مظاهر الشّكل الجديد عند شعراء التيار الذاتي الوجداني


مظاهر الشّكل الجديد عند شعراء التيار الذاتي الوجداني


نموذج محلّل لقولة مُقتطفة من مؤّلف نقدي:

ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي: نحو شكل جديد

للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية



مظاهر الشّكل الجديد عند شعراء التيار الذاتي الوجداني







ورد في كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" لأحمد المعداوي المجاطي ما يلي:

"... فقد أدرك الشاعر الوجداني، أنّ كلّ تجربة جديدة لا تعبّر عنها إلاّ لغة تستوحي صيغتها التّعبيريّة، وصورها البيانيّة، وإيقاعاتها الموسيقيّة من التّجربة نفسها".

ظاهرة الشعر الحديث، شركة النشر والتوزيع المدارس- الدارالبيضاء، ط2/ 2007، ص 36.



انطلق من هذه القولة، واكتب موضوعاً متكاملاً، تنجز فيه ما يلي:
-                   ربط القولة بسياقها العامّ داخل المؤلّف؛
-                   رصد مظاهر الشّكل الجديد عند شعراء التيار الذاتي الوجداني على مستوى اللغة، والإيقاع، والصورة الشعريّة؛
-                   الإشارة إلى مختلف الوسائل المنهجية والحجاجيّة والأسلوبية التي اعتمدها النّاقد في مقاربة هذه التجربة.


التّحليل



في ظلّ التحوّل الذي اتجه بالمضمون اتجاها وجدانيا صرفاً، أتيح للقصيدة العربية الحديثة أن تعيد النّظر في أشكالها وأدواتها الفنيّة. ذلك أنّ التطوّر في هذه القصيدة لم يكن تطوّراً منفصلاً، يتفاوت السعي فيه بين الشكل والمضمون، بل كان تطوّراً متكاملاً، يستمدّ حركته من مبدإ العودة إلى الذات، فقد أدرك الشّاعر الوجداني أن كلّ تجربة جديدة لا تعبّر عنها، بالضرورة، إلاّ لغة تستوحي صيغها التعبيريّة، وصورها البيانيّة، وإيقاعاتها الموسيقيّة من التجربة نفسها.

إذن، ما هي مظاهر التطوّر الفنّي الذي لحق شكل القصيدة عند شعراء التيار الذاتي الوجداني؟ وما علاقة هذا الشكل بتجارب هؤلاء الشعراء؟ وما هي مختلف الوسائل المنهجية والحجاجيّة والأسلوبية التي اعتمدها النّاقد في مقاربة هذه التجربة؟

إنّ المُتأمّل للقصيدة الشعريّة عند أصحاب التيّار الذاتي الوجداني، سيلاحظ أنّ التطوّر الذي لحق شكلها الفنيّ يتركّز بالأساس في ثلاثة مكونات فنيّة هي: الصيغ التعبيريّة، والصور البيانيّة، والإيقاعات الموسيقيّة، وذلك ما أوضحه المجاطي في القسم الثاني من الفصل الأوّل من كتاب "ظاهرة الشعر الحديث".



فالبنسبة للصيغ التعبيريّة، يلاحظ أنّ لغة القصيدة الوجدانيّة أصبحت أقلّ صلابة من لغة القصيدة الإحيائيّة، وأكثر سهولة ويسراً. غير أنّه لابدّ من القول بأنّ مصطلح السهولة هنا، يتجاوز معنى اليسر، إلى الاقتراب من لغة الحديث المألوف. وفي هذا الصدد نجد العقاد يقترب بالشعر من لغة الحياة اليوميّة، فيديره مع أصداء الشارع، ويمرّ به على عسكري المرور، ويضعه في فم الباعة المتجولين الذين اعتادوا إزعاجه كلّ صباح. أما إيليا أبو ماضي، فقد اتخذ عنده هذا القرب من لغة الحديث شكلاً نثريّاً، تحلّلت به القصيدة من لغة الشعر المشرقة، التي استوت في دواوين الشعراء المجودين سلاسل ذهبية فاتنة، وأصبحت حديثاً مألوفاً، كأيّ حديث يدور بين اثنين، في زاوية من زوايا الشارع.


