رواية اللصّ والكلاب | المتن الحكائي

رواية اللصّ والكلاب، نجيب محفوظ: المتن الحكائي


للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية


رواية اللصّ والكلاب، نجيب محفوظ: المتن الحكائي

تتبّع الأحداث


تبتدئ رواية اللص والكلاب بخروج سعيد مهران من السّجن، وتنتهي باستسلامه للبوليس بعد مقاومة يائسة. إذا كان بطل الرواية قد دخل السجن، سابقاً، بسبب السرقة، فإنّ وقوعه بين أيدي البوليس، في نهاية الرواية، جاء على إثر قيامه بجريمتي قتل وحيازة السلاح.
بين الخروج من السجن والاستسلام للبوليس تجري أحداث أساسية، نجمت عنها هذه النهاية المأساوية. وكان قدر البطل الرئيس في الرواية هو أن يلفي نفسه خارجاً إلى عالم الحرية مضطرا إلى القيام بأعمال تؤدي إلى المقصلة. فكيف كان ذلك؟ وما هي الأحداث التي ساهمت في صنع هذا المصير المأساوي؟
ذلك ما سنتبيّنه، من خلال تتبّع مجرى الأحداث في الرواية، وفق هذه المفاصل الكبرى:

-       الخروج

نفتح الرواية وسعيد مهران خارج لتوّه من السجن، متوجّهاً صوب البيت الذي توجد فيه زوجته (السابقة) نبوية التي تزوجها تابعه عليش سدرة، لهدف واحد هو استرجاع ابنته سناء. كان محتقنا وممتلئا حقدا على زوجته التي طلبت منه الطلاق، وهو رهن الاعتقال، لتتزوج من أحد أتباعه عليش الذي حلّ محلّه، وصارت إليه كل أمواله ورجاله.
يتم انتظاره واستقباله من لدن عليش ورجاله والمخبر حسب الله، لأنهم كانوا على علم بخروجه، وبما يجول في ذهنه. في لقاء متوتر، يطالب سعيد مهران باسترداد ابنته التي لم تعرفه، ورفضت الذهاب إليه. فيُصرّ المخبر أن الأمر بيد المحكمة إذا كان مهران يلحّ على أخذها. ويؤكّد له أن عليه أولا أن يتوفر على بيت يمكن أن يأويها فيه. فيوافق مهران، على مضض. وتنتهي المقابلة بإنكار البنت أباها، ولم يبق له غير المطالبة بكتبه، فيخبره عليش بأن أغلبها مزقته سناء، وتُحمَل إليه مجموعة مما بقي منها.
هذا أوّل فشل يلقاه سعيد بعد الخروج والذي كان يعلّق عليه آمالا عراضا. ولم يبق أمامه الآن غير البحث عن المأوى والعمل. وذلك ما سنلاحظه في الحدث المركزي الثاني الذي أسميناه البحث

-       البحث

يخرج سعيد مهران بعد مغادرة بيت عليش ونبوية أكثر حقدا وغضباً بسبب ما أسفرت عنه المقابلة من إنكار البنت له، ويتوجه باحثا عن مأوى، ولو مؤقتا يلجأ إليه. فلم يجد أمامه سوى مقام الشيخ علي الجنيدي.
الشيخ علي الجنيدي: مقام الجنيدي مسجد يقيم فيه، وبابه مفتوح أبدا للمصلين والذاكرين. يلجأ سعيد مهران إلى الجنيدي مذكرا إياه بأبيه العم مهران الذي كان دائم التردد إلى مقامه. فنتعرف من خلال هذه الزيارة على جزء من طفولة سعيد مهران، أيام كان يصطحبه أبوه إلى مقام الشيخ. يبث إليه نجواه وشجونه، ويخبره بأن ابنته أنكرته وأن زوجته اتخذت تابعه زوجا لها، وأنهما أخذا كل ممتلكاته. لكن الشيخ الجنيدي كان يخاطبه بلغة لم يتواصل معها. يبيت عنده، ويترك الكتب في زاوية من المقام.
رؤوف علوان: في اليوم التالي، يتصفّح سعيد مهران جريدة الزهرة باحثا عن عنوان صديقه أستاذه القديم الصحافي رؤوف علوان. يتذكر علاقاته به، وكيف أنه لعب دورا كبيرا في تشكيل شخصيّته. فكر في البحث عنه عسى أن يساعده في الحصول على عمل في الجريدة.
يزور الجريدة، ويتبيّن له الموقع الجديد الذي صار يحتله صديقه القديم في المجتمع. ولم يتحقق له اللقاء به لأنه في اجتماع مع رئيس التحرير، والاجتماع لا ينتهي إلا بعد ساعتين. يخرج مهران من الجريدة، ويبحث عن عنوان بيته، ويظل ينتظره حتى يعود. وصل رؤوف علوان، وبعد التعرف إليه، اصطحبه إلى قصره، فشربا نخب حرية مهران الذي ظل يستشعر أن صاحبه يجامله لا أقل ولا أكثر: إن رؤوفا تغير كثيرا، وصار من علية القوم. يخبر سعيد مهران صديقه بما جرى له مع نبوية وعليش والبنت التي أنكرته، وكيف قضى ليلته عند الجنيدي الذي يعرفه علوان جيدا. ويسأله أن يجد له عملاً في الجريدة التي يعمل بها. يرده علوان خائبا، ويمنحه ورقتين من خمسة جنيهات، مبرزا له أن علاقتهما لا يمكن أن تستمر، ولاسيما إذا كان سعيد مهران مصرا على مواصلة السرقة.


