منهجيات اللغة العربية
للسنة الثانية بكالوريا آداب وعلوم إنسانية
مهارة كتابة إنشاء أدبي حول: نص شعري
القراءة الأولى:
تنطلق في هذه القراءة لتتعرّف مختلف مستويات وعناصر النصّ الشعري، وتحدّدها تحديداً أوليّاً لإنجاز مهارة كتابة إنشاء أدبي حول النص، عبر استحضار مجموعة من الإجراءات المتدرجة والمتضافرة قبل (وأثناء) الشروع في الكتابة؛ كالحرص على جمع الأفكار والمعارف المختلفة، قصد الاستعانة بها عند التحليل...
1. مقدّمة الموضوع
أ. المستوى الطباعي (الخارجي)
١ - العتبات النصيّة:
يعتبر تلقي الشكل الطباعي للنص الشعري، والتقاط مشيراته وخصائصه الخارجية الخطوة الأولى في إنجاز هذه المهارة؛ فمن خلال هذا اللقاء الأولي بالنص تتولد مجموعة من الانطباعات الهامة والمؤثرة في مسار قراءته وتحليله، ومن ثمة تتمكن من استخلاص عدد من الملاحظات والفرضيات والتوقعات التي يمكن اعتبارها المنطلقات الأساسية لكتابة مقدمة موضوع الإنشاء، وطرح إشكاليته. فمن خلال عنوان النص الشعري، وتصديره (إن وُجد)، وتوزيعه المقطعي، ونظام قوافيه ورويّه، والعلاقة بين بدايته ونهايته، وكذلك مظهره الكتابي وشكل تجسده على بياض الصفحة...إلخ... فضلا عن اسم مبدعه، وعنوان ديوانه الشعري، وتاريخ ومكان طبعته، وربط ذلك كلّه بنوعه وجنسه الفني والأدبي (غنائي، ملحمي، مسرحي... كلاسيكي - عمودي/تقليدي، موشح، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر...)، والسياق التاريخي والثقافي، أو العصر الذي اكتملت فيه نشأته وظهر فيه إلى النور، والاتجاه الفكري الذي يمثّله... إلخ...
من خلال هذه العتبات النصيّة، وانتقاء ما يبدو منها مناسبا ومفيداً في كتابة الإنشاء الأدبي، يتسنى لك إدراك أهميّة الموضوع، وتأطيره في سياقه العام، ومن ثمة تتمكن من صياغة إشكاليته وطرحها...
٢ - الإشكالية
وتتم صياغة إشكالية الموضوع وطرحها بعد تحديد عناصرها ومكوناتها مع العمل في ذلك على مراعاة طابعها الكلي والشامل، ونقلها من إطارها العام إلى سياق خاص ومحدّد يُعنى ب: قضية، أو اتجاه، أو مبدع.
القراءة الثانية
وتحرص فيها بعد إلمامك بمقدّمة الموضوع، على الانطلاق في إنجاز عرضه قصد الإحاطة بالمستوى الدلالي والمعجمي، والكشف عن أفكاره وموضوعاته، وتحديد حقوله المعجمية.
2. عرض الموضوع
ب. المستوى الدلالي والمعجمي
١. الأفكار والموضوعات:
إنّ تعرف غرض النص الشعري موضوع الإنشاء الأدبي المزمع كتابته، والإحاطة بنوعه واتجاهه الإبداعي والفني، وعرض إشكاليته في المقدمة... ينبغي مراعاته وأخذه بعين الاعتبار عند الانتقال إلى المرحلة الثانية؛ أي الشروع في العرض لاستكمال أجزائه بالارتكاز في ذلك على الإجابة عما تطرحه الإشكالية من قضايا، وتثيره من أسئلة... ومن ثمة يستحسن الانطلاق مما هو عام وأساسي إلى ما هو فرعي أو ثانوي؛ ويتم ذلك من خلال تحديد الفكرة المحورية، والوقوف عند ما تشمله من موضوعات وأفكار مختلفة قبل تفصيلها، وتتبع فروعها، وتحديدها ضمن مواقعها وسياقاتها المختلفة في النص الشعري، ثم مناقشتها والتعليق عليها (القيم التي تطرحها، طريقة إدراجها في النص، مستوى تناسقها أو تماسكها النصي، كيفية تواترها، مدى إقناعها أو تأثيرها في المتلقي، نوعها: جديدة مبتكرة أم قديمة موروثة، غامضة وملتبسة أم بسيطة وواضحة، عمن أو عمّا تعبر؟ من يمثلها؟....إلخ).