أمّا من حيث الصور البيانيّة، فقد استعملها الشاعر الوجداني لغاية نابعة من تجربته الذاتية، كأن يشرح بها عاطفة، أو يبيّن حالة. وبهذا أصبحت عنده وسيلة للتعبير عما تعجز عنه الأساليب اللغوية المباشرة، وليست زخارف وأصباغاً تراد لذاتها كما هو الشأن عند شعراء التيار الإحيائي. ومن خلال هذه العلاقة التي أقامها الشاعر الوجداني مع الصور الشعريّة، تولّدت خاصية أخرى من خصائص الشكل الفني في هذه القصيدة وهي الوحدة العضوية التي تجعل منها أجزاء متسلسلة وبناء متراصّا ومُنسجماً.


وبالانتقال للإيقاعات الموسيقيّة، فقد عمل الشاعر الوجداني على تنويع القافية واختلاف الأوزان. وهو في كلّ ذلك يسعى إلى ربط القافية والوزن بالأفكار والعواطف الجزئية، وليس بموضوع القصيدة بوصفه كلاّ موحّداً؛ كما أنّ الأفكار والعواطف يمكن أن تتبدّل وتتلوّن وتتناقض، فمن المناسب كذلك أن تتغيّر القوافي وتختلف الأوزان بما يناسب التبدّل الطارئ على هذه الأفكار والعواطف. وبهذا عرف الشاعر الوجداني الحديث كيف يفرّق بين الموضوع الواحد، وبين العواطف والأحاسيس الجزئيّة التي يتوقّف تشخيصها على الاستعانة بإيقاعات موسيقيّة تقوم بالأساس على تنوّع القافية واختلاف الأوزان.


وإذا كان الشكل الجديد يمثّل إضافة كميّة ونوعيّة إلى الخصائص الفنيّة للشعر العربي الحديث، فإنّ المجاطي حرص على تقديم هذا الشكل إلى القارئ باستعمال وسائل منهجيّة وحجاجيّة وأسلوبية مناسبة. فعلى المستوى المنهجي استعان الناقد بالمنهجين: الاجتماعي والنفسي، حيث فسّر بالأول سهولة اللغة في الشعر الوجداني، وذلك من خلال ربطها بالحياة اليوميّة للشاعر، أما الثاني فقد فسّر به طبيعة الصورة وطبيعة الإيقاع في هذا الشعر، وذلك من خلال ربطها بالحالة النفسيّة للشاعر في أحاسيسها وانفعالاتها المختلفة.


وعلى المستوى التفسيري والحجاجي، فقد اعتمد الناقد، لتوضيح أفكاره ومحاولة إقناع المتلقي بصحّتها، مجموعة من الوسائل، نحددها كالتالي:

-                   القياس الاستنباطي: وفيه انطلق الناقد من مبدإ عام، وهو تطوّر الشكل الفني في القصيدة الوجدانية، ثم انتقل للاستدلال على هذا التطوّر بنماذج شعريّة لبعض شعراء التيار الذاتي الوجداني؛
-                   التمثيل: وفيه لجأ الناقد إلى تفسير الظاهرة بتقديم أمثلة عنها، ونجد هذا بالتحديد عندما يريد أن يثبت تطوّر الشكل الفني للشعر الوجداني، فيعمد إلى التمثيل لذلك بقصائد من هذا الشعر؛
-                   المقارنة: وهي وسيلة تفسيرية وحجاجية يلجأ إليها الناقد بالأساس لإبراز أوجه الاختلاف بين التيار الذاتي الوجداني ونظيره الإحيائي التقليدي، على مستوى الشكل الفني؛ فإذا كان هذا الشكل عند الإحيائيين يتميّز بوجود لغة صلبة، وإيقاع ثابت، وصور بيانية غايتها التزيين والزخرفة، فإنه عند الرومانسيين يتميّز بلغة سهلة، وإيقاع متغيّر، وصور بيانية غايتها التعبير عن النفس في أحوالها وانفعالاتها المختلفة.


وخلاصة القول، إنّ دراسة المجاطي لهذا الموضوع تميّزت بالطابع الشمولي الذي استحضر الشكل الفني في مكوناته المختلفة، كما تميزت أيضاً بالتكامل الذي يربط التصوّر النظري بالممارسة التطبيقيّة، ويربط أيضاً خصوصيّة الشكل بالأبعاد العاطفيّة والوجدانية للشاعر. أما طريقة المعالجة، فإنها طريقة علمية موضوعية من خلال سعيها إلى توظيف ثلّة من الوسائل المنهجية والحجاجية والأسلوبية المناسبة.








حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-