منهجية تحليل نص نظري

مكوّن التعبير والإنشاء

منهجية تحليل نص نظري


مهارة كتابة إنشاء أدبي حول قضية أدبية (نص نظري)


السنة الثانية من سلك البكالوريا | مسلك الآداب والعلوم الإنسانية

نص الانطلاق: صراع القديم والجديد في الشعر، أحمد الهنا | في رحاب اللغة العربية : ص 86




إنجاز الأستاذ : محمد البوعيادي 



مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نصّ نظري





خطوات المهارة مع التطبيق:

أولا: المقدمة:


- تحديد عام لجنس النص: النص مقالة أدبية.
- تحديد عام للموضوع: تتناول قضية كذا وكذا (مثلاً قضية الجديد والقديم في الشعر).
- تعريف المقالة الأدبية (باختصار) :

أ. السياق التاريخي لظهور فن المقالة :

 والمقالة الأدبية فن أدبي ظهر في أوروبا بعد الثورة الصناعية وتطور فن الطباعة، بسبب ضيق وقت القراء نتيجة الالتزام بساعات العمل، وبسبب طلب الذهن المعاصر للاختصار. وقد انتقل هذا الفن إلى العالم العربي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين بفضل الاحتكاك مع أوروبا.

ب‌. خصائص المقالة الأدبية : 

ومن أهم خصائص هذا الفن: الاختصار والابتعاد عن الزيادات والإطناب، والموضوعية والاعتماد على العقل واللغة التقريرية.

ت‌. رواد فن المقالة :

 من أهم روادها في العالم العربي : طه حسين ومصطفى صادق الرافعي وأحمد حسن الزيات ومحمود أمين العالم، الحسين واد وعبد الله كنون. إلخ

- تعريف القضية الأدبية باختصار : 

وقد ظهرت قضية الصراع بين القديم والجديد منذ العصر العباسي، مع شعراء أمثال بشار بن برد وأبي نواس والمتنبي، واستمرت إلى حدود بداية القرن العشرين حيث اشتد الصراع بين المحافظين والمجددين في صورة الصراع بين طه حسين ومصطفى صادق الرافعي، ولازلت مستمرة إلى يومنا هذا بين الاتجاه السلفي والحداثيين، وهي قضية تجلت في الشعر في مستويات التعبير الشكلي : الإيقاع والصور واللغة وفي مستويات المضمون: موضوعات الشعر.

- الأسئلة (الإشكال) :

 فيا ترى، ما هي قضية النص المحورية، وما أهم عناصرها (القضايا الجزئية)؟ وكيف تم بناء هذه القضية؟ وما طريقة العرض التي اتبعها الناقد في تقديم القضايا؟ وما أهم الحجج والأدلة التي استعملها؟ وأهم المصطلحات النقدية الواردة في النص؟ وما أشكال الاتساق والانسجام التي اعتمد عليها؟


ثانيا: العرض (التحليل):


- قراءة في العنوان:

 تحديد دلالة العنوان : (نموذج صراع القديم والحديث: يتضمن عنوان النص أربع كلمات أساسية دالة: كلمة الشعر وتدل على مجال المقالة أو القضية الأدبية التي سيطرحها النص، وكلمتا الجديد والقديم، وتدلان على مقابلة بين نمطين من الكتابة الشعرية، نفهم منها أن المقالة ستعرض لخصائص كليهما وأوجه التعارض بينهما، خاصة وأن كلمة "صراع" توضح اتجاه المقالة والفكرة التي ستقوم عليها.

- تحديد القضية الأساسية:

يتم في هذا السياق تحديد الفكرة الأساسية من النص والرهان الذي يتغياه.
(يمكن أن نقول في مثال صراع القديم والجديد: يتناول هذا النص الأدبي قضية الصراع بين الجديد والقديم في الشعر العربي، ويبين مفاصل هذا الصراع الذي ينشأ على عدة مستويات، حيث يدافع المجددون على أحقية الأديب في حرية اختيار المواضيع التي تناسب العصر والشعور الفردي، في حين يدافع التقليديون على ضرورة الالتزام بمواضيع الشعر الكلاسيكية وإعادة صياغتها. كما يدافع المُحدثون عن أهمية التنويع في الأوزان وتحرير المقدمة الشعرية من الطلل وتحرير القصيدة من التقسيم المتبع في "تعدد الأغراض" في حين يرى الكلاسيكيون أن الحفاظ على تعدد الأغراض أساسي وضروري للشعرية العربية.