٢. المعجم الشعري والحقول الدلالية:
يعتبر المعجم، بالنظر إلى علاقته وارتباطه بالنص الشعري من الزاوية الدلالية (الشعرية)، قائمة من الكلمات والعبارات اللغوية المتواترة بنسب مختلفة؛ سواء ترددت بنفسها، أو من خلال مرادفاتها، بتركيب واحد أو عدد محدّد من التراكيب...إلخ.
بحيث يؤدي معناها إلى تكوين حقل معجمي واحد أو أكثر. ومن ثمة يسهم المعجم فعليا، في تحديد هوية النص الشعري (المدح، الفخر، الغزل، التصوف،....). ذلك أن لكل نوع من النصوص معجمه الخاص مما يستوجب الوقوف عند الألفاظ والعبارات مليا للتعرف عليها، والإحاطة بخصوصياتها المختلفة (قديمة/ تراثية أم جديدة مستحدثة؟ واضحة أم غامضة ومضطربة؟ فصيحة أم عامية؟ محدودة التداول أم واسعة الانتشار؟ عربية أم هجينة مختلطة؟ إلخ...)، ومن ثمة تصنيفها انطلاقا مما يميزها من علاقات وترابطات محددة ذات مغزى تساهم في انسجام النص الشعري، وتحقيق تماسكه الكلي، وهو ما يسمح بالكشف عن موضوعاته (ثيماته) الأساسية المهيمنة، وإبراز خصائصه الدلالية والتعبيرية المختلفة.
٣. المستوى البلاغي والنحوي التركيبي
- الانزياح البلاغي
يحظى المستوى البلاغي (الدلالي)، على وجه الخصوص، بأهمية كبرى عند كتابة إنشاء أدبي حول: النص الشعري. ذلك أنه بفضل هذا المستوى التكويني في اللغة الشعرية يمكنك إدراك الهياكل والأركان الفنية والتعبيرية التي ينهض عليها صرح الدلالة في النص الشعري حيث تتوارى الوظيفة المرجعية ويتراجع دورها لصالح الوظيفة الشعرية؛ ومن ثمة تتسم لغة الشعر بالإثارة والتكثيف الجماليين، ووسيلتها في ذلك أدوات فنية وصور معبّرة وموحية مختلفة ومتعددة؛ بعضها قديم موروث؛ كالمجاز والاستعارة والتشبيه... وغيرها من فنون البيان، وبعضها الآخر جديد مستحدث كالرمز، والأسطورة... وغيرها، وكلها يلزم تتبعها في مظانها من النص الشعري، وتصنيفها، وتفكيك أطرافها ومكوناتها، والإحاطة بظلالها وأطيافها الجمالية والفنية المتضافرة في النص نفسه.
وعلى مستوى فنون البديع، وتنوع أدواته ووسائله؛ كالجناس، والطباق، والمقابلة، والتورية...إلخ، ومدى قدرتها وتفوقها في خدمة مضمون النص الشعري وأغراضه الفنية (تلقائية وعفوية، أم متكلفة للبهرجة والزينة، عضوية مندمجة في النص، أم سطحية وخارجية...إلخ).
