء) يأبى الانتهاء، ثغر الماء، وجه البحر ضاحكٌ). ونجد أيضا التشبيه الوارد في البيت السادس لا يحيد عن هذا المنزع؛ حيث شبّه الشاعر البدر المختالَ ليلاً بمليحة ذات جمال مهروق.
تضطلع هذه الصور الشعرية بوظيفتين رئيستين: الوظيفية الأولى إضفاءُ طابعٍ جماليّ على روحِ القصيدة. ووظيفية ثانية تتأسس على توسيع أفق التعبير الشعري ليشمل مناطق الانفعال والإحساس.


3.    البنية الإيقاعية:

وظف الشاعر، على مستوى الإيقاعي الخارجي، بحرَ الوافر (مفاعلتن، مفاعلتن، فعولن)، واعتمد قافيةً متواترة (/0/0)، ورويًّا موحّداً (حرف الباء). أما على مستوى الإيقاع الداخلي، فنسجلُ توظيفهُ دزينة من التَّكرارات، نسوق أهمها فيما يلي:
·        تكرار التطابق: البدر/ البحر/ الماء/ وجه
·        تكرار الاشتقاق: عجيب، عجبت/ تضيء، ضياء/ تطرب، طروب
·        تكرار التقابل (المقابلة): الغدية مطلع/ العشيّ مغيب
·        تكرار الترادف: السنا، الضياء/ شنيب، لامع
أسهمت هذه التكرارات والموازنات الصوتية، أولاً، في إضفاءِ توترٍ موسيقي وإيقاعي على بنية القصيدة، وثانياً، في تأكيد المعنى العام الذي يسعى الشاعرُ إيصاله.

4.    البنية الأسلوبية:

يهيمن أسلوبُ الخبر على القصيدة بقوةٍ، فكلّ الجمل الواردة فيها خبريَّةٌ، وقد أسعفَ الخبرُ الشاعرَ في إيصال فكرته البادية في كونِ قيمة الجمال قيمة تخترق الكون برمّته متبديّةً في كلّ عناصره.


V.            تركيبٌ وتقويمٌ:

يتغنى الشّاعر في قصيدته بقيمة الجمال المتجليةِ في عناصر الكون التي تتحرك وفقَ حركة متدفقةٍ بتناغمٍ، وانسجام، وانتظام. وقد وظفَ الشاعر، في عملية بناء القصيدة، بنية معجميةً يتوزَّعُها الطبيعة والإنسان. ودبّج قصيدته بصورة شعرية اتخذت من أَنسَنة عناصر الطبيعة أساساً لها، فنحن لا نكادُ نميزُ صورة لا يتعانق فيها جمال الإنسان ببهاء الكون. فضلاً عن ذلك اعتمد إيقاعاً خارجيا قوامه بحرُ الوافر وقافية متواترة، وإيقاعاً داخليّاً عمادهُ التكرار بشتى ضروبه. وأعتقد أنّ القصيدة عبّرت عن قيمة الجمال باعتبارها قيمةً تسمو بالروح الإنسانية إلى مدارجِ الصفاء والنقاء الروحيين.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-