بيان المنهج الذي اعتمده الكاتب في دراسة ظاهرة الشعر الحديث


تبيّن المنهجية المعتمدة في مؤلّف ظاهرة الشّعر الحديث، لأحمد المعداوي المجاطي

للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية







تبيّن المنهجية المعتمدة في مؤلّف ظاهرة الشّعر الحديث، لأحمد المعداوي المجاطي





هناك في كتاب أحمد المجّاطي أكثر من منهجيّة؛ فإذا كان المؤلّف قد استعان بالمنهجية التاريخيّة والمنهجية الاجتماعية، في جلّ فصول الكتاب، فإننا نجد إلى جانبهما منهجين آخرين، وهما: المنهج النفسي والمنهج الموضوعاتي.

-           المنهج التاريخي: ظهر مصطلح النقد التاريخي قبل ظهور الحركة الرومانسية بقليل. ويعتبر هذا النوع من النقد واحداً من أشكال النقد المتعددة التي قامت على قواعد متينة، وهي في حدّ ذاتها نتاج لعلم التّاريخ والفلسفات التجريبيّة. وقد حرص الناقد المجاطي، منذ البداية، على الربط بين الظواهر الشعريّة المدروسة والفترة الزمنيّة التي شهدت ميلادها. فهو يتتبّع نشوء الحركة الإحيائيّة ويصلها بالخلفيّة التاريخيّة التي استلهمتها، كما تتبّع نشوء الحركة الرومانسية الوجدانية، وكيف شقّت طريقها متأثّرة بعوامل داخليّة عربيّة، وأخرى أجنبيّة ممثّلة في قراءة الآداب الأجنبيّة، وتشبّعهم بالقيم الغربية في مجالات الحياة  والثقافة. كما يجد في الواقع العربي المطبوع بالهزائم، وانتكاسات عامي 1948 و1967، والهجوم الثلاثي على مصر والحركات الاستقلالية وقيام أنظمة تقدمية أو سقوطها، العوامل التاريخيّة المباشرة في ظهور حركة الشعر الحديث.



-           المنهج الاجتماعي: يقوم النقد الاجتماعي، في المجال الأدبي، على دراسة المنتوج الأدبي من زاوية صلته بالمجتمع والبيئة اللذين أُنتِج ضمنهما، فهو نقد يعتبر المجتمع مصدر الإبداع الأدبي وموضوعه، وينظر إلى الأديب وأدبه كمنتوجين لهذا المجتمع أو لما يعرف بالعقل الاجتماعي الذي يطبعنا منذ ولادتنا. ويميل المجاطي إلى هذه المنهجية، ويعلّل بها قيم الشكل والمضمون في أشعار الشعراء الوجدانيين المحدثين. فهروب الشعراء الوجدانيين ويأسهم من الواقع هما نتيجة سخطهم على قيم هذا المجتمع، ويأسهم من الإنسان وحضارته. ولعلّ التلاؤم الذي سجّله المجاطي بين الأشكال الشعريّة الوليدة وبين حركة المجتمعات العربيّة دليل آخر على أنّ ظاهرة الشعر الحديث، في شقها الأساس، منتوج اجتماعي عربي، موسوم بما في المجتمع من توترات ومدّ وجزر.



-           المنهج النّفسي: إن الإبداع، حسب هذا المنهج، على اختلاف أنواعه وأشكاله، هو الرّحم الذي يحتضن النّفس البشريّة بحالاتها ومتناقضاتها. فغالباً ما تكون الظاهرة غُفلاً في الحياة أو الطبيعة إلى أن يُُقيّض لها مبدع عبقري، يخرجها للناس في صورة مشروع أو قانون أو نظرية. ويبيّن أحمد المعداوي المجاطي، في هذا السياق، أن السمات الجديدة للقصيدة نابعة من التجربة النفسية والشعورية التي مرّ منها الشاعر. فطبيعة كلّ تجربة تحتّم عليه أن يكثر من التفعيلات أو يقتصر على بعضها فقط، ويختار الوحدات الموسيقيّة المناسبة التي بإمكانها أن تستوعب الدفقات الشعورية التي تختلج في نفسه.



-           المنهج الموضوعاتي: تقوم هذه المنهجية النقدية على الاهتمام بدراسة الموضوعات التي تتمحور حولها الآثار الأدبية, وقد استثمر المجاطي إمكانات هذه المنهجية في الفصلين الثاني والثالث، وذلك لاستخلاص الموضوعات التي تهيمن على الشعر العربي الحديث، وتكشف عن عوالمه الخفيّة، ومن بين هذه الموضوعات، نذكر: الغربة والضياع- الحياة والموت. وقد أسعفت المنهجية الموضوعاتية المجاطي على الإمساك بالعناصر الدلالية والمعاني الثرّة التي ميزت قصائد كل من بدر شاكر السياب وأدونيس وعبد الوهاب البياتي.

وفضلاً عن هذه المنهجيات المتكاملة في مؤلّف المجاطي، نجد أن الكتاب يتّسم بسمتين رئيستين، وهما:


-           سمة موضوعية: وهي السمة الغالبة على الكتاب من حيث هي قائمة على:
الاستقصاء: فقد ألمّ المجاطي بالحركات الشعرية العربية (الإحيائية والوجدانية والحديثة) إلماماً مشهودا، بمعرفة ظروف نشأتها، والعوامل التي أسهمت في تكونها وتبلور توجهاتها، وأهمّ روادها، ووجهات نظرهم في الإبداع الشعري، وطبيعة تكوينهم الأدبي، ودرجة تفاعلهم مع الأحداث العربية الجسيمة (على نحو نكبة فلسطين وهزيمة يونيو).
التحرّي: ونلمسه في أن المؤلِّف يجمع المعطيات الملائمة وينظمها ويربطها بسياقاتها الخاصة والعامة، ويستشهد بأمثلة من الشعر أو أقوال النقاد. وعموماً فهو يتحرى في القضايا المعروضة من جوانب عديدة حرصاً منه على إصدار حكم نقدي موضوعي.


-           سمة ذاتيّة: وهي تتجسّد في تلك الانطباعات والأحكام الشخصيّة التي يصوغها المجاطي في قضية تاريخية أو سياسية أو أدبية أو نصيّة أو لغوية أو فنيّة أو إيقاعيّة. وهي، في مجملها، تكشف عن موقفه الذاتي وذوقه الشخصي حيال بعض القضايا الفنية التي تحتمل تأويلات مختلفة، أو يصعب أن يُحسم فيها بالمعايير العلمية كما لو كانت حقائق ثابتة، كما أنّ تطبيق القواعد والأصول النقدية لا يحدث آلياً وإنّما يعتمد على تجربة الناقد وتكوينه الشخصي والثقافي الواسع.  







تعليقات