- تحديد عناصر القضية (القضايا الجزئية) ومناقشتها:

يتم هنا ذكر القضايا المتفرعة في النص النظري (القضية الأدبية) مع مناقشتها بالأدلة والآراء والحجج التي يعرفها التلميذ :
(مثال الصراع بين القديم والجديد: وتتفرع القضية الأساسية إلى قضايا جزئية متنوعة، ففي القضية الجزئية الأولى: يتناول الناقد صراع الجديد / القديم في العصر العباسي، بين مجموعة من رواد التجديد كأبي تمام وأبي نواس والمتنبي ومعارضيهم. فبالنسبة لأبي تمام مثلا، تجلى الرهان الأكبر لتجديده في التعقيد الذي ظهر عنده في صياغة الصور الشعرية، حيث اعتمد على صور مركبة ومعقدة يصعب فهمها دون تحليل وهو ما عابه عليه النقاد، مثال على ذلك قوله في قصيدة "البركة الحسناء" :
أتاك الربيع الطّلقُ يختال ضاحكا // من الحسن حتى كاد أن يتكلما.
ففهم هذه الصورة التجديدية يحتاج الكثير من إعمال العقل والذهن.
أما أبو نواس فصراعه مع أنصار التقليد تجلى أساسا في جزئية المقدمة الشعرية، حيث سخر من المقدمة الطللية وعوضها بمقدمة خمرية أو غزلية، لانتشار مجالس الخمر والطرب في العصر العباسي واندثار الأطلال في مرحلة المدينة، وهو ما نجده صريحا في قوله:
قُل لمن يبكي على رسمٍ درسْ // واقفا ما ضر لو كان جلسْ.
أما القضية الجزئية الثانية: فقد تناول فيها الناقد امتداد الصراع بين التجديد والتقليد في الشعر العربي إلى منتصف القرن العشرين وما صاحب هذه الفترة من بروز لتيار الشعر المعاصر، حيث تحول النقاش من قضية الأغراض والمقدمة وطبيعة الصور إلى نقاش الشكل كاملا ووسائل التعبير الفني وقضايا الشعر، فقد أصرت نازك الملائكة (حسب الناقد) على أن التجديد الإيقاعي في عنصر الشكل كان امتدادا للعروض العربي وليس ثورة أو قطيعة مع العروض الخليلي، لكن كتاباً آخرين ومنهم أحمد المجاطي وأدونيس وعز الدين إسماعيل، رأوا في التغيير الإيقاعي قطعا مع التقليد العروضي، خصوصا وأنه لم يحتفظ في كل سطر شعري من القصيدة المعاصرة إلاّ بتفعيلة واحدة، وتم تقسيمها أحيانا بين سطرين باعتماد مبدإ التدوير. ولعل كلام نازك الملائكة كان نابعا من خوفها الشديد من الحملة المعادية للتجديد التي كانت نشأت ضد الشعر الحديث في ظل بنية اجتماعية تقليدية تقدس المحاكاة والبناء على نموذج جاهز.


- منهج عرض القضية :

يتم في هذه المرحلة تحديد الطريقة التي تم عرض القضية الأدبية بها، وهناك أربع طرق لعرض القضية:
- الطريقة الاستنباطية: الانطلاق من العام إلى الخاص ومن الكل إلى الجزء.
– الطريقة الاستقرائية: الانطلاق من الخاص إلى العام ومن الأجزاء إلى الكل
– العرض التاريخي: ويتم فيها تناول القضية حسب المراحل التاريخية المتعاقبة
– المقارنة: ويتم فيها طرح القضية الأدبية عن طريق مقارنتها بقضية أخرى أو مقارنة أجزائها بعضها ببعض.
(مثال قضية صراع الجديد والقديم: وتجدر الإشارة إلى أن النص الذي بين أيدينا اتبع طريقتين: الطريقة الاستنباطية في طرح قضيته الأساسية وعناصرها الجزئية، فقد انطلق الناقد من تحديد أوجه الصراع العامة كما بدأت في العصر العباسي ثم انتقل إلى رصد قضايا جزئية في الصراع مثل قضية التفعيلة في الشعر الحديث، كما أنه اعتمد طريقة العرض التاريخي: حيث انتقل من طرح قضية الصراع من المرحلة العباسية إلى بداية القرن العشرين متبعا خطا تاريخيا لتطور القضية.)

