نموذج محلل لمقطع من رواية اللص والكلاب، نجيب محفوظ: رمزية الحيوان في الرواية
جاء
في رواية اللص والكلاب
لنجيب محفوظ، ما
يلي:
(جاءكم
من يغوص في الماء كالسّمكة، ويطير في الهواء كالصّقر، ويتسلّق الجدران كالفأر...
أنسيت يا عليش كيف كنت تتمسّح في ساقي كالكلب... الويل للخونة، في هذه العطفة
ذاتها زحف الحصار كالثعبان ليطوق الغافل...).
اللص والكلاب، مكتبة مصر – القاهرة، ص: 8 (بتصرف).
انطلق من هذه القولة،
واكتب موضوعاً متكاملاً، تنجز فيه ما يلي:
-
إبراز
مدى توظيف نجيب محفوظ لرمزية الحيوان في الرواية، ودلالات هذا التوظيف؛
-
تحديد
طبيعة العلاقة التي ربطت بين سعيد مهران وباقي الشخصيات في الرواية.
التحليل
يبدو
من خلال عنوان رواية اللص
والكلاب أنّه تجمع بين عالمين متعارضين: عالم الإنسان (اللصّ)، وعالم
الحيوان (الكلاب). وتتأكّد دلالة هذا الجمع من خلال ما تزخر به الرواية من توظيف لرمزية الحيوان، حيث نجد
نجيب محفوظ يستحضر أسماء حيوانات كثيرة ليرمز بها إلى معاني متعدّدة، ويجعل منها
وسيلة لانتقاد الواقع وقيمه. إنّ توظيف نجيب محفوظ لرمزية الحيوان، يؤكّد ما ذهب
إليه النقاد من أنّ رواية اللص والكلاب شكّلت منعطفاً هامّا في مسيرته الإبداعية،
حين تحوّل من كتابة الرواية الكلاسيكية، إلى تجريب ما يعرف بالرواية الرمزية.
-
فما هيّ دلالات رمزيّة الحيوان في الرواية؟ وما
وظيفتها داخل المتن الحكائي؟ وإلى أيّ حدّ استطاعت أن تصوّر لنا طبيعة الصراع بين
شخصيّات الرواية؟
برجوعنا
إلى المقطع الروائي أعلاه نجد البطل سعيد مهران، استعمل أسماء الحيوانات في سياق
تشبيهات، للدلالة على معاني متعددة، يمكن أن نحدّدها، من خلال إضافة أسماء حيوانات
أخرى بالإضافة إلى تلك المذكورة في المقطع، من خلال ما يلي:
-
الرمز إلى القوة:
وذلك من خلال استحضار حيوانات من قبيل: الصقر، والثعبان، والنمر، والفيل... ومن
خلال المقطع أعلاه، نكتشف أن سعيد مهران شبه نفسه بالسّمكة، والصقر... ليصوّر لنا
قوته على مواجهة أعدائه.
-
الرمز إلى معاني الحقارة والدناءة:
وقد وظّف نجيب محفوظ للدلالة على هذه المعاني حيواناً أساسيّاً هو الكلب، الذي تردّد
مرّات كثيرة تارة بصيغة المفرد، وتارة بصيغة الجمع، فسعيد مهران البطل، يستعمل لفظ
كلب أو كلاب ليعبّر عن دناءة وخسّة أعدائه من قبيل: رؤوف علوان وعليش... كما تحضر
للتعبير عن نفس الدلالات حيوانات أخرى كالأفعى والعقرب والثعلب.
-
الرمز إلى معاني الضعف والوداعة:
وهنا تحضر حيوانات من قبيل: الفراشة، والفأرة التي جاءت في الرواية في سياق الحديث
عن نور وسناء.
إن
كلّ هذه المعاني تتضافر لتصوّر لنا الواقع الذي واجهه سعيد مهران، بعد خروجه من
السجن، حيث سيجد عالماً من الكلاب
الأعداء، الذين تخلّوا عن كلّ القيم الإنسانية، وتشبّعوا بمختلف الصفات السلبية
للحيوان من قبيل: الخداع،
والتملّق، والوشاية، والعبودية... وقد كانت صفة الكلب/الكلاب معبّرة عن كلّ
هذه المعاني التي اجتمعت في أعدائه الذين تنكّروا له بعد خروجه من السجن: نبوية،
وعليش، ورؤوف علوان... وفي المقابل اكتست الشخصيات المتعاطفة مع سعيد صفات الضعف
والوداعة وذلك مثل نور التي شبهت بالفراشة، ومثل هذا التوظيف يصوّر لنا وجود عالم قوي، في مواجهة عالم ضعيف، وقد حاول سعيد
مهران لوحده أن يواجه قوى
الشر (الكلاب)، لكنّه فشل لأنّ الكلاب قد اكتسبت من مساندة المجتمع ما لم
تكتسبه الشخصيات الضعيفة التي ساندت سعيد في محنته من قبيل: نور، والجنيدي،
وطرزان.
لقد
شكلت رمزية الحيوان
قيمة مهيمنة في رواية اللص
والكلاب، واستطاعت أن تصوّر لنا الصراع بين القيم الحقيرة التي اكتسبها أعداء سعيد مهران، والقيم النبيلة، التي حافظ هو
ومن سانده عليها. والغرض من كل هذا هو تصوير الواقع المصري في مرحلة الستينيات، وما تفاعل فيه من قيم
وصراعات. وهذا يجعلنا نعتبر رواية اللصّ والكلاب من الروايات الناجحة التي راهن
عليها نجيب محفوظ لتعرية الواقع المصري والعربي، وتطوير تجربته الروائية في آن
واحد.