- الانزياح التركيبي (النحوي)
تسعى الجملة الشعرية إلى هدم ما هو معيار وقاعدة في النحو، والمقصود بذلك توسيع وإغناء اللغة في النص الشعري ككل، استجابة لمتطلبات الإيقاع والتجربة الفنية بوجه عام، ومن ثمة يلزم الحرص عند كتابة موضوع إنشائي حول نص شعري على تتبع المنابع الفنية والتعبيرية المستترة في البنية الصرفية والتركيبية، والتعرف على مكوناتها وخصائصها الجمالية والإيحائية المختلفة... كالوقوف عند الجمل (الإسمية، الفعلية، الخبرية، الإنشائية، المثبتة، المنفية، الطويلة، القصيرة، البسيطة، المعقدة...)، وما يصل بين حدودها وأطرافها من صلات وروابط مختلفة (أدوات العطف، الشرط، الضمائر....). فضلا عن تحديد الأساليب اللغوية، وإحصائها، وتصنيفها (النداء، الأمر، النهي، التعجب، الاستفهام، القسم...إلخ...)، وتتبع أشكالها وصيغ حضورها، واستخلاص أبعادها وغاياتها الفنية والتعبيرية في النص الشعري موضوع كتابة الإنشاء الأدبي
• بعد وقوفك على المستوى التركيبي في النص الشعري موضوع كتابة الإنشاء الأدبي، وإحاطتك بخصائصه الفنية والبلاغية والتركيبية النحوية، يمكنك استكمال التحليل والكتابة بالانتقال إلى مستوى آخر؛ وهو المستوى الصوتي الإيقاعي.
- المستوى الصوتي والإيقاعي
ليس الإيقاع مجرد حلية لغوية تتم إضافتها إلى النص الشعري من خارجه بقدر ما هو خاصية متغيرة، ومكون داخلي متوثب الحركة، وعنصر عضوي متلاحم مع غيره من المكونات والعناصر البانية الأخرى في النص نفسه... ولما كان الإيقاع ينهض على مبدإ التماثل الذي يقوم على قاعدة التكرار باعتباره ذلك التناوب الزمني المنتظم للظواهر التركيبية، فإنه يعتبر نتيجة لذلك كله الخاصية المميزة للقول الشعري، والمبدأ المنظم للغته الفنية، أما الوزن فهو على تعدد أشكاله وصيغه مجرد حالة من حالات الإيقاع. ولما كانت القصيدة العربية الحديثة (القصيدة العمودية/التقليدية، قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر...) قد عرفت عددا من التحولات والإبدالات الإيقاعية والموسيقية الجوهرية والمتلاحقة، فإنه يلزمك عند كتابتك إنشاء أدبيا حول نص شعري، الانتباه إليها، وأخذها بعين الاعتبار عند التحليل الذي يصنف المعطيات الإيقاعية في النص الشعري على سبيل الإجراء التنظيمي (= التعليمي) إلى إيقاع خارجي، وآخر داخلي، بحيث يضم الإيقاع الخارجي ما يلي: الوزن العروضي، القافية، الروي. أما الثاني الذي هو الإيقاع الداخلي فيشمل العناصر الموسيقية التالية: النبر، والتنغيم، والمدود الصوتية، والتكرار والتوازي، والتجانسات الصوتية...إلخ، ومن ثمة يلزم تتبعها وتحديدها في النص الشعري موضوع الإنشاء الأدبي، والعمل على تصنيفها، والكشف عن حيويتها وطاقتها الفنية والتعبيرية، وإبراز مدى قدرتها وإمكاناتها في نقل الخصوصيات الانفعالية والعاطفية للتجربة الشعرية إلى المتلقي.
3. خاتمة الموضوع
- تركيب مجمل -
وتتولى في هذه المرحلة الأخيرة من كتابتك الإنشاء الأدبي تلخيص ما سبق لك أن تطرقت إليه من معطيات، وتقويم الخلاصات والنتائج التي توصلت إليها في تحليلك وقراءتك للنص الشعري موضوع هذا الإنشاء، مع حرصك على إبداء رأيك الشخصي في القضايا المطروحة، وتعميمها، أو إدماجها في إطار أوسع (أو عام)؛ كربط النص الشعري بالتجربة الخاصة لمبدعه، أو الاتجاه الفكري والفني الذي يمثله.
| الخلاصة |
تتطلب كتابة إنشاء أدبي حول: نص شعري... التمهيد له بمقدمة تشمل خصائصه الطباعية (الخارجية) وعتباته النصية التي تفضي بنا إلى صياغة إشكاليته وطرحها قبل الانتقال إلى الخطوة الموالية، وهي مرحلة العرض، حيث يتم استعراض موضوعاته وأفكاره على نحو متدرج ومتضافر قبل تصنيف حقوله المعجمية، وإبراز ثيماته المهيمنة، وتحديد الروابط والعلاقات التي تجمع بين مختلف أطرافه وعناصره الفاعلة على المستوى الدلالي والمعجمي.
