القوى الفاعلة في رواية اللص والكلاب لـ نجيب محفوظ
القوى الفاعلة في رواية اللص والكلاب، نجيب محفوظ: الشخصيات ورمزيّة الحيوان، الفواعل والعوامل
للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية
الشخصيات ورمزيّة الحيوان
علاقة الرواية بصور العالم الحيواني تبدو لنا بدءاً من العنوان، وتزخر
الرواية بالعديد من الإشارات التي تستمدّ أهم مقوماتها من هذا العالم. تتجسّد هذه
الصور مما يلي:
-
تأتي أحياناً على لسان الراوي
أو إحدى الشخصيات؛
-
في الصفات التي تلصق ببعض
الشخصيات في سياقات محدّدة؛
-
في التشبيهات؛ حيث تشبّه بعض
الشخصيات ببعض الحيوانات.
عندما نتأمل جيدا هذه الصفات والتشبيهات التي تمتح من معجم الحيوان، نجدها
تتركز بصورة خاصة على سعيد
مهران (اللص)، وعلى كلّ خصومه وأعدائه الذين يمكن إدراجهم جميعاً في صفة
واحدة (الكلاب). لم يرد
وصف أو تشبيه لأيّ من الشخصيات التي تتعاطف مع مهران، وظلت محافظة على القيم
الأصيلة، وفي ذلك دلالة خاصة على استعمال الصورة الحيوانية المختلفة ملتصقة باللص
وأعدائه.
إنّ توظيف الحيوانات الحقيرة لتوصيف سعيد مهران (في لحظة الضعف) من جهة،
وباقي أعدائه من جهة أخرى له دلالة رمزية عميقة وإيحائية إلى عمق الصلات بين هذه
الصفات والشخصيات. فصفات
الحقارة التي توصف بها بعض الحشرات والحيوانات (الدودة والخنفساء والحشرة والعقرب
والخنزيرة والثعبان والكلاب النابحة) دليل على تفاهتها من جهة، رغم ادعائها أنها
من أصحاب الجاه والمكانة الاجتماعية، كما أنها علامة على عنفها وما توصله من أذى
للآخرين، من جهة ثانية، رغم ادعائها أن ما تقوم به عادي ومشروع وقانوني.
قوى فاعلة حيوانيّة
تظهر لنا هذه القوى
الحيوانية في نهاية الرواية وقت مطاردة سعيد مهران، وهي المطاردة التي
ستؤدي إلى استسلامه في النهاية. إنها الكلاب البوليسية التي تصاحب البوليس في عملية المطاردة. لا نسمع إلا
نباحها وهيّ تصم أذني مهران وهو يحسّ بقرب أجله وقد سدّت دونه كلّ المنافذ. خطأ
بسيط كلّف مهران حياته كلها: لقد نسي البدلة في بيت نور. تشممت الكلاب المدربة
بدلة مهران، وتحسست بخياشيمها عرقه وإفرازات جسده وهو يعاني من القلق والتوتر
والهلع، فاتخذته علامة للاستدلال عليه والإيقاع به عن طريق التوجه إلى حيث يوجد. إنها تقوم بوظيفة الكشف عن المخفي
والمستور خدمة لأسيادها الذين يقومون بإطعامها.
فما الفرق، إذاً، بين هذه الكلاب البوليسية وبين عليش سدرة الذي كان يتمسح
بساقي سيده مهران في أيام العزّ؟ وما الفرق بين الكلاب نفسها وبين عليش عندما وشى
بمهران وأبان للبوليس عن مخبئه وتركه لقمة سائغة بين أيديهم؟ وما الفرق، أيضا بين
الكلاب ورجال سدرة وقد صار معلما، وصاروا يسيرون في ركابه ويأتمرون بأوامره؟ وما
موقع المخبر الذي جاء في خدمة عليش؟ أليس لحراسته؟ وحتى رؤوف علوان وقد تنكر
لأفكاره الثورية، وصار يكتب عن موضة النساء؟ أليس في ذلك خادما مطيعاً لرئيس تحرير
الجريدة، الذي هو أيضا خادم مطيع لتوجه سياسي مهادن وفي خدمة النظام؟
إن وضع "اللص"
(باعتباره شخصية) كمقابل لـ"الكلاب"
(كشخصيات بشرية وحيوانية) من العنوان إلى نهاية النص حيث يتم الإمساك به، دليل على
عمق الصلات والدلالات التي تجمع بين مكونات شخصيات الرواية وهي تزدوج إلى عالمين
متناقضين: عالم الرفض والمقاومة
(اللص/ سعيد مهران)، وعالم
الخيانة والانتهازية (الكلاب).
يظلّ اللص لصاً، وتظلّ الكلاب كلابا، آدمية تارة حين تتشبّه بالكلاب
الحيوانية في سلوكها، وحيوانية حين تكون مدربة لخدمة أسيادها.
الفواعل والعوامل
تختلف الشخصيات التي تحدثنا عنها وتصطبغ بحسب التغيّر أو اللاتغير الذي لحق
بها. لقد مسّ التغير الشخصيات
العدوّة، وأوصلتها خيانتها وانتهازيتها إلى مراتب عليا. وبعد خروج سعيد
مهران من السجن، نجد بعضها اختفى نهائيا عن مسرح الأحداث في الرواية، لكن حضوره
ظلّ قويا من خلال بطل الرواية: نبوية- عليش. ولم يبق سوى رؤوف علوان يحرّض الرأي
العام ويستعجل الإمساك به من خلال مقالاته النارية ضد مهران. إنه فاعل أساس داخل
معسكر الأعداء. وفعلا سيكون البوليس حاضراً بالمرصاد.
أما الشخصيات المتعاطفة،
فإنها ظلّت تقدم يد المعونة وفق إمكاناتها، وظلّ فعلها محدودا في الإيواء
وتقديم الطعام للبطل (الجنيدي- نور)، وانتهى فعل طرزان بتقديم السلاح والتنبيه.
لكن اختفاء نور، ونسيان البدلة التي كانت تساعد مهران في إنجاز أفعاله، أدّى إلى
تمكين البوليس من تعرّف مكانه.
إنّ سعيد مهران هو عامل
ذات ومرسل في الآن نفسه، ولما كان موضوع رغبته يتحدد في الانتقام من نبوية وعليش وعلوان،
كان هذا الثالوث هو المرسل إليه،
كما كان علوان في الوقت ذاته عاملا
معيقاً. ساعد
الشيخ الجنيدي والمعلم طرزان ونور البطل في إنجاز مهمته وتحقيق رغبته كل بطريقته
الخاصة، لكن تضافر مجهودات الصحافة ورجال الأمن والكلاب، بوصفها عاملا معيقاً، ساهم في عدم
تحقيق الموضوع المرغوب فيه
(الانتقام) من طرف العامل الذات (مهران)، فكان الاستسلام.