ظاهرة الشعر الحديث: مظاهر البعد الوجداني



ظاهرة الشعر الحديث: مظاهر البعد الوجداني


نموذج محلّل لقولة مُقتطفة من مؤلف نقدي: ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي

للسنة الثانية من سلك الباكلوريا – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية





ظاهرة الشعر الحديث لأحمد المعداوي المجاطي



ورد في كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" لأحمد المعداوي- المجاطي ما يلي:
"التقى هؤلاء الشعراء (جماعة الديوان) عند فكرة واحدة، هي أنّ الشعر وجدان. غير أنّ مفهوم الوجدان عندهم كان متباينا، (...)، ولا ريب في أنّ هذا الاختلاف في مفهوم الوجدان، قد أثمر اختلافا بيّناً في المضامين الشعريّة لهؤلاء الشعراء...".
-        ظاهرة الشعر الحديث، شركة النشر والتوزيع المدارس- الدارالبيضاء، الطبعة الثانية/2007، ص 11، (بتصرف).



انطلق من هذه القولة، واكتب موضوعاً متكاملاً، تنجز فيه ما يلي:
-        ربط القولة بسياقها العام داخل المؤلّف؛
-        رصد مظاهر البعد الوجداني، واختلاف مفهومه ومضامينه عند شعراء مدرسة الديوان؛
-        الإشارة إلى مختلف الوسائل المنهجية والحجاجية والأسلوبية التي اعتمدها النّاقد في مقاربة هذه التّجربة.




-      التّحليل –


لقد بدأت تركيبة المجتمع المصري تتغيّر منذ أواخر العقد الأوّل من القرن العشرين، وذلك بعد ظهور طبقة البورجوازية الصغيرة على مسرح الأحداث، وبعد أن تمّ التحام متين، على مستوى الفكر، بين الأجيال الصاعدة، وبين الحضارة الحديثة، فكانت النتيجة هي ظهور جماعة من الشعراء يبشّرون بقيم جديدة تتناغم مع شعار العودة إلى الذات، هؤلاء الشعراء هم: عباس محمود العقاد، وعبد الرحمن شكري، وإبراهيم عبد القادر المازني، الذين شكّلوا مدرسة شعريّة تسمّى "جماعة الديوان".

إذن، ما هو المضمون الذاتي في شعر هذه الجماعة؟ وكيف يختلف حضوره من شاعر إلى آخر؟ وماهي الوسائل المنهجية والحجاجية والأسلوبية التي اعتمدها الناقد في معالجة هذا الموضوع؟


لقد وردت القولة السالفة الذكر في بداية الفصل الأوّل من كتاب "ظاهرة الشعر الحديث"، وبالتحديد في القسم الأول الذي يحمل عنوان "نحو مضمون ذاتي"، وفيه يؤكد الناقد أنّ شعراء الديوان قد التقوا عند فكرة واحدة، هي أن الشعر وجدان، غير أن مفهوم الوجدان عندهم كان متباينا. فقد أراده العقاد مزيجاً من الشعور والفكر، وفهمه شكري على أنه التأمل في أعماق الذات تأملا يتجاوز في غايته حدود الاستجابة للواقع، أما المازني فقد رأى فيه كل ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وإحساسات. ولا ريب في أن هذا الاختلاف في مفهوم الوجدان، قد أثمر اختلافا بيّناً في المضامين الشعرية لهؤلاء الشعراء؛ فقد لابس شعر العقاد ميل واضح إلى التفكير، بل ما أكثر ما طغى الجانب الفكري على الجانب الشعوري في شعره، ولعل في ذلك ما يفسر ذهاب كثير من الدارسين إلى القول إن العقد مفكر قبل أن يكون شاعراً. وعلى العكس من ذلك نجد عبد الرحمان شكري يستمد طابعه المظلم من أغوار نفسه الكسيرة، منصرفاً من إهمال العقل المحض إلى التأمل في أعماق الذات، لأن المعاني عنده جزء من النفس لا يدرك بالعقل، وإنّما يدرك بعين الباطن، أي القلب. أما المازني، فإنّه أحبّ أن يتعامل مع الأشياء تعاملا أساسه الانفعال المباشر بما تنطوي عليه تلك الأشياء من مظاهر مفجعة دون تدخل من العقل، أو توغّل في أعماق النفس، لأنّ من طبيعة الشعر عنده، أن ينطلق من النفس بصورة طبيعية، أشبه ما تكون بالبركان.



إنّ مقاربة المجاطي لهذه التجربة قد تمّت انطلاقاً من اتباع استراتيجية منهجيّة وحجاجية وأسلوبية واضحة، فعلى المستوى المنهجي اعتمد الناقد المنهجين التاريخي والاجتماعي؛ وذلك من خلال ربط ظهور جماعة الديوان بالتحولات التاريخية والاجتماعية التي عرفها المجتمع المصري في بداية القرن العشرين. وعلى المستوى التفسيري والحجاجي، اعتمد الناقد، لتوضيح أفكاره ومحاولة الإقناع بصحّتها، مجموعة من الوسائل، نحدّدها كالتالي:


-        القياس الاستنباطي: وذلك من خلال الانطلاق من مبدإ عام، وهو "التقاء شعراء جماعة الديوان عند فكرة واحدة، هي أن الشعر وجدان"، ثم الانتقال بعد ذلك لرصد مظاهره عند هؤلاء الشعراء.
-        الاستشهاد: ويظهر ذلك في لجوء الناقد، لدعم موقفه، إلى الاستشهاد بمجموعة من آراء بعض الشعراء والنقاد، كعبد الرحمان شكري في مقدمة ديوانه "ضوء الفجر"، وعباس محمود العقاد في ديوانه "هدية الكروان"، وصلاح عبد الصبور في مقاله "شاعرية العقاد"...
-        المقارنة: وتبدو من خلال إبراز نقط الاتفاق ونقط الاختلاف بين شعراء هذه المدرسة حول مفهوم الوجدان ومضامينه في شعرهم.

   

وبالإضافة إلى الوسائل السابقة، يتعزّز الجانب التفسيري والحجاجي في هذا الموضوع باعتماد الناقد لغة تقريرية مباشرة، تتميز بسهولة الألفاظ، ووضوح المعاني، وذلك لتبسيط الفكرة وتقريبها من إدراك المتلقي حتى يتسنى له فهمها واستيعابها والاقتناع بصحّتها.



وخلاصة القول، إن المجاطي حاول أن يحيط بالظاهرة المدروسة إحاطة تجمع بين التصوّر النظري والممارسة التطبيقية، مما يجعل من دراسته دراسة علمية موضوعية تراعي الشمولية في الطرح، والدقة في التناول، والاعتماد على الوسائل المنهجية والحجاجية والأسلوبية المناسبة.  









تعليقات