كما تقتضي مهارة كتابة إنشاء أدبي حول: نص شعري... الوقوف خلال مرحلة العرض أيضا عند أشكال الصياغة والانزياح البلاغي والتركيبي، قصد الإحاطة بخصائص النص وأدواته البلاغية والنحوية، وتعرف إيحاءاتها التخييلية والفنية قبل الانتقال إلى مستوى آخر؛ هو المستوى الصوتي والإيقاعي للإحاطة بمكوناته ووسائله الموسيقية المختلفة: إيقاعية خارجية، وعضوية داخلية... ومن ثمة الكشف عن أبعادها الجمالية والتعبيرية في النص الشعري، قبل الخلوص إلى خاتمة موضوع هذا الإنشاء الأدبي، وتضمينها تركيبا بمجمل النتائج والخلاصات المتوصل إليها في التحليل، والإجابة عما طرحته الإشكالية من قضايا وأسئلة، مع الحرص على إبداء الرأي الشخصي في القضايا المطروقة من قبل.
مهارة كتابة إنشاء أدبي حول: نص نظري (قضية أدبية)
تستلزم كتابة إنشاء أدبي حول قضية معينة من القضايا الأدبية عدداً من الخطوات والإجراءات المتضافرة التي ينبغي مراعاتها عند إنجاز هذه المهارة وفق المراحل الثلاثة المعروفة: المقدمة، والعرض، والخاتمة.
ويمكنك بالنظر إلى الموضوع الذي تطرحه هذه القضية، ومستوى الاتفاق (أو الاختلاف) الحاصل بشأنه، الإحاطة بمختلف وجهات النظر حوله، وعرضها - عند الكتابة - دون تقصير أو تحيّز، بشيء من النزاهة والأمانة، بما يوضحها من الأمثلة والنماذج عند التحليل والتفسير، ويعضدها من الحجج والأدلة المناسبة عند البرهنة والاستدلال، حتى تنتهي إلى تركيب تضمنه النتائج والأحكام المتوصل إليها.
القراءة الأولى:
وتحاول هذه القراءة الوقوف عند القضية الأدبية التي يعرضها الكاتب في هذا النصّ قصد التعرف على محدداتها وخصائصها العامة قبل الانطلاق في إنجاز المهارة المطلوبة؛ أي الشروع في كتابة الإنشاء الأدبي المزمع إنجازه وفق مراحل وخطوات وإجراءات متضافرة ومتدرجة ينبغي مراعاتها عند عملية الكتابة.
1. مقدمة الموضوع
أ. الفحص والتحديد
تقتضي كتابة موضوع إنشائي حول قضية أدبية محددة الوقوف، في البداية، عند القضية نفسها، واستجلاء مدلولها (المفاهيم البانية لها، خصائصها ومحدداتها الفارقة، إطارها العام...) من دون توسع، ومن ثمة إدراك نواتها المركزية، وعرضها ضمن مقدمة الموضوع الذي تتولى كتابته مع الحرص قدر الإمكان على اختزالها وتكثيفها بأسلوبك الشخصي على نحو يراعي الشمول واستيعابك الكلّي لمختلف عناصرها وعلاقاتها.
ومن ثمة يتسنى لك الإلمام بالخطوط والملامح الأساسية للقضية الأدبية، والتعريف بها بإيجاز وتركيز شديدين، وتحديدها ضمن إطارها العام، وضبط مختلف جوانبها التي ستنكب على معالجتها وتحليلها في مرحلة أخرى لاحقة.
2. عرض الموضوع
ب. التفكيك والعرض
إن الانتقال من تقديم القضية الأدبية إلى عرضها عند الكتابة الإنشائية يستلزم - بعد تعرفك القضية، وإحاطتك بإطارها العام - تفكيك مكوناتها وعناصرها البانية، ومن ثمة الكشف عن امتداداتها وفروعها (الرئيسة، الجزئية...)، ثم حصرها على نحو منظّم ومتسلسل يراعي طريقة ونظام طرحها وأشكال ترابطها وتعالقاتها المختلفة قبل إدراجها أو عرضها ضمن الموضوع الإنشائي الذي تكتبه.
