[حصريّ] | تحليل نص سمات النص المسرحيّ، فرحان بلبل



تحليل نص سمات النص المسرحيّ، فرحان بلبل

منهجيّة تحليل نصٍّ نظريّ: المسرحيّة


المرجع: سمات النصّ المسرحيّ، فرحان بلبل (واحة اللغة العربية، ص: 171)؛


للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية

إعداد الأستاذ: عبد الرحيم دوْدي

يمثل المسرحُ وسيلةً تعبيريةً فنيّة، تنقل قضايا الإنسان وهمومه وواقعهُ إلى المتلقي، بطريقة تمتزج فيها بلاغةُ الكلمة بحركةِ الجسد. وقد نشط في الغرب وتألق على يد كتاب كبار أمثال: وليم شكسبير، موليير، برنار شو، جان كوكتو وبريخت وغيرهم. وكان لاحتكاك المثقفين العرب بهم، الدور الأساس في انتقال هذا الفن إلى الأدب العربي الحديث، حيث ظهر في نهاية القرن التاسع عشر وبدايةِ القرن العشرين، كتابٌ عربٌ نجحوا في تأليف مسرحيات استقوا موضوعاتها عن طريق الاقتباس من قصص التراث، كما فعل توفيق الحكيم حين استفاد من "ألف ليلة وليلة"، وكما فعل المسرحي المغربي عبد الكريم برشيد حين تصور ظهور امرئ القيس في باريس...
ولم يقف التأليف المسرحي العربي عند هذا الحد، بل توالت العروض المسرحيّة الأثيلة، التي تجاوزت عقدة تقليد المسرح الغربي، فظهرت أعمال مسرحيّة تواكبُ الواقع العربي المألوف والمعاناة اليوميّة، ومراثي الأمة العربيّة ونضالها ضد الاستعمار.
كما أن معظم الكتابات النظرية والنقدية الحديثة قد انخرطت في هذا الركب، ودعتْ إلى التخلص من هيمنة الأشكال الغربية وتجريب أشكال مستوحاة من الواقع العربي، هذا فضلاً عن تأطيرها لفعل الإبداع الفني في هذا الجنس الأدبي من خلال تحديد قواعده وبنياته الإستطيقيّة. ويندرج في هذا السياق ما يقدمه الكاتب المسرحي والناقد السوري "فرحان بلبل" في النص الذي نحن بصدد دراسته والموسوم بعنوان "سماتُ النص المسرحي".
ويوحي عنوان "سمات النص المسرحي" إلى مجمل الخصائص المائزة والمقومات الفنية التي ينتصبُ عليها النص المسرحي، ذلك أن النص المسرحي ليس كذلك إلا في حدود وجود مجموعةٍ من السماتِ التي تمنحهُ أبعادهُ الفنية وتمايزهُ عن باقي الفنون الأدبيّة التي تتاخمه. ثم إنه، عنوان فضفاضٌ وعام، يشي بطابع النص النظري، ذلك أنه لا يتوقف عند بنية نصيّة نموذجية أو عينةٍ إبداعيةٍ مخصوصة، بقدر ما يروم الكشف عن السمات العامة التي تميّز النص المسرحي.



وهذا ما تؤكدهُ بداية النص ونهايته، بحيث أفرد الكاتب البداية للحديث عن خصيصة من خصائص النص المسرحي وهي المعايشة، بينما كانت النهايةُ خلاصةً تركيبيةً توضحُ أهمية المسرح في الساحة الأدبية.
وليس يخفى على ذي اطلاع نقدي، أن فرحان بلبل، من النقاد العرب الأوائل، الذين كان ديدنهم البحث في الآفاق المعرفية للإبداع المسرحي العربي تنظيراً وتطبيقاً. وقد ألفّ في هذا المجال العديد من الكتبِ نسوق منها على سبيل المثال: "لا ترهب حد السيف"، "القرى تصعد إلى القمر" ثم "النص المسرحي: الكلمة والفعل" وهو الكتاب الذي اقتطف منه النص الذي نحن بصدد دراسته.
بناءً على ماسبق، نفترض أن النص عبارة عن مقالةٍ أدبيّة مسجورةٌ بروحٍ تنظيرية، يطمح من خلالها الناقد إلى توضيح أبرز سمات النص المسرحي، باعتباره نصاً رائداً في الإبداع الأدبي. فإلى أيّ حدّ يا تُرى يمثل النص خصائص الكتابة المقالية التنظيرية؟ وما القضية التي يطرحها؟ هل فعلاً للنص المسرحي سماتٌ مختلفةٌ عن باقي النصوص؟ وما الإطار المفاهيمي والمرجعي الذي يستند إليه النص؟



