[حصريّ للغايَة] نموذجٌ تطبيقي: مهارة المقارنة والاستنتاج


نموذجٌ تطبيقي/ مهارة المقارنة والاستنتاج




نموذجٌ تطبيقي/ مهارة المقارنة والاستنتاج


مجال مكوّن التعبير والإنشاء/ السنة الأولى من سلك البكالوريا، الشعب العلمية والشعب التقنيّة


يحبلُ الشّعرُ العَربيّ بنماذِج شِعريَّة بَدِيعة تَحتفي بالإنسانِ والقيّم الإنسانيّة الرّاقيّة، إنّها نماذج تكشفُ أصالة الإبداع وعمق الرّوح المبدعةِ. وتكشف، كذلك، عن تواشجاتٍ والتقاءاتٍ فنيّة فريدة ومتميّزة. وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن قصيدة "صلوات في هيكل الحبّ" للشاعر أبي القاسم الشّابي، وعن قصيدة "أفياء جيكور" للشّاعر العراقي بدر شاكر السّياب، فقد اجترح هذان الشّاعران رؤية إبداعيّة تحتفي بالجمال وتتغنّى به، الأمر الذي يدفعنا إلى التّساؤل: ما أوجه الاختلافِ والائتلاف بين قصيدتيهما؟


تنطلقُ قصيدة "صلوات في هيكل الحبّ" للشابي، من تمجيدِ الجمال؛ جمالُ المرأة التي تَسْتَكْنِهُ فِي قَلْبِهَا رُوحَ الرّبيعِ. لهذا، نَجِدُ الشّاعر يَنْهَلُ ألفاظه من حقلين معجميين هُما، أساساً، المرأةُ والجمالُ. بالإضافة إلى هذا، وظّف الشّاعر في قصيدته مجموعة من التشبيهات (أنت رسم جميل/ أنت روح الرّبيع/ خطو موقع كالنّشيد) والاستعارات (الجمال يرقص/ روح الرّبيع تختال). والحاصل أن هذه التشبيهات والاستعارات جاءت لتحتفي بجمال المرأة الآخّاذ. بالموازاة مع ذلك، فقد نظم الشاعر قصيدته على نظام الشطرين المتناظرين والمتساويين مختتماً قصيدته بروي وقافية موحدين.

في حين تحتفي قصيدة "أفياء جيكور"، بجمال الطّبيعة، طبيعة قرية جيكور. تبعا لذلك، فقد اغترف الشاعر معجمه من حقليْ الجمال والطّبيعة، متوسلاً بتشبيهات تشفُّ عن بهاء القريّة (يا جدولا من نور/ ظل كأهداب طفل/ نافورة ماؤها ضوء القمر) وباستعارات بديعة (في شاطئ نام فيه الماء/ ارتعاش الحلم). فضلا عن ذلك، نظم الشاعر- على خلاف قصيدة الشّابي- قصيدته على نظام الأسطر الشعرية الموزّعة على جسد القصيدة حسب الدّفقة الشعوريّة غير مكترث لمقتضيات وحدة الروي والقافية.


ولعل هذا الاختلاف في بناء القصيدتين يَجدُ مبرراتِهِ في اختلافِ الشّروط الموضوعيّة الُمؤطّرة لتجربة الشّاعرين. فعلى المُستوى الثقافي اطلع الشّابي على عيون الأدب العربي وتأثر بالحركة الرومانسيّة التي كان واحدا من أقطابها، على عكس السّياب الذي اقترن الإبداع عنده بالبحث في الثقافات الإنسانيّة في شُسُوعِ مداها؛ فِي فَترةٍ تاريخيّة شَهدت الكثير من النّكبات والنكسات، الأمر الذي استحثه على اجتراحِ نموذجٍ شعريٍّ مُتحرّر من قيود القصيدة التقليدية. أمّا عَلى المُستوى الاجتماعي فقد نشأ الشّابي في بيت ميسور وعائلة مثقفة، بخلاف السّياب الذي عاش في سهول القريّة راقصاً تحت المطر أو نائما تحت نُور القمر. لذلك، جاءت قصيدته مترعة بجمال الطّبيعة على خلاف قصيدة الشّابي الذي آثر جمال المرأة في اكتماله وصفائهِ.

وفي المُحصّلة، نستشفّ من هذا المقارنة، أنّ القِصيدتين موضوع الدّراسة، قد تميزتا بجُملة من الخصائص المشتركة والمختلفة أيضا، إلا أنهما وعلى اختلافهما، قد ائتلفتا في جوهر واحد: عمق الرؤية ودقّة التّعبير.

تعليقات