القراءة الثانية:
وتحرص فيها على تحليل مكونات وعناصر القضية والتوسع فيها بالشرح والتفسير، وكذلك دعمها وتعضيدها بأدلة وبراهين.
ج. الشرح والتحليل
إن بسط عناصر القضية الأدبية، وعرض مكوناتها: الرئيسة، فالجزئية...إلخ. سيمكّنك من الانطلاق في مناقشة أبرز تفاصيلها وتفريعاتها لشرحها وتفسيرها على نحو موسع، وتتبع أشكال علاقاتها وارتباطاتها المختلفة، والإلمام كذلك بخصائصها ومحدداتها ب: الإيجاب، أو السلب (أي الصفات المضادة)... مستحضرا في ذلك مجموعة من المعلومات السابقة والأمثلة والشواهد المناسبة لاستثمارها عند: التفسير، والتحليل، والتوسيع... وكذلك عند: التصنيف، والترتيب، والتنميط، والنمذجة... التي تتطلبها هذه الخطوة المنهجية في كتابة الموضوع الإنشائي.
د. الاستدلال والبرهنة
إذا كانت الخطوة السابقة من هذه الكتابة الإنشائية قد تطلبت منك شرح وتفسير القضية الأدبية التي تناولها موضوعك، بالتحليل والمناقشة، بإيرادك عددا من الخصائص والأمثلة المناسبة... فإن البرهنة والاستدلال، في سياق هذه الخطوة الإجرائية، على صحة ما طرحته من أفكار ومواقف تستلزم منك اعتماد مجموعة من الأدلة: عقلية (منطقية) كانت، أو نقلية (ملموسة)... كانتقاء الشواهد المناسبة من شهادات الأدباء وأقوال المبدعين، واستدعاء إضاءات من الأحداث والوقائع المختلفة، وخصوصيات المشهد الثقافي والشعري (محليا، ووطنيا، وقوميا، وعالميا...إلخ)، والتاريخ أو العصر الأدبي.
3. الخاتمة
تركيب مجمل
وتخلص في هذه المرحلة إلى تجميع النتائج والخلاصات التي توصلت إليها ضمن تركيب يراعي مستويات التحليل، وتضافر العلاقات وأشكال الترابط القائمة بين مختلف الآراء والأفكار ووجهات النظر السابقة... التي تضمنها موضوع كتابتك الإنشائية مع التنبيه، إن تطلب الأمر ذلك، إلى ما تم إغفاله أو وجبت الإشارة إليه من قبل (عن قصد، أو غير قصد)، وإيراد حكمك الشخصي في القضية الأدبية المطروحة، وربطها بقضايا أخرى أرحب وأشمل وأعم.
الخلاصة
تقتضي مهارة كتابة إنشاء أدبي حول: قضية أدبية عددا من الخطوات والإجراءات المتضافرة والمتدرجة، كالآتي:
أ- تحديد القضية الأدبية والتعريف بخصائصها العامة؛
ب- تفكيك مكونانها وعرضها على نحو مفصل ودقيق؛
ج- استجلاء ما بها من غموض والتباس وتحليلها وفق ما هو لازم ومطلوب؛
د- تعضيد ما تضمنته من مواقف وآراء بالأدلة والبراهين المناسبة؛
ه- استخلاص الأحكام وتقييم الخلاصات والنتائج المتوصّل إليها، ووضعها في إطار أو إشكالية أكثر عمومية.
مهارة كتابة إنشاء أدبي حول: نص نثري إبداعي
سبق لك أن تعرفت تقنيات الكتابة الإنشائية حول: نص شعري، وألممت بمجموعة من الخطوات والإجراءات اللازمة لإنجاز هذه المهارة. وفي هذا الدرس تتوقف عند مهارة أخرى جديدة تعنى بكتابة إنشاء أدبي حول: نص نثري (إبداعي) يرتكز على: السرد، والوصف، والحوار... وغيرها من مقومات الكتابة الإبداعية النثرية وخصائصها الفنية المختلفة.
