منهجية تحليل نصّ نظري/ نقدي: صلاح فضل، من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي




منهجية تحليل نصّ نظري: المنهج الاجتماعي


منهجية تحليل نصّ نظري/ نقدي: صلاح فضل، من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي

المرجع: صلاح فضل، من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي، الممتاز في اللغة العربية، ص 205؛


للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية





يعتبر المنهج الاجتماعي من المناهج الأساسية في الدراسات الأدبية والنقدية. والحديث عن هذا المنهج لا يتم إلا باستحضار مجموعة من المصادر المعرفية التي تضافرت كلها لتشكيل ملامحه، وتحديد رؤيته، وصياغة مفاهيمه في دراسة الإبداع الأدبي، كالفلسفة المادية، والتيار الواقعي، والفكر الاشتراكي الماركسي، وعلم الاجتماع... وقد مرّ هذا المنهج بمجموعة من المراحل والاتجاهات ابتدأت بظهور كتاب مدام دوستايل "الأدب في علاقته بالمؤسسات الاجتماعية"، ثم تطورت بظهور "التيار الجدلي" بريادة لوكاتش، وبعده بظهور "علم اجتماع الأدب" على يد كل من إسكاربيت وغولدمان، وانتهت بظهور "علم اجتماع النصّ" على يد بيير زيما. ورغم تعدد هذه الاتجاهات والتيارات، فإن القاسم المشترك بينها يبقى هو الواقع بكل مظاهره وتجلياته. ولاشك أن فعالية هذا المنهج في التحليل جعلت كثيرا من الكتاب والنقاد العرب ينجذبون إليه، ويؤلفون حوله كتباً كثيرة تتوزع بين التنظير والتطبيق، ويأتي في طليعة هؤلاء الكاتب والناقد المصري صلاح فضل، خاصة من خلال كتابه "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي" الذي اقتطف منه هذا النصّ.
إنه بمجرد ملاحظتنا وقراءتنا للسطر الأول من النص نستطيع أن نقف على مؤشرين دالين على موضوعه، ويتحدد ذلك في كلمة "منهجان" وعبارة "دراسة اجتماعية الأدب"؛ فهذان المؤشران يوحيان بأن موضوع النص يتعلق بطرح نظري حول "المنهج الاجتماعي".
إذاً، ما هي القضية النقدية التي يطرحها النصّ؟ وما هي العناصر المكونة لها؟ وما هي خصائص المنهج الاجتماعي من خلاله؟ وما هي الوسائل التي اعتمدها الكاتب في معالجة القضية؟ وإلى أيّ حدّ استطاع أن يقدّم لنا تصوّراً نظريّاً واضحاً حول المنهج الاجتماعي؟




تتحدّد القضيّة النقديّة التي يطرحها النصّ في إشارة الكاتب إلى وجود منهجين واضحين في دراسة اجتماعية الأدب. وقد تضمنت هذه القضية عنصرين أساسيين هما:
-                علم اجتماع الظواهر الأدبية (من قول الكاتب: أما المنهج الأول ... إلى قوله:... الطابع الاجتماعي للأدب).
وقد تناول الكاتب في هذا العنصر الموضوع الذي يهتمّ به علم اجتماع الظواهر الأدبية بريادة إسكاربيت، ثم المراحل التي يمرّ بها في دراسة الظاهرة الأدبية، بدءا بمرحلة الإنتاج، ومروراً بمرحلة التسويق، وانتهاءً إلى مرحلة الاستهلاك، مع الإشارة إلى مختلف المصطلحات والمفاهيم الموظفة في هذا المنهج.
-                علم اجتماع الإبداع الفني (من قول الكاتب: ويصوغ غولدمان... إلى قوله:... وسائل التعبير الفنية).
وقد تضمّن هذا العنصر كذلك الإشارة إلى الموضوع الذي يهتم به علم اجتماع الإبداع الفني بزعامة غولدمان، ثم المرحلتين الأساسيتين اللتين يعتمدهما في دراسة الظاهرة الأدبية، ابتداء من مرحلة الفهم ووصولا إلى مرحلة الشرح والتفسير، مع تحديد العلاقة بين هاتين المرحلتين، ومختلف المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بهما.