يتمحور النصّ حول قضيّة عامةٍ مؤداها أن النص المسرحي يرتهن بمجموعةٍ من السماتِ التي تصنعُ فرادتهُ، وهي سماتٌ غير ثابتةٍ؛ لأنها تخضعُ لمبدإ الهدم المستمر، الأمر الذي يجعل من النص المسرحي نصاً منفتحاً على آفاقِ التجريب والإبداعِ الدائمين. ويمكن مفصلة هذه الفكرة إلى ثلاث قضايا جزئيّة، تحتضن كلّ قضيّة خصيصة من خصائص النص المسرحي، فجاءت القضية الأولى لتبرز أن المعايشة تعد ركناً ركيناً في كل عملٍ مسرحي، والمقصود بالمعايشة أن يصيخ الكاتب السمع للانكسارات التي تحدث في الواقع المعيش ويعمل على التقاطها، بدقة وفنية، ونقلها إلى المتلقي. أما القضية الثانية، فقد أفردها الكاتب للحديث عن خصيصة الآنية، موضحاً أن كل نصٍ مسرحيٍّ ينطلق من الوضعيّة الآنية سابراً أغوار لحظةٍ مقتطعةٍ من زمنٍ متدفقٍ، الأمر الذي قد يخلق، حسب صاحب النص، انقطاع العمل المسرحي عن الزمنية الإنسانية، لهذا وجب أن تأتي هاته الآنية متمازجةً مع الديمومة، لكي تحفظ للعمل المسرحي على سمة الخلود والبقاء في الذاكرة. وفي الأخير، يبيّن صاحب النص، أن كل عملٍ مسرحيٍّ يتغيا تحقيق غاية معينة، سمّاها هو، بالهدف الأعلى، هذا الهدف الأعلى يتواشج مع الآنية والمعايشة، فيصبح العمل المسرحي، بموجب هذه السمات الثلاث، عملاً قابلاً للتطوير، ذلك أن الكاتب المسرحي، في محاولته الحفاظَ على هذه السمات، يضطر إلى اجتراحِ أسلوب جديدٍ في فن كتابة المسرح.
والحاصل، أن هذه القضايا، التي ناقشها الكاتب بدقة، وأوغل في تفكيكها، هي قضايا عامة؛ توضح بشكل نظري سمات النص المسرحي؛ ذلك أنّ الكاتب لم يوظف ترسانة نقدية مترعة بمفاهيم إجرائية تروم تحليلٍ نص بعينه، بقدر ما نحا نحواً تنظيريا عاماً، الهدف منه كشف السمات العامة التي تخلق فرادة النص المسرحي الخالد، الأمر الذي يجعلنا نتيقن من أن النص قيد التحليل مقالةٌ أدبية نظرية.
تبعا لذلك، فقد نهض النص على جهاز مفاهيميٍّ صلدٍ ومكين، ينوس بين السجل الاصطلاحي الخاص بالنص المسرحي والسجل الاصطلاحي المرتبطِ بالعرضِ المسرحي، ومن المصطلحاتِ الدالة على الجهاز المفاهيمي الأول نسوق على سبيل المثال:(فن التأليف، بناء الشخصيات، كتابة المسرح، التأليف المسرحي، الكاتب، النص المسرحي...). أما المصطلحات الدالة على الجهاز المفاهيمي الثاني فيمكن تحديدها فيما يلي:(المخرج، الخشبة، المتفرج، ممثلون، صالات المسرح، عوامل العرض، الديكور...).