1. مقدمة الموضوع
أ. العتبات النصية
وتركز ضمن مقدمة الموضوع المزمع كتابته على التقاط عدد من المشيرات النصية (الخارجية) التي تساعدك على الشروع في إنجاز المهارة المطلوبة، ويمكنك الاستعانة في هذه الخطوة الأولى من الكتابة بالعناصر التالية: العنوان، الكاتب، المرجع، سنة الإصدار...إلخ. مما يؤهلك في تأطير النص النثري الإبداعي تأطيرا عاما، وتبيُّن مسالك التحليل فيما بعد.
ب. الإشكالية المطروحة
ويلزمك ربط مجموع الإشارات والمعطيات الخارجية السابقة، التي توصلت إليها في تأطير هذا النص النثري الإبداعي، بالأسئلة التي تنتهي إلى طرحها في نهاية المقدمة، والتي تحرص من خلالها على تخصيص الإشكالية العامة لموضوع كتابتك الإنشائية المزمع إنجازه، وما يرتبط بهذه الإشكالية نفسها من قضايا وأسئلة خاصة قد تتفرع عنها حتى تشير بذلك إلى عدد من الجوانب أو مجموعة من العناصر التي ستتولى الإجابة عنها في عرض موضوعك، أو تحرص على معالجتها أو تحليلها في متنه.
2. عرض الموضوع
تركز من خلال هذه الخطوة على التقاط الموضوعات والمضامين الأساسية التي تحظى بحضور قوي وواضح، وتتبع مختلف تفريعاتها وتفاصيلها الصغيرة بما يكشف عن امتداداتها وعلاقاتها وترابطاتها المختلفة في النص النثري الإبداعي، موضوع كتابتك الإنشائية، على نحو موسع ودقيق تقتضيه هذه المرحلة من الكتابة نفسها، ويكشف - من ثمة - عن أبعادها وخصائصها الفنية والتعبيرية.
وتحرص في هذه الخطوة من التحليل والكتابة على الإحاطة بمختلف العناصر والمقومات السردية التي يحفل بها النص النثري الإبداعي (القصصي) عموما، وفي مقدمتها مجموع وقائعه وأحداثه لوجه خاص، وما يقتضيه منطق الحكي من إشارات وخصائص فنية وتعبيرية على نحو مركز ودقيق؛ كأن تنطلق في إنجاز عرض الموضوع الإنشائي الذي تزمع كتابته من الإجابة عن السؤال التالي: ماذا؟ ... الحدث... مثلا، مع الأخذ بعين الاعتبار مجموع الأسئلة التي ستعقبه فيما بعد، مثل: من؟ ... الشخصيات، متى؟ ... الزمان، أين؟... المكان، لماذا؟ ... العبرة والقصد...إلخ.
أ. الأحداث والوقائع
وهي المادة القصصية التي تتألف من عدد معين من الأفعال والوقائع المختلفة المتصلة فيما بينها، والتي يتم من خلالها الإخبار في الحكاية التي يعرضها النص القصصي، انطلاقا من مجموعة من الحوافز المتمازجة فيما بينها على سبيل التتابع والتسلسل (أو التفتت والتقطع) على نحو محدد: زمنيا أو سببيا... بحيث تمثل المسار الحكائي للقصة عبر الانتقال من وضع إلى آخر على امتداد القصة؛ ومن ثمة يقترن الحدث بالنص القصصي من أوله إلى آخره (البداية، العقدة، النهاية).
ب. القوى الفاعلة
وتشمل القوى الفاعلة المختلفة التي تنجز وظيفة ما (أو أكثر) في المسار الحكائي للقصة: الشخصيات الآدمية (الإنسانية)، الحيوانات، الجمادات، الأفكار والتصوّرات، الانفعالات والأحاسيس...إلخ... التي ينبغي ترتيبها وتصنيفها من حيث طبيعتها، ومستوى أهمية أو قوة حضورها في النص القصصي حسب الدور الذي تقوم به... (الأدوار الرئيسة؟ الثانوية؟ ... وضعياتها؟ علاقاتها؟ تحوّلاتها؟ ...إلخ...).
