بهيّة الخضراء | توفيق الحكيم

المكوّن: درس النصوص

بهيّة الخضراء | توفيق الحكيم

السنة الثانية من سلك البكالوريا؛ مسالك العلوم



بهيّة الخضراء | توفيق الحكيم


تقديم

المسرح فنّ حديث العهد في الأدب العربي، ورغم ذلك، فقد حقق فيه العرب تراكُماً كميّا ونوعيّاً في عصرنا الراهن. والمسرح، في تعريفه البسيط، شكل من أشكال الفنّ التي يعبّر من خلالها الإنسان عن قضاياه اليومية وانشغالاته الفكريّة بأسلوب جمالي.
وللتأليف المسرحي آلياته وشروطه، التي تختلف عن الشعر والقصة رغم التقاطع الممكن، فالمسرحية يمكن أن تكون شعرية، وهي من دون شك، تتضمن قصة تتطور عبر مراحل المسرحية، غير أنها تتميز ببنائها القائم على الفصول والمشاهد التي تتخللها حوارات متتالية، تعكس الصراع الدرامي المتنامي حتى النهاية، التي تستقر على حل ما، أو تترك ذلك للجمهور، وهو ما لا نجده في الفنون الأخرى التي تتميز بدورها بآليات ومقومات جمالية لها نكهتها الخاصة والمتميزة.
ويقوم النصّ المسرحي على عناصر جمالية أساسية هي:


أ. الحبكة: وهي الجزء الرئيسي في المسرحية، وتقوم على مجموعة من المكونات البنائية: كالتقديم والإيماء والتعقيد والأزمة، والذروة، والحل. والحبكة لا تعني مجرد القصة وإنما تعني التنظيم العام لهذه المكونات بهدف تحقيق تأثيرات فنية وانفعالية معينة.
ب. الشخصيات: وهي التي تتبادل الأدوار والحوار، فتساهم في التصعيد الدرامي للأحداث. ورسم الشخصيات عملية هامة في كتابة المسرحية، وتعني جعل كلّ شخصية في صورة تخالف صورة الشخصيات الأخرى.
ج. الموضوع: وهو المضمون الذي يعرض فيه كاتب المسرحية وجهة نظره من القضايا العامة التي يعرفها عصره. فكلّ مسرحية مهما كانت لا تخلو من وجود آراء ووجهات نظر وعواطف تفصح عنها أقوال الشخصيات وأفعالهم، وكلها تهدف إلى تأكيد الموضوع المعالج، وتدل على المغزى العام من المسرحية.

د. الحوار: وهو الكلام المتبادل بين الشخصيات، ومن وظائفه تطوير الحبكة. والحوار المسرحي غير المحادثة العادية. فالمحادثة استطرادية وليست لها غاية، أما الحوار المسرحي فتسيطر عليه بشكل عام وظيفة المشهد الذي يكون هذا الحوار جزءا منه، وهو يطور الحبكة ويلقي المزيد من الأضواء على طبائع الشخصيات المتحاورة ودوافعها. والحوار في المسرحية قد يتم في صيغة شعرية أو نثرية فصيحة أو عامية.

1. ملاحظة النصّ

١. عتبات النصّ

• بناء على ملاحظتنا وتأملنا للشكل الطباعي للنصّ، نسجل أنه يتميّز بعدة فوارق عن النصوص الأخرى التي سبق لنا التطرق إليها في المحاور السابقة، لعلّ من أبرزها: تقديم الشخصيات في بداية النصّ، أسماء الشخصيات المتحاورة البارزة بلون مغاير، الجمل الإنشائية القصيرة، كثرة علامات الاستفهام والانفعال، نقط الحذف، الإرشادات المسرحية المدرجة بين قوسين، الحوار الدرامي المتنامي حتى النهاية.
• يوحي عنوان النصّ، بهيّة الخضراء، بالجمال والحسن والنضارة، فبهيَّة، والجمع للمؤنث: بهايا؛ بَهِيَّةٌ فِي جَمَالِهَا: جَمِيلَةٌ، فاتِنَةٌ، وبهيُّ الطَّلعة: جميل الخلق، ذو حُسن وجمال. والخضراء، نسبة إلى الخضرة والاخضرار، أي الحياة والشباب.
• انطلاقاً من دلالات وإيحاءات عنوان المسرحية التي اقتُطف منها النصّ، ومن الجملة الأولى فيه، نفترض أنه نص حواري/ مسرحي سيدور الحوار فيه عن موضُوع العلاقات الزوجية والحوارات اليوميّة التي تتخلّل حياة الأزواج.