وقد استند الكاتب في نصه إلى أطرٍ مرجعيّة متعددة ومتصاقبةٍ، شكلت خلفيّة معرفية مُخصبة لأفكاره ورؤاه، فكانت مدداً فكرياً غنياً يثري النص ويضفي عليهِ طاقةً إقناعية جبّارة، ومن هذه الأطر المرجعية نجد مثلاً علم الاجتماع، بحيث ركّز الكاتبُ على الوظيفة الاجتماعيّة للمسرح رابطاً تطور هذا الفن بتغير الشروط الموضوعيّة الاجتماعيّة. علاوة على ذلك، نلفي بعض الطروحات النظرية المنتميّة لنظرية التلقي مبثوثة هنا وهناك، وتبرز بشكلٍ جليٍّ في توضيح الكاتب لعلاقة المسرح بالقارئ أو المتفرج، وكيف يستطيع الكاتب المسرحيّ الحقيقي إدامة لذة الانتشاء بالنص المسرحي من خلال الاستثارة الدائمة لذوق القارئ. وفي الأخير، تجدر الإشارة إلى أن الكاتب قد استرشد بنظرية الأجناس الأدبية، حين وضّح الفروقات الفنية بين الشعر والرواية والمسرحية، مع تأكيده الدور البارز للمسرح في التأثير على باقي الأجناس.
وعليه، يكون الكاتب، قد شيّد نصاً مقالياً نظرياً، متماسك الرؤى، خصب الأفكار، شحذته هذه الأطر المرجعية بِسِمَتي الدقة والموضوعية، وجعلت منه نصاً ذا خلفيّة معرفية صلدة، تنمُّ عن اتساع الفكر، وحصافة التفكير، ودقة التحرير.

اتكاءً على ماسبق، فقد لجأ الكاتب في بناءِ نصه إلى خطةٍ منهجية دقيقة، متوالجة الأجزاء، متلاحمة الرؤى، تهتدي بهدي الاستدلال الاستقرائي، فتوغل الكاتب في كل سمة من سمات النص المسرحي، شرحاً دقائق الأمور، ومفصلاً لكل الجزئيات التي تضمن خلود النص المسرحي من معايشة وآنية وديمومة وغاية مُثلى. بعد ذلك لملم كلّ ملاحظاته في خلاصة تركيبيّة عامة تكشف تأثير المسرح على باقي الفنون الأدبية. وهذا يعني، أن الكاتب وظف منهجاً استقرائياً، كان له عظيم الفضل في تماسك بنيان النص المنطقي ونموّه الدلالي. خصوصا إذا ما علمنا أن هذا المنهج قد تناسل داخل نظام الفقرات المرقمة والخاضعة لإملاءات الدقة المنهجية واللغوية، التي تكشف عنها طبيعة لغة النص التقريريّة.
وفي هذه النقطة من التحليل، قمين بنا أن نشير إلى أن الكاتب قد وظف دزينة من آليات البرهنة والتفسير، قوامها التعريف (الحاضر في الفقرة الأولى والثانية والثالثة حين عرّف الكاتب كلّ سمة من سمات النص المسرحي) والتأكيد الحاضر بقوة في كل مساحات النص ومن الأمثلة الدالة عليهِ (إن الآنية التي تؤدي.../ إن سمات النص المسرحي.../إن الآنية والمعايشة....) ثم الاستنتاج ومن أمثلته (لهذا كان الهدف الأعلى...)، وآليات أخرى للبرهنة والتفسير يضيق السياق عن ذكرها.



وجماع القول، إن الكاتب كان دقيقاً في شرحه لسمات النص المسرحي وتوضيحه لأهم المقومات البنائية التي ينهض عليها النص المسرحي الخلاق والأثيل القادر على مجابهة تغيرات الأزمنة والأذواق. نعم، إن تحليلهُ كان تحليلاً شفيفاً يشي برؤية نقدية وثّابة ثاقبة تتراءى في جهازٍ مفاهيمي مترعٍ بمصطلحات نقدية دقيقة، وأُطُرٍ مرجعية صلدة اتخذت من علم الاجتماع، ونظرية التلقي، ونظرية الأجناس الأدبية منطلقا لها، فضلاً عن توظيفه لنسقٍ استدلالي استقرائي متلاحم وواضح المرامي واللغة. من كلّ هذا وذاك، نخلصُ، ونحنُ مطمئنون، تمام الاطمئنان، إلى أن النص عبارة عن مقالةٍ أدبية/ نظرية.
تعليقات