يخرج مهران من لقائه مع رؤوف علوان بفشل ذريع، لا يقل خيبة عن لقائه بابنته سناء. فالعمل في الجريدة مستحيل. وهو مستلق قرب شاطئ النيل، تراوده أحاسيس شتى متضاربة من جراء لقائه مع عليش وعلوان. إنهما لا يختلفان، وعليه الانتقام منهما، وليبدأ بسرقة المكان الأقرب إليه: قصر رؤوف علون.
ينجح في اقتحام البيت، ويجد علوان له بالمرصاد، ومعه رجاله. يسحب منه الورقتين اللتين منحهما إياه في اللقاء الأول، ويؤكد له انتهاء العلاقة بينهما، بعدما توسل إليه بألا يخبر البوليس. يخرج مهران منهاراً. يتضاعف فشله واحدا بعد الآخر، وتنسد أمامه الآفاق والفرص. ويزداد حقداً على نبوية وعليش وعلوان، وتتعزز لديه فكرة الانتقام الأسود من هؤلاء الثلاثة. وليس أمامه، الآن، سوى البحث عن أداة لتنفيذ ما قرّره: قتل نبوية وعليش ورؤوف علوان وجميع الخونة.

المعلم طرزان: يتوجه سعيد مهران إلى مقهى صديقه المعلم طرزان الذي يستقبله بالأحضان، هو وكل من في المقهى، والذين كانوا ينتظرون خروجه بمناسبة العيد. يسأله سعيد عن مسدس ورصاص، فيمكنه من ذلك غير مضطر إياه إلى الاعتذار، ويبشره بوجود صديقته القديمة نور التي استدرجت ابن صاحب مصنع الحلوى بسيارته إلى الصحراء قرب المقهى. ترحب به نور التي كانت تحبه، ويتفق معها على سرقة الشاب وسيارته بطريقة تبرئ نورا، وتجعلها بعيدة عن الشبهة.
تعود نور إلى السيارة حيث الشاب، وبينما هما لاهيان، يقتحم عليهما مهران خلوتهما، شاهرا مسدسه، فتستعطفه نور (تمثيلا)، ويمكنه الشاب، خوفا على حياته، من حافظة نقوده ومفاتيح السيارة التي يركبها بجنون، مخليا نورا والشاب في الخلاء، ذاهبا للثأر لنفسه والانتقام من عليش ونبوية. بينما تتوجه نور إلى البوليس مخبرة إياهم مما جرى لها مع الشاب، مقدمة أوصافا مخالفة لمهران بناء على الاتفاق الذي جرى بينهما.

-       الجريمة

تولّد عن حدث الخروج من السجن، ومقابلة البنت وإنكارها له، ومقابلة رؤوف علوان والتصدي له وتعنيفه، وعدم تحقق رغبته في الحصول على العمل، أن اشتد الحقد الدفين في قلب مهران على أعدائه. وكان اللقاء مع الجنيدي واللجوء إليه بلا معنى، رغم الاستضافة والمبيت، لعدم التواصل بين شخصيتين متناقضتين. كل ذلك كان ممهدا لدفع مهران إلى التوجه إلى المعلم طرزان الذي وجد فيه ضالته: المسدس والرصاص، وساعدته نور (حبه القديم) باحتيالها على مرافقها أن تمكّن من السيارة التي تكون بالنسبة إليه الأداة الضرورية لإخلاء المكان بعد الجريمة.


بامتلاك الرصاص وأداة الهرب لم يبق غير تنفيذ الفكرة التي ظلت تراوده: الانتقام من نبوية وعليش سدرة ورؤوف علوان. ترك السيارة قريبة من البيت الذي يأوي عدويه الكبيرين. حطم زجاج النافذة والتصق بالباب، وحين تقدم شبح في حذر، أطلق الرصاص عليه، وعندما صرخ الرجل وتهاوى عالجه برصاصة أخرى، وولّى هارباً، مخليا وراءه جلبة، وانفتاح نوافذ. ولم يكن أمامه غير مسكن الشيخ الجنيدي يأوي إليه.
يتبين له، في اليوم التالي، من خلال قراءة الجرائد، أن القتيل هو شعبان الذي سكن بيت عليش سدرة الذي أخلاه مباشرة بعد خروج سعيد مهران من السجن خوفا على نفسه وزوجته من انتقامه.