2. فهم النصّ

١. الفكرة العامة

يستعرض النصّ حياة هادئة لزوجين ارتبطا ببعضهما أزيد من أربعين سنة، ويصور طبيعة العلاقة المتفرّدة التي تجمعهما؛ فموضوع الحوار، على طول النص، شيئان مختلفان، لكن المتحاورين سمياهما بإسم واحد، ووصفاهما بصفات مشتركة، ذلك أن الزوجة تقصد السقط الأول أي الجنين الضائع، والزوج يحيل إلى شجرته وثمار البرتقال الخضراء التي سقطت.

3. تحليل النصّ

١. الشخصيات:

يقدّم النصّ مجموعة من الصفات والمعلومات عن طرفي الحوار المسرحي؛ الزوج والزوجة:
• الزوج: بهادر، مهموم بحديقته وشجرة البرتقال، مفتش قطار سابق...
الزوجة: في نحو الستين، شعرها أشيب، ثوبها أخضر، مشغولة بأعمال إبرتها، مهووسة ومفتونة بالجنين الذي أسقطت في الشهر الرابع...

٢. المكان:

من المشيرات النصية الدالة على المكان في النصّ: وأنشأنا هذا المنزل الصغير وهذه الحديقة...، النافذة، اترك شجرتك الآن وادخل...
وبالتالي فمجريات مشاهد المسرحية والحوار الذي يهيمن عليها تتأطر ضمن فضاء مكاني خاص وحميمي (المنزل والنافذة المطلة على الحديقة الجميلة) بالنسبة للشخصيات المتحاورة.

٣. الزمن:

يعكس الحوار بين الزوجين بعدين لتحوّل الزمن، إذ تتداخل وتتقاطع ذكريات الماضي المنصرمة، وأحاديث الحاضر الحيّة، الشيء الذي ساهم في تعميق هوّة الالتباس والغموض بين مقاصد كل شخصية من كلامها، مما أدى إلى سوء التواصل والفهم، المقصود، ربما، بشكل عبثي.

٤. الأسلوب

الأسلوب المتبنى في هذا المشهد هو الأسلوب الحواري على اعتبار أن الخطاب المسرحي في العمق لا يمكنه القيام إلا في إطار تداولي. وقد جاء الحوار في هذا المشهد ثنائيا بين الزوج وزوجته، مسترسلا بالتناوب بينهما. واعتمد على جمل بسيطة أو أجزاء منها، فجاء مقتضبا ومركّزاً. وتترابط تدخلات المتحاورين بواسطة الجمل الإنشائية الطلبية والاستجوابية التي تقوم على تقنية السؤال والجواب، مع التنويع في الأساليب بين الاستفهام، والأمر، والنداء، والانفعال، والتعجب. كما يتميّز الأسلوب بعدم اكتمال بعض الجمل وترك نقط الحذف.

٥. الإرشادات المسرحية

تتخلل الحوار مجموعة من المقاطع السردية تسمى الإرشادات المسرحية، وهي عبارة عن إشارات مشهدية ترد بين قوسين، وتقدم معلومات جزئية عن الشخصيات المتحاورة فيما يتعلق بأسلوبها في الحوار والتعامل، وحالاتها النفسية أو الوجدانية، كما أنها تؤطر تدخلاتها. كما تقوم الإرشادات بوظيفة الربط، وترد في مقدمة المشهد، وتتخلله بعد ذلك فيما يلي من مقاطع.

4. التركيب والتقويم

بناء، على كلّ ما سبق، نخلص إلى أن المقطع المسرحي "بهيّة الخضراء" للكاتب المصري توفيق الحكيم، قد جسد حوارا روتينيّاً بين زوجين فقيرين يعيشان في وفاق وتفاهم، لكن كل طرف منهما يتحدّث عما يمليه عليه تفكيره واهتماماته وهواجسه. فالزوجة تستعيد ذكرى الجنين الذي أسقطت، في حين يتحدث الزوج (بهادر) عن حديقته (شجرة البرتقال، السحلية...). وقد وظف الكاتب معظم عناصر الفن المسرحي من شخصيات وحوار وصراع درامي وإرشادات مسرحية وزمان ومكان. إلاّ أن المسرحية خلت من الحبكة وذلك لأنها تنتمي إلى ما يسمى بمسرح العبث أو اللامعقول، والذي كان الحكيم من أبرز رواده في العالم العربي. وهكذا يكون النص قد حقق جمالية تكمن في الجمع بين المأساة والملهاة.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-