اللص والكلاب | الدلالات والإيحاءات الرمزية للموت

 رواية اللص والكلاب، نجيب محفوظ: الدلالات والإيحاءات الرمزية للموت 

نموذج محلل 

رواية اللص والكلاب، نجيب محفوظ: الدلالات والإيحاءات الرمزية للموت





يطلّ سعيد مهران، في رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، من نافذة بيت (نور) إلى المقبرة التي تجاوره، فيقول:

(يا للعدَد العديد من المقابر، الأرض تمتد بها حتى الأفق رافعة أيديها في تسليم وإن يكن شيء لا يمكن أن يهددها. مدينة الصمت والحقيقة. ملتقى النجاح والفشل والقاتل والقتيل. مجمع اللصوص والشرطة حيث يرقدون جنبا إلى جنب في سلام لأول وآخر مرة... وبقدر ما يخون الموت الأحياء فستذكر بالقبور الخيانة ثم تذكر الخيانة نبوية وعليش ورؤوف. وأنت نفسك ميّت منذ انطلقت الرصاصة العمياء، ولكن عليك أن تطلق مزيدا من الرصاص).

اللص والكلاب، مكتبة مصر – القاهرة، ص: 77.



اقرأ هذا المقطع الروائي، ثم اكتب موضوعا متكاملا، تراعي فيه ما يلي:
-         حضور الموت على امتداد أحداث الرواية ووقائعها، ومدى تحديده لسلوك البطل (سعيد مهران) وتوجيه علاقاته وصلاته يالشخصيات الأخرى؛
-         استخلاص أبرز دلالات الموت وإيحاءاته الرمزية، وتفاعلها مع مختلف القيم والأحاسيس في الرواية بالسلب أو الإيجاب.


التحليل


يحظى الموت – هذه الظاهرة الطبيعية المدمرة والحقيقة الوجودية الملغزة في حياة الكائن الإنساني – بحضور قوي ولافت للنظر على امتداد صفحات رواية اللص والكلاب لنجيب محفوظ، وذلك خضوعاً لما يعتمل في الرواية من أحداث متشابكة، وشخصيات متصارعة... وما يتولّد عن ذلك كلّه من قيم وأحاسيس مختلفة.
-         فما هيّ، إذن، تجليات الموت وصور حضوره على مستوى أحداث الرواية؟ وكيف تتحدّد أهميته في توجيه سلوك الشخصيات عامة، والبطل منها على وجه الخصوص؟ وما طبيعة صلاته وعلاقاته بمختلف القيم والأحاسيس؟


إذا كانت لحظة الإفراج عن البطل سعيد مهران من السجن، الذي قضى من وراء قضبانه أربع سنوات من زهرة شبابه نتيجة الغدر والخيانة، هي بداية الرواية... فإنّ إقراره العزم على الانتقام من الخونة الذين كادوا له وأوقعوا به في قبضة البوليس هي المحرك الفعلي لما توالى، فيما بعد، من وقائع وأحداث متشابكة ومختلفة..ولن يكون انتقامه، في ضوء هذه الأحوال والتداعيات، من هؤلاء الخصوم والأعداء بالطبع إلا بإعمال القتل ونشر الموت في صفوفهم. وحتى يتأهّب لخوض هذه المغامرة بكامل عدّتها (المال، السلاح، عناوين الضحايا...إلخ) يبادر إلى التربص بابن مصنع الحلوى؛ رفيق صديقته المومس (نور)، في خلوتهما غير البريئة عند مدفن الشهيد في المقبرة بصحراء العباسية ليسطو على ماله وسيارته... مهدّداً إياهما بالقتل. كما يتربّص لاحقاُ بالمعلم بياظة لينتزع منه عنوان غريمه (عليش سدرة) الذي هو شريك لهذا المعلم ومعاون له، كما يسلبه بعض ماله أيضا. غير أن الأمور تجري في الرواية بغير ما يتوقعه البطل (سعيد مهران)، حيث يتورّط في جريمة قتل شعبان حسين الساكن الجديد في بيت عليش سدرة، على سبيل الخطإ، ظنا منه أنه خصمه المطلوب الذي يود تصفيته، لذلك يؤرق مضجعه الشعور بالذنب، وتلاحقه ذكراه الملحّة الضاغطة. ويسوء الأمر أكثر لما يقتل البواب، من قبيل الخطإ أيضا، عوض غريمه الصحفي رؤوف علوان، فيتضاعف شعوره بالذنب حيال رصاصه الطائش الذي لا يحصد غير الضعفاء الأبرياء من دون موجب حقيقي أو منطقي.


وفي خضم هذه الأحداث العنيفة والمتلاحقة، واشتداد طوق الحصار من حول سعيد مهران، لا يجد هذا الأخير، لطول ملازمته بيت نور، وسيلة لتسلية النفس وتزجية للوقت غير النظر مليّاً إلى المقبرة وتأمل شؤونها وأحوالها...، كما تتداعى ذكريات موت الأب (عم مهران) الكهل الطيب إلى خاطر البطل سعيد مهران. وإذا كان مرض الأم حافزا للبطل على الجنوح إلى الجريمة وباعثاً له على ارتكاب أولى سرقاته... فإن موتها قد فجر ما كان بداخله من تمرد وعنف شديدين... أما ابنته سناء فذكراها الحزينة التي تقضّ مضجعه تقترن بدورها بالموت على غرار غيرها من الذكريات الأليمة. كما تحضر هذه الذكرى مجددا لما يستشعر نهايته الوشيكة على نحو فاجع.

عموما، يحضر الموت، في الرواية، سواء أكان طبيعيا (موت الأب والأم)، أو في صورة الجريمة والقتل المتحققين (شعبان حسين، بواب رؤوف علوان)، أو التهديد بالشروع في تنفيذه (ابن صاحب مصنع الحلوى، المعلم بياظة)، أو التوق إليه أو التطلع إلى تحقيقه (عليش سدرة، نبوية، رؤوف علوان)، أو غير ذلك من الصور الأخرى التي تكتنفها مجموعة من القيم والأحاسيس المختلفة؛ كالغضب، والقلق، والعنف، والرهبة، والخوف، والصمت، والحقيقة، والغدر، والخيانة، والانتقام، والبؤس، والتعاسة، والجنون، والعبث...إلخ. ومن هنا كان البطل (سعيد مهران) محقا وهو يصف سوء حاله، إذ يقول: (... قضي عليه بلا جدوى، مطارد وسيظل مطارداً إلى آخر لحظة من حياته، وحيد عليه أن يحذر حتى صورته في المرآة، حي بلا حياة كجثة محنطة). (الرواية – ص: 70).



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-