- البنية الحجاجية:

يتم في هذه الخطوة رصد أهم الحجج والبراهين التي استخدمها الناقد لعرض القضية وتبيين مفاصلها، والحجج كثيرة ومتنوعة، منها : المقارنة – المثال – التفسير – التقسيم إلى أجزاء – الشواهد – الحجة العقلية – التاريخية ..إلخ.
(مثال قضية الصراع بين الجديد والقديم: وفي سبيل توضيح القضية وتقوية طرحه، وظف الناقد مجموعة من الحجج المتنوعة، حيث استعمل حجة المقارنة: وهي واضحة في مقارنته لمستويات التجديد في الشعر العربي بين مرحلة العصر العباسي، التي عرفت تجديدا محدودا طال المقدمة والصورة الشعرية فقط، ومرحلة القرن العشرين التي عرفت تجديدا قويا طال البنية الإيقاعية كاملة للقصيدة. كما أنه وظف حجة المثال: حيث أعطى أمثلة حية عن أولئك الشعراء المجددين قديما وحديثا، فليس أبو نواس وأبو تمام والمتنبي ونازك الملائكة سوى أمثلة عن عدد غفير من الأدباء الذين رأوا في الحرية التعبيرية شرطا ضروريا للإبداع، خصوصا حين يتعلق الأمر بابتداع وسائل تعبير وطرق شعرية جديدة تلائم طبيعة المواضيع والرهانات التي يطرحها الواقع المعاصر. يُضاف إلى هاتين الحجتين حجة التفسير: حيث فسّر الناقد أن نازك الملائكة لم تكن تعتبر نفسها خارجة أو متمردة على العروض العربي، بل مطورة ومجددة من داخله. وقد لعبت هذه الحجج دورا هاما في تقوية الطرح الأدبي وتبيين أهمية القضية).

- المصطلحات:

يتم في هذه المرحلة جرد أهم المصطلحات التي تؤسس للقضية والتي لا يمكن بناؤها من دونها، فلكل مجال أدبي وقضية أدبية ترسانة خاصة من المصطلحات هي أدوات القول والتحليل، وهنا لابد من التمييز بين المفردات العامة: وهي المشتركة بين كل المجالات مثل كلمة "باب" وبين المصطلح: وهو لفظ خاص له تعريف محدد ويتم تداوله ضمن إطار خاص جدا، مثل تداول مصطلح "القافية" ضمن مجال الشعر فقط.
(مثال : قضية الصراع بين القديم والجديد: ولكي يدعم نصه وحججه أكثر، اهتم الناقد باختيار دقيق لمصطلحات تخدم قضيته، فنجده استمد مصطلحات من النقد الأدبي والتاريخ وأخرى من الشعر: فهناك مثلا مصطلح الحداثة: ويقصد به الثورة والتمرد على القواعد الكلاسيكية وإعادة بناء منظورات جديدة للعالم والأشياء، وهو مصطلح مأخوذ من مجال التاريخ، وثم نقله لمجال الشعر ليعني تحديث الوسائل الفنية التعبيرية وتثوير قضايا الشعر لتصير في قلب قضايا المجتمع وإشكالياته الاجتماعية الراهنة. وهناك مصطلح الشعراء المولدون: ويقصد به الشعراء من أصول غير عربية، فارسية وتركمانية ومصرية، وقد كتبوا الشعر باللغة العربية الفصحى، مثالهم بشار بن برد. دون أن ننسى أهم مصطلحين في النص وهما :
القديم: وهو الأدب الذي يخضع لقواعد كلاسيكية متوارثة وثابتة وغير قابلة للتغيير في نظر المحافظين، ثم الجديد: ويقصد به الأدب الذي يصنع قواعده التعبيرية والموضوعاتية الخاصة المُستمدة من الواقع والعقل والحرية. وقد ساهمت هذه المصطلحات في تبيين المقصود من الصراع بين القديم والجديد وسهلت عملية بناء النص).

