حضور تجربة الحياة والموت عند الشعراء
ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي: تجربة الحياة والموت
جاء في كتاب
"ظاهرة الشعر الحديث"، لأحمد المعداوي- المجاطي، مايلي:
"وبعد فما كان لهؤلاء الشعراء (أدونيس، وخليل حاوي،
والسياب، والبياتي) أن يلتقوا عند معاني الحياة والموت، لو لم يكن إحساسهم بواقع
ما بعد النّكبة، وما قبل النكبة إحساساً عميقاً وواعيا. ولو لم يكن مفهومهم
للإبداع الشعري مفهوماً شموليّاً تلتقي فيه هموم الذّات بهموم الجماعة التقاء
حميماً، ويتداخل فيه موقف الشاعر من الماضي بموقفه من المستقبل، بمعنى آخر، لقد
أصبح وعي الشاعر بالذات، وبالزمن وبالكون، مرتبطاً بوعيه بالجماعة، ومتضمّنا له...
إنّ الصراع بين الموت والحياة في تجربة الشاعر الحديث يعني في آخر الأمر الصراع
بين الحرية والحب والتجدد الذي يجعل الثورة وسيلته، وبين الحقد والاستبعاد والنفي
من المكان ومن التاريخ".
انطلق من هذه القولة، واكتب موضوعاً متكاملاً، تنجز فيه
ما يلي:
-
ربط القولة بسياقها العامّ في المؤلّف؛
-
رصد حضور تجربة الحياة والموت عند أحد الشعراء المذكورين في القولة؛
-
الإشارة إلى مختلف الوسائل المنهجية التي اعتمدها
النّاقد في مقاربة هذه التجربة.
التّحليل
عرف الشعر العربي الحديث مع نهاية الأربعينيات منعطفاً
مهمّاً تمثّل في نهج شعراء
الحداثة لشكل شعري جديد،
وقد مثل هذا الشكل رواد بارزون من أمثال: السياب، صلاح عبدالصبور، البياتي، وأدونيس... على أنّ التجديد على مستوى الشّكل واكبه
تجديد على مستوى المضامين أيضاً، وذلك استجابة للتحوّلات الجديدة، التي
عرفها المجتمع العربي، وفي مقدمتها نكبة فلسطين سنة 1948، وتردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات
العربية، وقد شكّلت تجربة الحياة والموت أهمّ
الموضوعات التي تمحور حولها الشعر الحديث. فما مضمون هذه التّجربة؟ وكيف
تجسّدت عند شعراء الحداثة؟ وما
هي الوسائل المنهجية التي اعتمدها النّاقد في مقاربة هذه التجربة؟
وردت القولة السابقة في نهاية الفصل الثالث، وجاءت بمثابة استنتاج وخلاصة
لهذا الفصل، الذي تناول فيه الناقد أسباب تبني شعراء الحداثة لهذه الموضوعة، والتي
جعلتهم موقع تجاذب لإيقاعين متناقضين، هما: إيقاع الأمل، وإيقاع اليأس، وجعلت نجاح تجربتهم الشعرية رهيناً بمدى
إيمانهم بجدليّة الحياة والموت،
وواضح من خلال القولة السابقة أن
هذه الجدليّة تمتزج فيها هموم الذات بهموم الجماعة، فالشاعر إنما يحسّ بالموت انطلاقاً من
الواقع العربي الذي كانت تغلفه شتّى مظاهر الموت والدمار، وهو عندما يتطلّع إلى
الحياة والبعث، فإنه يبحث عن حياة الجماعة أكثر مما يبحث عن حياته كفرد. ويستنتج،
من خلال قولة الانطلاق، أن الموت مرتبط أساساً بالماضي وبالحاضر، أمّا الحياة
فمرتبطة بالمستقبل الذي ينتظره الشاعر. لقد آمن الشاعر الحديث أنّ الحياة لا
يمكنها أن تولد إلا من رحم الموت، وعمّق هذا الإيمان وهذه التّجربة اطلاعه على
الأساطير القديمة: اليونانية، الفينيقية، البابلية، والعربية... وهكذا ترددت
كثيراً في الشعر العربي الحديث جملة من الأساطير والرموز التي تعكس جدلية الموت
والحياة من قبيل: أسطورة تموز
وعشتار، وأسطورة أورفيوس، وقصّة الخضر... إلخ.
ويستفاد من القولة السابقة أن الناقد قد رصد تجربة
الحياة والموت عند أربعة شعراء، هم: أدونيس، خليل حاوي، السياب، البياتي. وإذا كان
المقام لا يتّسع هنا للوقوف عند تمظهرات هذه التجربة عند كلّ الشعراء الأربعة
المذكورين، فإننا سنكتفي بالوقوف عند تمظهراتها عند الشاعر عبدالوهاب البياتي فقط.
لقد لاحظ
المجاطي تأرجح تجربة الحياة والموت عند البياتي بين منحيين مختلفين هما منحى الأمل
ومنحى اليأس، حيث يتولّد اليأس عند هذا الشاعر من مظاهر الانهيار والسقوط التي
انتهى إليها الواقع العربي، في حين يتولد الأمل من رغبة الشاعر في تجاوز هذا
الواقع، وخلق واقع جديد.
أمّا فيما يتعلّق بالمنهج الذي توسّله المجاطي في مقاربته لتجربة الحياة
والموت في الشعر العربي الحديث، فيمكن أن نسجّل بداية استناد النّاقد إلى المنهج الموضوعاتي، وذلك من خلال تركيزه على الموضوعات
الأساسية التي تمحورت حولها تجربة الشعر الحديث، وفي مقدّمة هذه الموضوعات، تجربة
الغربة والضياع، وتجربة الموت والحياة. كما حضر المنهج التاريخي- الاجتماعي، من خلال ربط المجاطي بين تجربة الحياة
والموت عند الشعراء السابقين، وبين الواقع العربي الذي كان يعاني السقوط والدمار
والتخلّف في مرحلة تاريخيّة محدّدة هي مرحلة: ما بعد النكبة الفلسطينية 1948. كما حضر المنهج النفسي، من
خلال ربط المجاطي بين تجربة الموت والحياة وبين المعاناة التي ولدها الواقع في
نفسية الشعراء الأربعة المذكورين، خاصة عند حديثه عن خليل حاوي الذي تمحورت
التجربة عنده حول (معاناة الحياة والموت).
وهكذا ننتهي إلى أنّ تجربة الموت والحياة، كانت من أعمق التجارب التي رسخت الحداثة على مستوى المضامين عند الشعراء المحدثين، فقد استطاع هؤلاء الشعراء بتبنيهم لهذه التجربة، تعرية ما في واقعهم من مظاهر التخلّف والدمار، وذلك بالقدر نفسه الذي تمكّنوا فيه من التبشير والدعوة لواقع مستقبلي جديد تنتشر فيه مظاهر الحياة.