-       المطاردة

يتولد عن جريمة قتل بريء حدث جديد هو المطاردة التي تؤدي إلى اختفاء سعيد مهران، واتخاذ المزيد من الاحتياط في تحركاته وتنقلاته. ولكن نفس البطل لم تخمد، وما يزال مصرا على تنفيذ قراره: الانتقام من عليش ونبوية وعلوان.
إن المطاردة، هنا، مزدوجة: فهناك، من جهة، الصحافة التي تنبش في ماضي مهران وجرائمه وتؤلب الرأي العام ضده، وعلوان يضطلع في ذلك بدور أساس. وهناك، من جهة ثانية، رجال الأمن والبوليس والمخبرون الذين ملأوا كل الأماكن وترصدوا كل الفضاءات.
يختبئ سعيد مهران أولا في مقام الشيخ الجنيدي، ويتسرب ليلا إلى القرافة حيث يوجد بيت نور التي يخبرها أنه سيقيم عندها طويلا، ويطلب منها جلب ثوب ليخيط لباساً يشبه لباس البوليس للتمويه. ينتقل إلى مقهى المعلم طرزان، بلباس الضابط، الذي يخبره أن المكان مليء بالجواسيس والعيون، وعليه أن يحتاط كثيرا، ويعلمه أن المعلم بياضة يوجد في مكان قريب في صفقة. يتوجه إليه مهران، ويعنفه سائلا إياه عن مخبأ عليش. وعندما يتأكد من صدقه يطلق سراحه بعدما أخذ منه عشر جنيهات.


بعد أن أخفق سعيد في تحديد المكان الجديد الذي اختفى فيه عليش وزوجته، بدأ يفكر في قتل علوان، وليس له غير التربص له ليلا قرب قصره. وفعلا توجه إليه، وبمجرد ما أن رأى السيارة وهي تقترب من القصر، ونزوله منها بعدما فتح له البواب الباب، ناداه، وأطلق النار في اتجاهه، فأرداه قتيلا، وتم تبادل إطلاق النيران جرح على إثرها سعيد مهران جرحا طفيفاً، ونجح في الهرب من الميدان مستقلا قاربا في النيل ثم سيارة طاكسي، عائدا إلى بيت نور. نهرته على سلوكه الطائش، ولاسيما بعد أن تبين لها أنه خرج بلباس البوليس.

يتضح في الغد، من خلال الجرائد، أن المقتول بواب رؤوف علوان، وليس رؤوف علوان، واطلع مهران على الهجوم العنيف الذي يشنه عليه رؤوف علوان الذي يتحدث عن لقائه بمهران، وكل ما جرى له معه. تزداد حسرات ووساوس سعيد مهران، فهو لا يقتل غير الأبرياء، في حين يظل المجرمون الحقيقيون بمنأى عن أهدافه. وتتواصل عليه المطاردة والبحث الدائمين.


-       الاستسلام

يختفي سعيد مهران في بين نور التي لم تعد إليه، فأضر به الجوع، فخرج ليلا إلى مقهى طرزان الذي لامه على تصديه لعلوان الذي له سلطة، ونبهه إلى أن المخبرين في كل مكان، طلب منه أن يحمل إليه طعاما، فالتهمه وهو بعيد عن المقهى، وفي عودته اعترضه ضابطان، وطلب منه أحدهما بطاقته، ولما انتبه إلى لباسه، اعتذر له، بينما الآخر ساوره شك بصدده، ولما أحسّ مهران بذلك، انهال عليهما بالضرب، ونجا منهما إلى بيت نور، التي لم تعد أبدا. وفي اليوم التالي جاءت ربة البيت محتجة على تأخير دفع إيجار البيت، فعلم مهران أن بقاءه في هذا المكان مستحيل، فغادره في منتصف الليل، وهو يتوجس من العيون والمارة الذين باتوا بالنسبة إليه جميعاً مخبرين، وقصد مسكن الجنيدي مأواه المفتوح أبدا.

تبين له أنه نسي اللباس في بيت نور وعليه أن يسترجعه قبل فوات الأوان، وإلا فإنها (البذلة) ستكون العلامة التي يستدل بها البوليس على وجوده بواسطة الكلاب, فلم يهدأ له بال بسبب ذلك. خرج ليلا متسللا إلى بيت نور فوجد الغرفة مضاءة، ولما دخلها وجد صاحب البيت أمامه، وزوجته تسأله عن الطارق، فدفع الرجل بعنف وولى هاربا لا يلوي على شيء، قاصدا مقام الجنيدي، وقد انتهى إلى أن نهايته وشيكة.
كانت الليلة ليلة ذكر في المقام، وعند الفجر يسمع خبرا عن حصار الحي، فيخرج هاربا نحو المقابر، وتمت المطاردة، حاول المقاومة، وانتهى إلى الاستسلام.



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-