دروس أولى باك: الإنسان ومشاكل الهجرة




دروس أولى باك: الإنسان ومشاكل الهجرة


ارتبطت الهجرة من بلدان المغرب العربي بمرحلة الاستعمار وما تلاها، وقد شكّلت فرنسا أكبر قطب جذب، وذلك يعود أساساً إلى الروابط الاستعمارية التي كانت قائمة بينها وبين دول المغرب العربي. لقد واجهت فرنسا نقصاً في العمالة بشكل غير مَسبُوق، ونتج هذا بسبب انخفاض معدّل المواليد على نطاق واسع، وترافق مع خسائر بشرية كبيرة في الحرب العالمية الثانية. ودون استخدام العمالة الأجنبية كان الاقتصاد الفرنسي سيتأثر بشدّة. ومن أسباب استقدام فرنسا للمهاجرين حاجتها إليهم في الجهد الحربي خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبعد انتهاء الحرب، تحوّل هؤلاء المهاجرون للعمل في المصانع والمزارع والأعمال الأخرى ليُسَاهِمُوا في إعادة بنَاء الاقتصاد الفرنسي الذي أنهكته الحرب.



ومن المشاكل التي واجهها المُهاجرون إلى البلدان الأوروبية صُعوبة الاندماج في العالم الجديد. وليس معنى الاندماج هُنَا الانصهار في المجتمعات المُضيفة، لأنه من حقّ كلّ إنسان أن يحتفظ بهويته الثقافية أو الدينية، ولكن المقصود درجة التواصل مع المجتمع المُضيف، واكتساب مهارات تؤهّل المهاجرين للانخراط في الحياة العامة بشكل إيجابي، على أن يسُود مبدأ تكافؤ الفرص بشكل عادل.
ويشمل الاندماج النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليم، ودرجة اكتساب لغة البلد المُضيف، لأنّه من دون ذلك يُعاق بشكل جدي الاندماج في المجتمع في الكثير من جوانب الحياة. إنّ الاندماج عملية تراكمية تستَغرق وقتاً طويلاً، ولها في نفس الوقت عوائق تحدّ من وتيرة سرعتها. لقد كان الجيل الثاني الذي ولد في أوروبا أكثر قابلية للاندماج في المجتمع المضيف. ويعود هَذا لعدّة أسباب منها: التمكّن من لغة البلد المُضيف، وارتفاع المُستَوى التعليمي والثقافي، وانخراطهم السّهل في سُوق العمل أكثر من آبائهم.

تتبنّى الحكومة المغربية مقاربة تقُوم على تقوية الروابط التي تجمع الجالية المغربية بوطنها، بما يحفظ هويتها ويصُون خصوصيتها الثقافية، وذلك بالموازاة مع دعم جهودها ومبادراتها للاندماج بشكل أفضل في بلدان الإقامة، معتبرة أنّ نجاح المهاجرين في الاندماج الجيّد بهذه البلدان، يشكّل استثماراً كبيراً على المدى البعيد، وإغناء له في الآن ذاته.
-     د. هاشم فياض، "هجرة العمالة من المغرب إلى أوروبا"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، قطر، دجنبر 2011، ص: 24 وما بعدها، بتصرّف.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-