إن معالجة الكاتب لهذه القضيّة النقدية، قد استدعت اتباع خطة منهجية وتفسيرية وحجاجية تضافرت فيها الوسائل التالية:
-                القياس الاستنباطي: وقد انطلق الكاتب بموجبه من مبدإ عام، وهو "وجود منهجين واضحين في دراسة اجتماعية الأدب"، ثم انتقل بعد ذلك للتدليل على هذا المبدإ بتحديد هذين المنهجين، وإبراز خصائصهما، ومراحلهما في دراسة الظاهرة الأدبية؛
-                التعريف: ونجده بالأساس في تعريف الكاتب لكلّ منهج على حدة، كما يعرّف "رؤية العالم"؛
-                الوصف: ونستدل عليه بما قاله الكاتب في وصف العمل الفني العظيم، حيث يقول: "من هنا فإن العمل الفني العظيم لا يعبر عن رأي الكاتب وإنما عن رؤيته للعالم..."؛
-                المقارنة: ويوظفها الكاتب لإظهار الفرق بين مرحلة الفهم ومرحلة التفسير في منهج غولدمان؛
-                الاستشهاد: وفيه يستحضر الكاتب قول "إسكاربيت" بخصوص دراسة علاقة الظواهر الجمالية بالطابع الاجتماعي للأدب، كما يستحضر قول "بياجيه" في تعريفه للبنية الدالة.

ولتحقيق قراءة منسجمة للنصّ، يراهن الكاتب على مدى قدرة القارئ على الفهم والتأويل، وما يرتبط بذلك من عمليات كالحذف، والبناء، والتعميم، ومعرفة السياق، وتوظيف الخبرات السابقة. كما يراهن كذلك على معرفته الخلفية وكيفية انتظامها في ذاكرته على شكل بنيات ذهنية كالأطر، والمدونات، والخطاطات، والسيناريوهات؛ فهو يفترض مثلا معرفة القارئ بإطار المناهج والأدب، وبسيناريو الدراسة والتحليل، وبمدونة الفهم والشرح... وغيرها من القدرات المعرفية والمهارات المنهجية التي تمكنه من إنجاز قراءة منسجمة للنصّ.


تأسيساً على ما سبق، نستنتج أن النصّ يعالج قضية نقدية تتعلّق بالحديث عن أبرز منهجين في دراسة اجتماعية الأدب، وهما: علم اجتماع الظواهر الأدبية، وعلم اجتماع الإبداع الفني في الأدب، مع ذكر موضوع كل واحد منهما، ومراحله في دراسة الظاهرة الأدبية، بالإضافة إلى الإشارة إلى مختلف المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بهما.

وقد اعتمد الكاتب في معالجة هذه القضية مجموعة من الوسائل المنهجية والتفسيرية والحجاجية، كالطريقة الاستنباطية، والتعريف، والوصف، والمقارنة، والاستشهاد، بالإضافة إلى الحرص على تحقيق قراءة منسجم للنص، بالمراهنة على قدرة القارئ على الفهم والتأويل، كما راهن الكاتب على معرفته الخلفية وطريقة انتظامها في ذاكرته على شكل بنيات ذهنية.
وخلاصة القول، فإن الكاتب قد قدّم من خلال النصّ تصورا نظريا واضحا حول الدراسة الاجتماعية للأدب، وهذا يجعل من النص وثيقة هامة يمكن الرجوع إليها لتعزيز الرصيد المعرفي في الموضوع. كما أنه حرص على توضيح الأفكار، ومحاولة الإقناع بصحتها، من خلال توظيف الوسائل المنهجية والتفسيرية والحجاجية المناسبة.

تعليقات