الحداثة | عبد القادر العلمي

الحداثة | عبد القادر العلمي


الحداثة | عبد القادر العلمي


إذا كنا لا ننازع في أنّ الحداثة نشأت وأعطت ثمارها في الغرب، فإن هذا لا يعني أنّ باقي مناطق العالم لم تعرف الحداثة، أو أنها غير مؤهلةٍ لذلك، أو لم تكن لها أيُّ مساهمة؛ لأن العقل الذي هو مفتاح الحداثة لا تملكه شعوب دون أخرى، ولم ينشأ في حضارة دون غيرها؛ كما أن الحداثة لم تأت من فراغ، وإنما بُنيت وتشكّلت مختلف مجالاتها من التراكمات العلمية والمعرفية؛ التي هي من إنتاج علماء ومفكرين ينتمون لحضارات متعددة، وعصور متعاقبة...

لهذا، فإنّ امتلاك مفتاح الحداثة، يكمن في إعمال العقل لأجل مساءلة النظرية الفكرية، والأنظمة السياسية، والظواهر الاجتماعية، والتقاليد والأعراف السائدة، ومواجهة كل ما يحيط بحياة الإنسان بنظرة فاحصة، ورؤية نقدية؛ بهدف التصحيح المستمر للأخطاء، والتقويم المتواصل للمسار، وتطوير وسائل وأنماط العيش. إذ لا يمكننا أن ننتظر المعجزة لتنقلبَ الأوضاع، ويتمّ التغلب على العوامل المعيقة لعملية التحديث، كما أنّ الشعارات وحدها لا تغيِّر أي شيء، ناهيك أنّ مجرد التبنّي النظري لأفكار حداثية من لدُن بعض النُّخب يبقى تأثيره محدودًا. لذا لا بدّ من توفر مجموعة من العناصر المتكاملة لامتلاك شروط وأهلية ولوج عالم الحداثة، ومن أهمّها:


• وجود إرادة حقيقية وقوية لدى سلطة القرار، ولدى مختلف المكونات الفاعلة والمؤثرة في المجتمع. 
• ارتكاز الإرادة على مرجعية ثقافية حداثية، واقترانها بالوعي الكامل بما يتطلبه التحديث من تجاوز لكل ما هو متآكل ومهترئ وفاسد من التقاليد والأعراف والطقوس. 
• التغلب على عوامل تجميد الفكر، وإعادة الاجتهاد المتَنوِّر، والانفتاح الواعي على كل ما هو إيجابي في الثقافات والحضارات الإنسانية الحديثة، والبحث في ثناياها عن مكامن التطور، والارتقاء نحو الأفضل. 
• تحرير عقل الإنسان، وإطلاق طاقاته الإبداعية والنقدية، وتأهيل الموارد البشرية للانخراط الفرديّ والجماعي في بناء المجتمع الحديث الذي يتيح الحريات، ويوفّر الضمانات الكافية لاحترام حقوق الإنسان، وحقوق المواطنة؛ بما تعنيه من حرية النقد والمشاركة بفعالية في الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية...

المرجع: "في الثقافة السياسية الجديدة"- عبد القادر العلمي، منشورات الزمن، ص 124 وما بعدها بتصرّف.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-