مظاهر تطوّر اللغة في الشعر العربي الحديث

مظاهر تطوّر اللغة في الشعر العربي الحديث



مظاهر تطوّر اللغة في الشعر العربي الحديث


نموذج محلّل لقولة مقتطفة من مؤلّف نقدي: 

ظاهرة الشعر الحديث، لأحمد المعداوي- المجاطي: الفصل الرابع: الشّكل الجديد

للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية




ورد في كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" لأحمد المعداوي- المجاطي، ما يلي:
" عندما لاحظنا منذ قليل، بأنّ الشكل في الشعر الحديث، شكل ينمو، (...)، كان ذلك يعني أنّ قانون النموّ والتطوّر، يشمل فيما يشمله اللغة التي تعتبر جزءاً من شكل القصيدة الجديدة، وقد آن لنا أن نشير إلى أن اللغة لم تكن تنمو وتتطوّر في اتجاه واحد، بل كانت عملية نموّها تتمّ في اتجاهات مُختلفة، (,,,)، الأمر الذي جعل عمليّة نمو اللغة وتطوّرها لا تنتهي بالدارس إلى استخلاص خاصية أساسية واحدة تميّز لغة الشعر الحديث، بل تفترض وجود أكثر من خاصيّة مفردة مهما بلغت هذه الخاصيّة المفردة من الأهميّة...".
-             ظاهرة الشعر الحديث، أحمد المعداوي- المجاطي، شركة النشر والتوزيع المدارس- الدارالبيضاء، الطبعة الثانيّة/2007، ص: 201-202، (بتصرّف).


   


انطلق من هذه القولة، واكتُب موضوعاً متكاملاً، تنجزُ فيه ما يلي:
-             ربط القولة بسياقها العامّ داخل المؤلّف؛
-             رصد مظاهر تطوّر اللغة في الشعر العربي الحديث؛
-             الإشارة إلى مختلف الوسائل المنهجية والحجاجيّة والأسلوبية التي اعتمدها النّاقد في معالجة هذا الموضوع.




التّحليل


لم تكُن حركة الشعر الحديث مجرّد ثورة على المضامين التّقليديّة التي باعدت بين الشاعر وواقعه، وإنّما كانت كذلك ثورة على الأشكال القديمة التي لم تعد قادرة على التعبير عن التجارب الجديدة للشعراء. وبهذا فإنّ تجربة الشعر الحديث لا تكتمل قيمتها إلا بمعرفة الوسائل الفنيّة التي تمدها بقيم جمالية لا غنى عنها في أي حديث يدور حول حركة تجديديّة كحركة الشعر الحديث. معنى ذلك أن جدّة التجربة وقيمتها تتوقفان على جدّة وسائل التعبير عنها، وعلى ما تزخر به تلك الوسائل من دلالة فنيّة، مصدرها التوافق بين التجربة نفسها وبين وسائل التعبير. ولعلّ اللغة الشعرية من أبرز الوسائل التعبيريّة التي لحقها التطوّر، وذلك باعتبارها عنصراً أساسيّاً في شكل القصيدة الجديدة.
إذا، ما مظاهر تطوّر اللغة في الشعر العربي الحديث؟ وما هي مختلف الوسائل المنهجية والحجاجيّة والأسلوبية التي اعتمدها النّاقد في معالجة هذا الموضوع؟



لقد أشار المجّاطي في هذا الموضوع، وتحديداً في الفصل الرابع من مؤلّفه النقدي، المخصّص للشكل الجديد، إلى أنّ لغة الشعر الحديث تطوّرت في اتجاهات مختلفة، وأنّ هذا التطوّر أخذ أشكال ثلاثة هي:
-             لغة محافظة على خصائص اللغة العربية التقليديّة: وفيها يلجأ بعض الشعراء إلى إيثار العبارة الفخمة، والسّبك المتين، ومن أبرز هؤلاء الشعراء بدر شاكر السيّاب، بحيث نجد في دواوينه الأولى والمتأخرة كثيراً من خصائص اللغة التقليدية.
-             لغة تميل إلى لغة الحديث اليومية: ونجد هذا الشكل مثلاً عند الشاعر أمل دنقل، ففي ديوانه "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة" صور مجتمعية نجح في نقلها عن طريق استغلال لغة الحديث الحيّة التي تحمل همومنا الصغيرة في شرائح متناثرة، لا تبدو قيمتها إلا حين تشد إلى بعضها, والجانب الذي يمنح هذه اللغة نفساً جديداً هو انفتاح قاموسها الشعري على حركة الحياة اليومية المتجدّدة.
-             لغة تبتعد عن لغة الحياة اليومية: ويعتبر المجاطي أن هذه الميزة هي أهمّ ميزة للغة الشعر الحديث؛ فإذا كانت لغة الحياة اليومية لغة نفعية هدفها التواصل، فإنّ نقيضتها التي تبتعد عن الحديث اليومي توصف بكونها لغة مثالية، لأنها مجال لاجتماع الفكر والشعور. ومن أبرز الشعراء الذين مثلوا هذه اللغة الجديدة نجد أدونيس الذي يضطر كثير من النقاد إلى تحميل ألفاظه معاني وقيماً ودلالات مغايرة لما تحمله في الاستعمال الشّائع.



لا شكّ أنّ موضوع لغة الشعر الحديث موضوع غنيّ ومتشعّب، ولأجل ذلك اختار الناقد لمعالجته استراتيجيّة حجاجية وأسلوبيّة مناسبة؛ فعلى المستوى الحجاجي اعتمد الناقد، لتوضيح أفكاره ومحاولة الإقناع بصحّتها، مجموعة من وسائل التّفسير والإقناع، نحدّدها كالتالي:
-             القياس الاستنباطي: وفيه انطلق الناقد من مبدإ عام وهوّ تطوّر لغة الشعر الحديث في اتجاهات مختلفة، ثم انتقل للاستدلال على هذا المبدإ بالحديث عن أنواع هذه اللغة في نماذج شعرية مختلفة؛
-             التمثيل: والمقصود به تفسير الظاهرة بتقديم أمثلة مناسبة عنها، ونلاحظ هذا بالتحديد عندما يريد الناقد أن يثبت حضور خاصية لغوية معينة، فيلجأ إلى التمثيل لها بقصائد لبعض الشعراء.

 
  
وبالإضافة إلى الوسائل السابقة، يتعزّز الجانب التفسيري والحجاجي في هذا الموضوع باعتماد الناقد لغة تقريرية مباشرة، تتميز بسهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، وذلك لتبسيط الفكرة وتقريبها من إدراك المتلقي حتى يتسنى له فهمها واستيعابها والاقتناع بصحّتها.


 وخلاصة القول، إنّ المجاطي درس لغة الشعر الحديث دراسة تفصيليّة، تستحضر أنواعها المختلفة مع التمثيل لكل نوع بما يناسب من الأمثلة. وهذا ما يجعل من هذه الدراسة مرجعاً مهمّاً يقرّب القارئ من إحدى خصائص الشعر الحديث، وهي اللغة. وبما أنّ هذا الموضوع غنيّ ومتشعّب، فقد اختار الناقد لمعالجته مختلف الوسائل التفسيرية والحجاجية والأسلوبية المناسبة.







تعليقات