اللص والكلاب | صورة السجن

نموذج محلل لمقطع من رواية اللص والكلاب، نجيب محفوظ: الدلالات والأبعاد الرمزية والتعبيرية لصورة السجن 


نموذج محلل لمقطع من رواية اللص والكلاب، نجيب محفوظ: الدلالات والأبعاد الرمزية والتعبيرية لصورة السجن


مكوّن المؤلّفات


للسنة الثانية من سلك البكالوريا - شعبة الآداب والعلوم الإنسانية


في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ يزور البطل (سعيد مهران)، إثر خروجه من السجن الشيخ علي الجنيدي ليزُفّ إليه الخبر:
(- ... لا أحبّ أن ألقاك متنكّراً، لذلك أقول لك إنني خرجت اليوم فقط من السجن...
فهز رأسه في بطء وهو يفتح عينيه قائلا فيما يشبه الأسى:
-         أنت لم تخرج من السجن...
فابتسم سعيد. كلمات العهد القديم تتردّد من جديد حيث لكلّ لفظ معنى غير معناه وقال:
-         يا مولاي كل سجن يهون إلاّ سجن الحكومة...).

اللص والكلاب. مكتبة مصر – القاهرة، ص: 20.




انطلق من هذا المقطع، واكتُب موضوعاً متكاملاً، تضمّنه ما يلي:
-         صور السجن وأشكال حضوره المختلفة في الرواية.
-         دلالاته وأبعاده الرمزية والتعبيرية المتعدّدة، وعلاقاتها بالأحداث والشخصيات والبناء الفني للرواية.



التحليل


يتجاوز مفهوم السجن مؤسسة السلطة وعنفها القمعي الرادع أو دورها الإصلاحي والتربوي، في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، إلى دلالات وأبعاد أخرى رمزية وتعبيرية مختلفة لا تخصّ الجوانب الانفعالية والنفسية للبطل فقط، وإنما تمتدّ إلى غيره من الشخصيات وإلى البناء الفني للرواية ككلّ.
-         فما هيّ أشكال حضور مفهوم السجن في الرواية؟ وما هي أبرز أبعاده ودلالاته الفنية والتعبيرية؟



تنطلق أحداث الرواية من الإفراج عن البطل (سعيد مهران) بعد قضائه لعقوبة سجنية مدتها أربع سنوات مصمّماً على الانتقام ممن سمّاهم الخونة الذين غدروا به وألقوا به في غياهب السجن (زوجته نبوية، ومساعده عليش سدرة،...)، لكن نهاية الرواية، وإن كانت لا تعلن عن ذلك على نحو صريح ومباشر، تستشرف السجن الذي هو مصير السعي الخائب للبطل لما يفشل في الانتقام من خصومه، ولا يحصد رصاصه الطائش غير أرواح الأبرياء الضعفاء (شعبان حسين، بواب رؤوف علوان)، فيكون مضطرا إلى الاستسلام بفعل حصار الشرطة الخانق ورصاصها المتطاير من حوله. ومن ثمة تغدو عقلية السجين المتجلية في تخبط سلوك البطل سعيد مهران وعجزه عن التكيف والاندماج مع معطيات الواقع الجديد بعد الإفراج عنه، مدعاة للتبرير في كثير من الحالات والمواقف. كما هو الحال عند مقابلته رؤوف علوان لما أبدى أسفه على نزقه وتسرعه في إبداء ملاحظات شخصية أثارت حفيظة مضيفه. وهو الموقف ذاته، الذي انتهى إليه سعيد مهران، عند زيارته للشيخ الجنيدي الذي أدرك بفراسة الزاهد المتصوف، وحدسه الشفيف العميق لبواطن الأمور وخفايها، انغلاق بصيرته وابتعاده عن جادة الحق وطريق الصواب... إذ السجن في التصور العرفاني للشيخ المذكور لن يكون إلاّ سجن أو حجاب الجسد، أو الدنيا، أو العقل... أو ما شابه ذلك... كما يتبين من خلال المقطع الحواري الذي نحن بصدد تحليله.

ومن ثمة يغدو السجن بكل ما توحي به الكلمات من دلالات القسوة والعنف والمعاناة مقياسا لما يجده البطل من خيبات ذاتية وانكسارات مريرة في واقعه الجديد؛ كما هو الحال في جفول ابنته الصغيرة (سناء) وإعراضها عنه لما دعاها إلى حضنه في بيته السابق الذي آل أمره إلى مساعده (عليش سدرة) الذي تزوج من زوجته السابقة (نبوية) بعد دخوله السجن، وتمكنهما معا خلال هذه الفترة من الاستيلاء على ماله وكتبه.

ويزداد الأمر سوءاً عند تفاقم شعوره بالوحدة لما تضطر ظروف الشغل صاحبة البيت (نور) إلى الغياب طويلا، وإحساسه الحاد بالقيود التي تعوق حركته وتمنعه من تحقيق ما تهفو إليه نفسه من رغبات، بحيث لا يبقى في وسعه غير الإنصات في عجز بالغ إلى صمت القبور.


وهكذا، تعتبر مؤسسة السجن، انطلاقا من كونها فضاء روائيا له أبعاده ودلالاته الفنية والرمزية الخاصة، محركاً فاعلاً وأساسيا في رسم وتوجيه كثير من وقائع وأحداث رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ (الخيانة، والانتقام، المطاردة والاختفاء، الحصار والاستسلام..)، وما تولد عن ذلك كله من هواجس ومضاعفات قوية وضاغطة على التوازن النفسي للبطل (سعيد مهران) مما كان له بالغ الأثر والأهمية ليس في توجيه سلوكاته وتحديد اختياراته وقراراته الشخصية فقط، بل أيضا في البناء الفني للرواية ككل من خلال الحركة الذاتية للبطل ودورانها العبثي العنيف ضمن حلقة وعيه الداخلي ومجرى شعوره الباطن.
تعليقات