دروس جذع مشترك علوم: النصّ السردي


                   
دروس جذع مشترك علوم: النصّ السردي


                    دروس جذع مشترك علوم: النصّ السردي          

طيُورُ البَحْرِ

أدرَكت أنّ مَا سمعتهُ البارحَة كلُّهُ صِدْقٌ، فالكيسُ الّذي تحملُهُ على ظهرها ممْلوءٌ تماماً، ولذا شعرَت ببَعضِ الانشراح. ففي هذا المساءِ يُمكنها أن تبيعَ كلّ الكيس. وبذلكَ تحصُلُ على بعضِ الدّراهِمِ...
وقبلَ أنْ تصِلَ القنطَرة ألْقَت نظرةً خاطفَةً إلى الوادي، ثمّ التفَتت إلى الجهةِ اليُمنى مُحاولةً أن تُبْعِدَ عنْ ذهنها ما قدْ يُثيره منظرُ الماءِ في داخلها، غيرَ أنّها لم تُفلح. فسلسلة الأحداث الّتي مرّت بها لا تزالُ مُتماسكةَ الحلقاتِ، تسلّمُها حادثةٌ إلى أُخرى..الجيرانُ من حولِها، كانت مياهُ الفيضانات تفصِلُها عنهُم..وعندَما انسَحبت المياهُ، عادت إلى خيمتها فَلَم تجد زوجها ولم تجد الخيمة، ولم تجدْ شيئاً، فلقد جرفتِ المياهُ كلّ شيءٍ، وتيقّنت أنّها أصبحت وحيدةً لا تملكُ شيئاً. وسألت يومَها ماذا يستطيعُ المرءُ أن يصنعَ بعدَ أن يبقى وحيداً؟

وفي القنطرةِ الكبيرة التي تربطُ المدينة الصغيرة بالعاصمة، شاهدت الماء يجري من تحتها، فوقفت قليلاً ترقُبُهُ في شرودٍ، ثمّ لفتَ نظرهاَ طفلٌ صغيرٌ يُلقي بقطعِ الخُبز إلى طيُورِ البحر. والطفلُ الصّغيرُ منشرحٌ ممّا يصنعُ، غيرَ أنّ طيُورهُ الّتي كانت تحُومُ حولهُ أخذت تبتعدُ عنهُ لمّا انتهى ما يحملُهُ معهُ من خُبزٍ.
رقّت لحالهِ عندَما رأتهُ ينظُرُ إلى الطيورِ في اكتئاب، وأخرجتْ من كيسهَا خبزاً سلّمتهُ إليهِ، ثمّ شرعَا معاً يرمِيَان بالخُبزِ إلى الطيور وهما يبتسمان. الخبزُ ينقُص مرّةً تلوَ الأخرى..فكّرت في أن تحتفظَ بشيءٍ لعَشائها، ولكنّها لمّا شاهدت أنّ الطيورَ تُغطّي سماءَ القنطرة، وأنّها أشدّ منها جوعاً، فضّلت أنْ تُؤْثِرها على نفسها، فقاسمت الطّفل ما بقيَ في قعرِ الكيس من خُبزٍ، ثمّ أخذا يُلقيان بهِ إلى الطُيور وهما يضحكان.


      محمد إبراهيم بوعلو، السّقف، دار النشر المغربية – الدار البيضاء، ط 2، 1975، ص 109 ومابعدها (بتصرّف).



تعليقات