- مظاهر الاتساق والانسجام:

يجب في هذه المرحلة استثمار درسي الاتساق والانسجام لتحديد مظاهرهما في النص، فنحدد مظاهر الاتساق التركيبي والمعجمي عبر الوصل والإحالة كما نحدد مبادئ الانسجام وكيف ساعدتنا في فهم النص.
( نموذج قضية الصراع بين الجديد والقديم: وليُتم النص مهمته، كان من الضروري بناؤه بناء مُحكما من الناحية الشكلية والمنطقية، فقد ترابطت أجزاؤه واتسقت بالاعتماد على وسائل الاتساق التركيبي والمعجمي. كما اتضحت بعض معانيه وانسجمت أجزاؤه قياسا إلى المجهود الذهني غير المباشر الذي نقوم به نحن باعتبارنا قراء.
فأما وسائل الاتساق التركيبي فنجد الاعتماد على أدوات الوصل في مقدمتها، مثل حروف العطف، الواو خصوصا: "وجديد أبي تمام [و]ابن الرومي [و]المتنبي"، بالإضافة إلى حروف التعليل :"و[ما] مواقف أبي تمام والمتنبي [إلا] نماذج لحالة وعي جديد". والأسماء الموصولة "إن المتتبع للدور التاريخي [الذي] قامت به الشاعرة". ثم نجد طرق الإحالة بعدها، مثل الضمائر المنفصلة في قول الناقد "ف[هي] ترى أن الشعر لم يقف بعد على قدميه"، ومثل أسماء الإشارة : "يدرك أنها لم تطل عن [هذه] الحركة من نافذة الحداثة". وقد ساهمت طرق الربط هذه في لحم أجزاء النص إلى جانب علاقات الاتساق المعجمية، مثل علاقة العموم التي تجمع بين الحداثة كمفهوم وبين مفاهيم جزئية تدخل تحتها مثل "التحديث – المُعاصرة – التجديد".
أما انسجام النص فقد تحقق باعتماد مبدإ السياق: لأننا فهمنا من عنوان النص أنه ذو طبيعة نقدية، لذلك كان طبيعيا أن نضع الحديث عن صراع القديم والجديد في سياق الحديث عن قضايا النقد، بالإضافة إلى مبدإ التشابه: فقد سبق لنا ورأينا نصوصا خاصة بقضايا نقدية متعددة، مثل قضايا: الطبع والصنعة، قضية نشأة الرواية، قضية بناء القصة القصيرة، قضية نشأة المسرح، قضية الحداثة في الشعر المعاصر، قضية الغموض في الشعر العربي الحديث إلخ. هذا دون أن ننسى مبدأ التغريض، لأنه النص جاء مليئا بالكلمات المفاتيح التي تبين معناه وغرضه، مثل كلمات "الجديد"، "القديم"، "المحدثون"، "المُولدون"، "التجديد"، فكلها كلمات ومبادئ ساهمت في توضيح النص في أذهاننا وتبيين المجال والذي ينتمي إليه).


ثالثا : الخاتمة (التركيب)


يجب في هذه المرحلة عرض أهم عناصر التحليل ملخصة تلخيصا تركيبيا، ثم عرض الحكم الشخصي على النص وتبيين كيفية الاستفاذة الشخصية منه.
(مثال من قضية الصراع بين الجديد والقديم في الشعر:

- تلخيص أهم عناصر التحليل:

وخلاصة القول، إن النص الذي حللناه نص نظري يعرض لقضية أدبية هامة، بين لنا مفاصل الصراع الدائر بين قوتين من قوى المجتمع والأدب، قوى التغيير والتجديد وقوى التقليد والمحافظة، وذلك على الساحة الشعرية، التي كانت دائما ساحة صراع بين المذاهب والاتجاهات. وكان تبيين مفاصل القضية رهنا بطريقة العرض التاريخية والاستنباطية التي ساعدت في إفهام النص، كما ارتبط بعرض القضية الأساسية ومناقشة أجزائها عبر الأمثلة والتحليل والتفسير. ولا يمكننا بأي حال إغفال أهمية المصطلحات والحجج في بسط الأفكار النقدية التي جاء بها الناقد والتي أغنت من رصيدنا المعرفي.

إبداء الرأي الشخصي:

وفي تصوري الشخصي أجد النص الماثل بين أيدينا مقالة أدبية هامة، بينت لنا باعتبارنا قراء كيفية امتداد الصراع التاريخي في الشعر العربي بين القديم والجديد، ومكنني شخصيا من فهم سبب وجود قوى محافظة إلى يومنا هذا في مجتمعاتنا ترفض كل شيء جديد سواء في الأدب أو في غيره من المجالات.)



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-