ج. الزمن القصصي
زمن الحكي هو زمن الحبكة القصصية الذي يمكن أن يكون قصيرا (بضع ساعات...)، أو طويلا (أعواما أو أجيالا...)، ويتم التسلسل الزمني بطريقة مباشرة (عن طريق توقيت أو تاريخ محدّد...)، أو غير ذلك بواسطة مشيرات أخرى دالة على: الفصول أو الأعياد... أو سن الشخصيات...أو غير ذلك، ويعتبر زمن السرد ضروريا لرواية الأحداث وعرضها؛ فقد يستغرق حدث عابر لدقائق معدودة عشرات الصفحات مثلما يمكن اختزال عشرات الأحداث الممتدة في الزمان ضمن صفحة أو صفحتين... ولا يمكن لزمني: الحكاية والسرد أن يلتقيا إلا عند الحوار... وتنبغي الإشارة إلى أن الزمن في القصة القصيرة أقرب إلى اللقطة العابرة الخاطفة، وأميل إلى الإيقاع السريع بوجه عام... كما يمكنك التمييز أيضا - في هذا السياق - بين أزمنة متعددة: الزمن الفلكي، الزمن الفيزيائي، زمن الأفعال النحوي، الزمن النفسي الداخلي... إلخ...
د. المكان، أو الفضاء القصصي
يحظى المكان بأهمية بالغة في النص القصصي لما يضطلع به من أدوار ووظائف متعددة كإسهامه، - مثلا - في الإيهام بواقعية الأحداث، أو الإيماء إلى وقوعها وتحققها، والإعلان عن نهايتها، أو التمييز بين الشخصيات المختلفة، أو الإيحاء الرمزي بفكرة مجرّدة... إلخ...
ه. السرد والسارد
ويقصد بالسرد الطريقة التي تُعرَض بها مجموع الوقائع والأحداث القصصية في الحكاية، وتتبيّن ذلك من خلال بعض المشيرات والعناصر في النص كالضمير الذي يظهر به السارد: المشارك في أحداث القصة، غير المشارك... ويسند الخطاب إليه، وزاوية النظر التي ينطلق منها السارد في عرض الأحداث بطريقة مباشرة (الحوار مثلا)، أو بطريقة غير مباشرة (قيام السارد بنقل الحدث والنيابة عن الشخصيات في التعبير عن موقفها منه... ويمكن عرض هذه المؤشرات كالتالي:
• السارد:
- ضمير المتكلم: على لسان بطل القصة مثلا؛
- ضمير المخاطب: كتوجيه الخطاب إلى المخاطب على امتداد النص مثلا؛
- ضمير الغائب: ويكون عند انسحاب السارد خارج إطار الحكاية مثلا.
• الرؤية السردية
- الرؤية من الخلف: السارد يعرف أكثر مما تعرفه الشخصية؛
- الرؤية المصاحبة: السارد يعرف مقدار ما تعرفه الشخصية؛
- الرؤية من الخارج: السارد يعرف أقل مما تعرفه الشخصية.
3. الخاتمة
• تركيب مجمل
وتحرص في هذه المرحلة الأخيرة من كتابتك الإنشائية، حول نص نثري إبداعي، على تجميع مختلف المعطيات والخلاصات التي توصّلت إليها في تحليلك، وتركيب عناصرها تركيباً مجملاً يكشف عن علاقاتها وتضافرها في النص الذي تمت معالجته، ومستوى تمثيله (أي النص) للاتجاه الفني والإبداعي للكاتب... كما يمكنك فضلا عن تقييم النتائج المستخلصة وتعميمها، إصدار حكمك الشخصي حول النص أو مبدعه (أو هما معاً).
الخلاصة
يقتضي منك إنجاز مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص نثري إبداعي (قصصي أو مسرحي)، مراعاة عدد من الخطوات والإجراءات المتضافرة على نحو متسلسل ومتدرج؛ كالانطلاق من مقدمة تحرص في إطارها على تحديد العتبات النصية (الخارجية)، وتخصيص إشكالية الموضوع الذي تزمع كتابته قبل الانتقال إلى مرحلة العرض لتعرف أحداث النص القصصي والإحاطة بوقائعه، والإلمام بتفاصيلها وترابطاتها المختلفة، بالإضافة إلى جرد القوى الفاعلة، والزمان، والمكان، وطرائق السرد المختلفة، وغيرها... مما تحفل به الكتابة القصصية ويقتضيه منطق الحكي.