رواء مكة | حسن أوريد

رواء مكة



رواء مكة 

عبد الرحيم دودي


تقدّم لكم(ن) مدونة منهجيّتي، في هذا الركن الثقافي والأدبي المتفرّد، اقتباسات عن الحياة من افضل كتب للقراءة، وهي كتب عن الحياة وكتب علم النفس، مقتطفة من كتب قراءة، وكتب للقراءة، وأيضاً كتب تطوير الذات، متاحة كتب الكترونية pdf، كتب علم النفس pdf، كتب التنمية البشرية، وهي كتب اللغة العربية، من أجل تشجيع الجميع على قراءة كتب : كتب بالانجليزي، كتب في علم النفس، لأنها كتب مجانية، تتنوع بين كتب تاريخية وكتب قانونية ودوستويفسكي كتب، زد على ذلك كتب انجليزية pdf بالإضافة إلى أن هناك مجموعة كبيرة من كتب تنمية الذات



استأثرتْ السّيرة الروائيّة "رَوَاءُ مكّة" للكاتبِ المغربيّ "حسن أوريد" باهتمامِ قطاعٍ كبيرٍ من متتبعي الشّأن الأدبي بالمغرب والعالمِ العربيّ. يرتبطُ الأمرُ بنصٍ سير-روائي أُعيدَ طَبْعهُ في المركز الثقافيّ العربيّ بعدَ أنْ صدرت طبعتُه الأولى عن دار الأمان سنة 2017. فبعدَ أن نامَ النّص على رفوف المكتبات المغربيّة والعربيّة سنتينِ ونيّف هو ذا يستحوذ على السّاحة الأدبية مُفجراً جدلاً واسعاً في مواقعِ التّواصل الاجتماعيّ. ويدفعنا هذا الأمرُ، حقاً، إلى التّساؤل: ما السبب الذي فجرّ مكنوناتِ هذا النصّ بعد أن ظلت راقدةً حيناً من الدّهر؟ هل للأمر صلة بقوةٍ أدبيّةٍ رمزيّةٍ استفاقت من هَجْعَتِهَا بعدَ أن وجدتْ قارئ حيًّا؟ ألا يرتبطُ هذا الاستيقاظُ المفاجئ باعتبارات أخرى أم أن النّص كانَ، دوماً، حيًّا لكن لم يجد من يفتكّ ظلاله المحتجبة؟

يحكي النصّ جمّاعاً من الوقائعِ المُرتبطةِ برحلةٍ وجوديّة عاينها رجلُ سياسةٍ وثقافةٍ مغربيّ يدعى "حسن". وتعكس هذه الوقائعُ تحوُّلاً في رؤيّة هذا الرجلِ للوجودِ والحياة والفكر والدينِ. يتبدّى التحوُّل، على نحوٍ جليٍّ، في رحلة الحجّ التي قامَ بها "حسن" مُكرهاً. ولتسويغها أقنعَ نفسه بأنّ الأمرَ لن يرتبطَ بطقوسٍ دينيةٍ بل بتأملٍ أنثروبولوجيٍّ غايتُه فهم أبعادِ هذه الممارساتِ الدينية وأعماقها البعيدة. 

لكن ما إنْ شرعَ "حسن" بالاشتباكِ الرّوحي في مناسك الحجَ حتى امّحت سلطة العقلِ الرّاصد، وحلّت محلها فيوضٌ روحيةٌ اخترقت الذّات الرّاصدةَ وأحالتها إلى ذاتٍ أخرى تستبطنُ العالم في دواخلها. هنا يصيرُ "حسن" شخصاً آخر. شخصٌ يعانقُ ذاتهُ بعيداً عن ذاته. لقد كانت قوة الرّوح أشدّ صعقاً من صلافة المنطق العلماني المنتصب على سلطة الفصل والشرخِ والتقسيم. فالروح ائتلافٌ وتواشجٌ وانسجامُ العناصر في كُلٍّ لا نتفصم عراهُ. أما العقل فتقييد وفصلٌ وتمييز هذا عن ذاك. للعقل سلطة على الظاهر والمحسوس والمرئي. وللروح سلطة على الخفي والمتواري واللامرئي.

هي ذي الرّحلة التي تمَّ عرضها، تقريراً، بلغةٍ بليغة متماسكة وبينةٍ، تسيلُ في مسارات سرديّة خطيّة ومتتابعة لا التواءَ فيها ولا دوران. لكننا نسجّلُ ملاحظتين رئيستين لا تثلبان النّص قيمتهُ بقدر ما تضعانه في موضعهِ الحقيقي بعيداً عن كلٍّ تقديرٍ متسرعٍ أو نقدٍ متملقٍ. 

تتحدّد الملاحظةُ الأولى في كونِ هذه السيرة الرّوائية اتكأت، في عرضِ مضمونها، على التقرير والتوثيق. وهذا لا ينقص من قيمتها شيئاً لكنه يجعلها، في تقديري، أقلّ من رواياتٍ أوريد الأخرى. ذاك أنّ ممكناتٍ الرمز أكثر قدرةً على استيعاب التجربة الوجودية ل"حسن أوريد" من التقرير. بيان ذلك أنّ "باشكوال" في رواية "ربيع قرطبة" كانَ نموذجاً رمزيّاً احتضنَ تجربةَ "أوريد" السيّاسية وألمحَ، بأسلوبٍ صاعقٍ، إلى مختلفِ أزماتها ونكساتها من داخل الرمز التاريخيّ. ويمكن الحديث، هنا، عن الرمز لا بعدِّه إيحاءً ولكن بحسابه دفعاً بالحدودِ إلى الانمحاءِ فيتأبى أمرُ الفصلِ وتتمنعُ الإدانة عن تصريف مقاديرها.

أما الملاحظةُ الثانيّة؛ فمؤداها أن الإعجاب الذي نالته هذه السّيرة الرّوائيّة، لم يكن استجابة طبيعية من قارئ يفتشُ عن نصّ جيدٍ وينكشُ طبقاته بحثاً عن احتمالاتٍ رمزية أو دلالات محتجبة لا تراها إلا عينٌ تعشقُ اندلاع الظلال. لقد كان هذا الإعجابُ نتيجةَ دعايةٍ متسرعةٍ لم تقرأ النص لكنها قرأت ما بنفسها؛ فتبدّت لها أمورٌ وغابت عنها دلالاتٌ. وحجتنا في هذا أن الكاتبَ لو قلبَ رحلتهُ، فجعلَ مُنطلقها حَجاً ومنتهاها فكراً دُنيانيًّا علمانيًّا ما كان لصاحب الدعاية أن يقف مبجلاً كما وقف. وما كانَ للرواء، ربّما، أن تحرز ما أحرزته.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-